Hippocrates: Prognosticon (Prognostic)

Work

Hippocrates, Prognosticon (Προγνωστικόν)
English: Prognostic

Text information

Type: Translation (Arabic)
Translator: Ḥunayn ibn Isḥāq
Translated from: Syriac (Close)
Date: between 825 and 873

Source

Martin Klamroth. "Über die Auszüge aus griechischen Schriftstellern bei al-Jaʿqūbī. I. Hippokrates". Zeitschrift der Deutschen Morgenländischen Gesellschaft 40 (1886), 204-233

Download

hipp_progn-transl-ar1.xml [58.75 KB]

المقالة الأولى

١ (١) إنّي أرى أنّه من أفضل الأمور أن يستعمل الطبيب سابق النظر. وذلك أنّه إذا سبق فعلم وتقدّم فأنذر المرضى بالشيء الحاضر ممّا بهم وما مضى وما يستأنف وعبّر عن المريض كلّما قصّر عن صفته كان حريّاً بأن يوثق منه بأنّه قادر على أن يعلم أمور المرضى حتّى يدعو ذلك المرضى إلى الثقة به والاستسلام في يدي الطبيب. وكان علاجه لهم على أفضل الوجوه إذ كان يتقدّم فيعلم من العلل الحاضرة ما تؤول إليه. وذلك أنّه ليس يمكن الطبيب أن يبرئ جميع المرضى. ولو أمكنه ذلك لكان أفضل من أن يتقدّم فيعلم ما سيكون من أمورهم. ولمّا كان بعض

المرضى قد يموت قبل أن يدعى له الطبيب من صعوبة أمراضهم وبعضهم لا يلبث حتّى يدعوه أن يموت فلا يبقى إلّا يوماً واحداً أو أكثر من ذلك قليلاً قبل أن يستعدّ الطبيب بصناعته فيقاوم بها كلّ واحد من الأمراض فقد ينبغي أن تعرف طبائع تلك الأمراض التي هي مجاوزة لقوّة الأبدان وإن كان أيضاً مع ذلك في الأمراض شيء سماويّ فقد ينبغي أن يكون الطبيب سابق النظر فيه خبيراً. [وقد ينبغي أن تتقدّم فتنذر بموت من يموت منهم وسلامة من يسلم وتنذر بطول مرض من يطول مرضه أيّاماً أكثر وبقصر مرض من يلبث مرضه أيّاماً أقلّ وتنظر إن كان ذلك الإنسان بحال هي أردأ]. فإنّه إذا سلك هذا المسلك عجب الناس منه وحقّ لهم أن يعجبوا فكان طبيباً فاضلاً. وذلك أنّه يقدر فيمن يمكن أن يسلم أن يكون أحرى أن يحفظه على ما ينبغي إذ كان يسبق قبل مدّة طويلة فيروي فيما يقابل به كلّ واحد من الأمور. وإذا تقدّم وعرف وسبق وأنذر بموت من يموت وسلامة من يسلم لم يلمه لائم.

٢ (٢) وقد ينبغي أن تجعل نظرك في الأمراض الحادّة على هذا الطريق. انظر أوّلاً إلى وجه المريض هل يشبه وجوه الأصحّاء وخاصّة هل يشبه ما كان عليه. فإنّه إذا كان كذلك فهو على أفضل حالاته. فأمّا الوجه الذي هو من المضادّة لذلك الوجه الشبيه في الغاية بما كان عليه فهو أردأ الوجوه. وهذه

صفته. يكون الأنف منه حادّاً والعينان غائرتين والصدغان لاطئين والأذنان باردتين منقبضتين وشحمتاهما منقلبتين والجلدة التي على الجبهة صلبة ممتدّة جاسية ولون الوجه كلّه أخضر أو أسود أو كمداً أو رصاصيّاً. فإن كان الوجه في أوّل المرض بهذه الحال وليس يمكنك بعد أن تستدلّ مع ذلك بسائر الدلائل فقد ينبغي لك أن تسأل هل سهر ذلك الإنسان أو لان بطنه ليناً شديداً أو ناله شيء من الجوع. فإن أدلى بشيء من ذلك فينبغي أن تظنّ به أنّه أقلّ رداة. وذلك يمتحن حتّى تعرف هل صار الوجه بهذه الحال من قبل هذه الأسباب في يوم وليلة. فإن لم يُدلِ بشيء من ذلك ولم يسكن ألمه في المدّة التي حددتها قبيل فينبغي أن تعلم أنّ ذلك من دلائل الموت.

٣ فإن كان المرض قد جاوز ثلثة أيّام وكان الوجه بهذه الحال فقد ينبغي أن تسأل عن تلك الأشياء التي تقدّمت إليك في المسألة عنها وتتفقّد سائر الدلائل التي في البدن كلّه وفي العينين. فإنّ العينين إن كانتا تحيدان عن الضوء أو كانتا تدمعان من غير إرادة أو كانتا مزورّتين أو كانت إحداهما أصغر من الأخرى أو احمرّ بياضهما أو كانت فيهما عروق كمدة أو سود أو كان فيهما

رمص أو كانتا مضطربتين أو ناتئتين أو غائرتين جدّاً وكان لون الوجه كلّه متغيّراً فينبغي أن تظنّ بهذه الدلائل كلّها أنّها دلائل رديئة قتّالة. وقد ينبغي أن تتفقّد ما يظهر من باطن العينين في وقت النوم. فإنّه إن ظهر شيء من بياضهما والجفنان منطبقان ثمّ لم يكن ذلك عن ذرب أو شرب دواء مسهل ولم يكن أيضاً فيمن عادته أن ينام وعيناه بتلك الحال فإنّ ذلك دليل رديء قتّال جدّاً. فإن كان الجفن ملتوياً أو كان كمداً أو كانت الشفة أو الأنف بتلك الحال مع بعض تلك العلامات الباقية فينبغي أن يعلم المريض قريب من الموت.

٤ (٣) وينبغي أن يجد الطبيب المريض مستلقياً على جانبه الأيمن أو الأيسر ويداه ورجلاه وعنقه منثنية قليلاً وبدنه كلّه في نصبته رطب لأنّ أكثر الأصحّاء إنّما يستلقون للنوم بهذه الحال. وأحمد الاستلقاء أشبهه باستلقاء الأصحّاء. وأمّا استلقاء المريض على قفاه مع تمدّد يديه ورجليه ورقبته فأقلّ حمداً من ذلك. فإن كان مع ذلك يستسقط وينحدر عن سريره نحو قدميه فذلك أردأ. فإن وجد مع ذلك وقدماه مكشوفتان وليس هما

بالسخينتين جدّاً وقد رمى بيديه ورجليه وعنقه بحال اختلاف واضطراب فذلك رديء من قبل أنّه يدلّ على كرب. ومن دلائل الموت أيضاً أن يكون المريض ينام دائماً وفمه مفتوحاً. وأن تكون رجلاه وهو مستلقٍ على قفاه منثنيتين انثناء شديداً مشتبكتين. وأمّا نوم المريض على بطنه من غير أن يكون قد كانت عادته في صحّته أن ينام على بطنه فذلك رديء وذلك أنّه يدلّ على اختلاط العقل أو على ألم في نواحي البطن. ووثوب المريض للجلوس في وقت منتهى مرضه رديء في جميع الأمراض الحادّة وأردأ ما يكون في أصحاب ذات الرئة. وأمّا تصرير الأسنان في الحمّى فيمن لم تكن عادته منذ صبائه فذلك يدلّ على الجنون وعلى الموت. وقد ينبغي أن تتقدّم فتنذر بما تخاف على المريض من الأمرين جميعاً. فإن يفعل ما يفعل من ذلك وقد اختلط عقله فذلك يدلّ على أنّ هلاكه قد قرب. ومتى كان في بدن المريض قرحة إمّا متقدّمة قبل مرضه وإمّا حادثة في وقت مرضه فينبغي أن تتفقّدها. وذلك أنّه إذا كان المريض يؤول أمره إلى الهلاك فإنّ قرحته تلك تصير قبل موته يابسة إمّا مع صفرة

وإمّا مع كمودة إلى خضرة. (٤) وأمّا حركة اليدين فهذا ما ينبغي أن تعلم من أمرهما أنّهما في الحمّيات الحادّة وفي ذات الرئة وفي السرسام وفي الصداع إذا كانتا متحرّكتين نحو الوجه وكأنّه يصيد بهما شيئاً أو يلتقط بهما عيداناً أو ينتف بهما زبيراً من الثياب أو ينزع بهما تيناً من الحيطان فكلّ ذلك رديء قتّال جدّاً.

٥ (٥) وأمّا التنفّس فإنّه إذا كان متواتراً دلّ على ألم أو على التهاب في المواضع التي فوق الحجاب. وإذا كان عظيماً ثمّ كان فيما بين مدّة طويلة دلّ على اختلاط العقل. وإذا كان يخرج من المنخرين والفم وهو بارد فإنّه قتّال جدّاً. وأمّا جودة التنفّس فينبغي أن تعلم من أمره أنّ معه قوّة عظيمة جدّاً في الدلالة على السلامة في جميع الأمراض الحادّة تكون معها حمّى ويأتي البحران فيها في أربعين يوماً. (٦) وأمّا العرق فأجود ما يكون منه في جميع الأمراض الحادّة ما يكون في يوم من أيّام البحران وينجو به صاحبه من حمّاه نجاة تامّة. وقد يحمد منه أيضاً ما كان منه في البدن كلّه وصار المريض به إلى أن يكون لمرضه أسهل احتمالاً. وأمّا ما لم يفعل العرق شيئاً من ذلك فليس

ينتفع به. وأردأ ما يكون من العرق ما كان بارداً ثمّ ما كان في الرأس والرقبة فقط. فإنّ هذا العرق إذا كان مع حمّى حادّة دلّ على الموت وإذا كان مع حمّى هي ألين وأسكن أنذر بطول من المرض.

٦ (٧) وأمّا ما دون الشراسيف فأجود حالاته أن يكون سليماً من الألم ليّناً مستوياً من الجانب الأيمن والأيسر. فأمّا متى كان ملتهباً أو كان مؤلماً أو كان متمدّداً أو كان جانبه الأيمن مخالفاً لجانبه الأيسر فجميع ذلك ينبغي أن يحذر. فإن كان في نفس ذلك الموضع أيضاً الذي دون الشراسيف ضربان دلّ على اضطراب أو على اختلاط عقل. لكنّه قد ينبغي أن تتفقّد العينين من أصحاب هذه الحال. فإن رأيت العينين تتحرّكان حركة متواترة فتوقّع لصاحبها الجنون. وأمّا الورم الحادث فيما دون الشراسيف إذا كان جاسياً مؤلماً فأردأ ما يكون منه ما اشتمل على ذلك الموضع كلّه. فإن كان في أحد الجانبين فالأسلم منه ما كان في الجانب الأيسر. وهذه الأورام تدلّ في أوّل المرض على خطر من الموت وحيّ. فإن جاوزت عشرين يوماً والحمّى باقية والورم لم يسكن آل أمرها إلى التقيّح. وقد يحدث لأصحاب هذه الحال في الدور الأوّل انبعاث دم من المنخرين فينتفعون به جدّاً. لكنّه قد ينبغي أن تسألهم هل يجدون صداعاً أو غشاوة. فإنّه إن كان بهم شيء من ذلك فإلى هناك الميل. وأحرى

ان تتوقّع انبعاث الدم لمن كان سنّه دون الخمس وثلثين سنة. وأمّا ما كان من الأورام ليّناً لا وجع معه يتحرّك تحت الإصبع إذا غمز عليه فبحرانه يكون أبطأ وهو أقلّ عادية من تلك الأورام الأول. فإن جاوزت الستّين يوماً والحمّى باقية والورم لم يسكن دلّ ذلك أيضاً على أنّه يتقيّح وما يكون من الأورام أيضاً في سائر نواحي البطن فمجراه هذا المجرى.

٧ وما كان من الأورام مؤلماً صلباً عظيماً فإنّه يدلّ على الخطر على الموت الوحيّ. وما كان منها ليّناً غير مؤلم يتحرّك تحت الإصبع إذا غمز عليه فهو أبطأ من تلك. والأورام التي تكون في البطن أقلّ جمعاً من الأورام التي تكون فيما دون الشراسيف. وأقلّها تقيّحاً ما كان أسفل السرّة. وإنّما ينبغي أن تتوقّع في تلك انبعاث دم وخاصّة من المواضع التي هي أعلى منها. وجميع الأورام إذا طالت مدّتها وأزمنت في هذه المواضع فينبغي أن تتوقّع لها التقيّح. وينبغي لك أن تجعل نظرها في أمر الأورام التي تتقيّح في تلك النواحي على هذا المثال. أقول إنّ أحمد ما يكون ممّا يميل منها إلى خارج ما كان منها صغيراً وكان على غاية الميل إلى خارج وكان مرؤوساً محدّد الرأس.

وأردأها ما كان عظيماً عريضاً ليس له كبير رأس محدّد. وأحمد ما كان انفجاره منها إلى داخل ما لم يكن بوجه من الوجوه مشاركاً للموضع الخارج لكنّها تكون منقبضة لاطئة لا وجع معها فترى الموضع الخارج معها كلّه متشابه اللون. وأمّا المدّة فأحمد ما يكون منها ما يكون أبيض مستوياً أملس وليس له رائحة منكرة. وأمّا ما كان حاله على غاية المضادّة لتلك الحال فهو في غاية الرداءة.

المقالة الثانية

٨ (٨) فأمّا الاستسقاء الذي يكون من الأمراض الحادّة فكلّه رديء. وذلك أنّ صاحبه لا يتخلّص من الحمّى الشديدة ويؤلم ألماً شديداً ويقتل. وأكثر ما يبتدئ من الخاصرتين والقطن ومنه ما يبتدئ من الكبد. فمن ابتدأ به الاستسقاء من الخاصرتين والقطن فإنّ قدميه ترمان ويعرض له ذرب يدوم به مدّة طويلة فلا تنحلّ به الأوجاع التي يجدها في خاصرتيه وفي قطنه ولا يفرغ بطنه. وأمّا الاستسقاء الذي يكون من الكبد فيعرض لصاحبه أن تدعوه نفسه إلى أن يسعل من غير أن ينفث شيئاً يعتدّ به وترم قدماه ولا ينطلق بطنه ولا يخرج منه شيء إلّا يابس صلب باستكراه وتحدث في بطنه أورام بعضها في الجانب الأيمن وبعضها في الجانب الأيسر تظهر أحياناً ثمّ لا تلبث من أن تسكن. (٩) وإذا كان الرأس

والكفّان والقدمان باردة والبطن والجنبان حارّة فذلك رديء. ومن أفضل الأمور أن يكون البدن كلّه حارّاً ليّناً على استواء. وينبغي أن يكون تقلّب المريض تقلّباً سهلاً وإذا استقلّ يكون بدنه خفيفاً. ومتى كان البدن ثقيلاً واليدان والرجلان ثقيلة فالخطر أزيد. فإن كان مع الثقل كمودة تضرب إلى خضرة في الأظفار والأصابع فالموت حالّ عن قريب. وتسوّد الأصابع والقدمين أصلاً فيكون ذلك أقلّ في الدلالة على الهلاك منها إذا كانت قد مالت إلى الخضرة والكمودة. ولكنّه ينبغي لك عند ذلك أن تتفقّد سائر الدلائل وتتدبّر أمرها. فإنّك إن رأيت المريض محتملاً لما حلّ به من الآفة احتمالاً سهلاً وكان مع ذلك دليل أخر من الدلائل التي تدلّ على السلامة دلّ ذلك على أنّ المرض يندفع بخروج خراج حتّى يسلم المريض وتسقط المواضع التي اسودّت من البدن.

٩ (١٠) فأمّا الأنثيان والقضيب إذا تقلّصت فإنّها تدلّ على ألم أو على الموت. فأمّا النوم فينبغي أن يكون على ما جرت به العادة منّا مجرى الطبع حتّى يكون المريض بالنهار منتبهاً وبالليل نائماً. فإن تغيّر ذلك كان الحال أردأ. وأقلّ ما يكون الأردأ والمكروه من النوم إذا نام المريض في أوّل النهار إلى أن يمضي منه نحو

ثلاثة ساعات. وأمّا النوم الذي يكون بعد هذا الوقت فهو أردأ. ومن أردأ الحالات أن لا ينام المريض لا بالليل ولا بالنهار. وذلك أنّه إنّما يسهر إمّا من وجع وألم وإمّا من أن يصيبه اختلاط في عقله من قبل هذا الدليل.

١٠ (١١) فأمّا البراز فأحمده ما يكون ليّناً مجتمعاً وكان خروجه في وقت خروجه في حال الصحّة وكان مقداره بقياس ما يرد البدن. وذلك أنّ البراز إذا كان بهذه الحال كانت الناحية السفلى من البطن صحيحة. فإن كان البراز رقيقاً فيحمد منه ما لا يكون معه صوت ولا يكون خروجه متواتراً قليلاً قليلاً. وذلك أنّه إذا كان كذلك حتّى يحدث للمريض إعياء من كثرة القيام وتتابعه عرض له من ذلك سهر. فإن خرج منه شيء كثير مراراً كثيرة لم يؤمن على المريض الغشي. ولكنّه ينبغي أن يكون البراز بحسب ما يرد البدن مرّتين أو ثلث مرّات بالنهار ومرّة بالليل ويكون أكثره نحو السحر وكما من عادة ذلك الإنسان أن يقوم. وقد ينبغي أن يثخن البراز إذا أمعن المريض نحو البحران. وينبغي أن يكون البراز مائلاً إلى الصفرة ما هو ولا يكون شديد

النتن وممّا يحمد أيضاً أن تخرج مع البراز حيّات إذا أمعن المريض نحو البحران. وينبغي أن يكون البطن في كلّ مرض خالياً سميناً. وأمّا البراز المائيّ الرقيق جدّاً والأبيض والأصفر الشديد الصفرة والزبديّ فكلّ ذلك رديء. ومن البراز الرديء البراز اليسير اللزج الأملس الأبيض منه والأصفر. وأدلّ من هذا على الموت البراز الأسود والدسيم والأخضر المنتن. وأمّا البراز المختلف الألوان فينذر من طول المرض بأكثر ممّا تنذر به تلك الأصناف الأخر وليس ما يدلّ عليه من الهلاك بدون ما يدلّ عليه تلك. وأعني بذلك ما كان من البراز فيه خراطة وما يضرب لونه إلى لون الكرّاث وما كان أسود وربّما خرجت هذه الألوان كلّها معاً وربّما خرج كلّ واحد منها على حدته. فأمّا الريح فأحمد خروجها ما لم يكن معها صوت. وخروجها على كلّ حال مع صوت خير من اختفائها حيث هي. وإذا خرجت مع صوت فإنّها تدلّ أنّ بصاحبها ألماً واختلاط عقل إلّا أن يكون خروج الريح منه بإرادته. فأمّا الأورام التي تكون فيما دون الشراسيف وما يخفو منها إذا كان قريب العهد ولم يكن معه التهاب فإنّ القرقرة الحادثة في ذلك الموضع تحلّها. وخاصّة إن خرجت مع البراز

والبول وإن لم تخرج فبانتقالها. وقد ينتفع أيضاً بانحدارها إلى أسفل.

١١ (١٢) وأحمد البول ما كان فيه ثفل راسب أبيض أملس مستوٍ في مدّة المرض كلّه إلى أن يأتي فيه البحران. فإنّ ذلك يدلّ على الثقة وعلى القصر من المرض. فإن أخلّ حتّى يبول مرّة بولاً صافياً ومرّة يرسب فيه ثفل أبيض أملس كان المرض أطول وكان الأمن فيه أقلّ. فإن كان البول يضرب إلى الحمرة المشبعة والثفل الراسب فيه بذلك اللون أملس كان المرض أطول مدّة من الأوّل لكنّه يكون سليماً جدّاً. فأمّا متى كان الثفل الراسب في البول شبيهاً بجلال السويق فإنّه رديء. وأردأ منه ما كان شبيهاً بالصفائح. وما كان منه رقيقاً أبيض فهو رديء جدّاً. وأردأ منه ما كان شبيهاً بالنخالة. وأمّا الغمامة المتعلّقة في البول فإنّها متى كانت بيضاء فهي محمودة ومتى كانت سوداء فهي مذمومة. وما دام البول أصفر رقيق القوام فإنّه يدلّ على أنّ المرض لم ينضج بعد. فإن كان مع ذلك في المدّة طول فليس يؤمن أن يبقى المريض إلى أن ينضج مرضه. ومن أدلّ الأبوال على الموت ما كان منها مائيّاً وما كان منتناً وما كان أسود وما كان غليظاً. وأردأ الأبوال للرجال والنساء البول الأسود وللصبيان المائيّ. ومن يبول بولاً نيّاً رقيقاً مدّة طويلة إن كانت سائر الدلائل تنذر بأنّه يسلم فإنّه ينبغي أن يتوقّع له خراج يخرج في المواضع التي هي أسفل من الحجاب. وقد ينبغي أن تذمّ أيضاً الدسومة التي تطفو فوق البول بمنزلة نسج العنكبوت لأنّ

هذا الدليل يدلّ على الذوبان. وقد ينبغي أن تتفقّد من الأبوال ما فيه الغمامة هل تلك الغمامة منه في أسفله أو هي في أعلاه وبأيّ الألوان هي. فما كان منها يهوي إلى أسفل مع الألوان التي ذكرت ظننت به أنّه جيّد وحمدته. وما كان منها يسمو إلى فوق مع الألوان التي ذكرت ظننت به أنّه رديء وذممته. واحذر أن لا تغلّطك المثانة بأن تكون فيها علّة فترى في البول شيئاً من ذلك. فإنّ ذلك الدليل ليس يكون حينئذ على البدن كلّه لكنّه يكون على المثانة على حدتها.

١٢ (١٣) وأنفع القيء ما كان البلغم فيه مخالطاً للمرار جدّاً. ولا يكون ما يتقيّأ منه غليظاً جدّاً لأنّ القيء كلّما كان أقرب إلى أن يكون صرفاً محضاً كان أردأ. فإن كان ما يتقيّأ في لون الكرّاث أو أخضر أو أكمد أو أسود فكلّ ما كان من هذه الألوان فينبغي أن تظنّ به أنّه رديء. فإن تقيّأ الإنسان الواحد جميع هذه الألوان فإنّ ذلك قتّال جدّاً. وإذا كان يتقيّأ أخضر وكان منتناً فإنّه يدلّ على الموت الوحيّ جدّاً. وجميع الروائح المنتنة العفنة رديئة في جميع ما يتقيّأ. (١٤) فأمّا البصاق فينيغي في جميع العلل النازلة بالرئة والأضلاع أن يكون نفثه سريعاً سهلاً وترى فيه الحمرة جدّاً مخالطة للريق. فإنّه إن تأخّر عن أوّل الوجع

تأخّراً كثيراً ثمّ كان نفثه وهو أحمر أو أصفر أو مع سعال كثير وليس المخالط للريق جدّاً كان ذلك رديء. من قبل أنّ الأحمر إذا كان صرفاً دلّ على خطر والأبيض اللزج المستدير ممّا لا ينتفع به. وما كان أيضاً أخضر جدّاً أو زيديّاً فهو رديء. فإن كان قد بلغ من صروفته أن تراه أسود فهذا أردأ من تلك. ومتى لم يرتفع من الرئة شيء حتّى لم تخرج لكنّها تبقى ممتلئة حتّى يحدث لها شبيهاً بالغليان في الحلق فهو أيضاً رديء. فأمّا الزكام والعطاس في جميع العلل التي تكون في الرئة والأضلاع فرديء كان ذلك قبل العلّة أو بعد حدوثها. وأمّا في سائر الأمراض القتّالة فالعطاس فيها ممّا ينتفع به.

١٣ فأمّا البصاق الذي يخالطه شيء من الدم ليس بالكثير وهو أحمر ناصع في ورم الرئة فهو في أوّل العلّة يدلّ على السلامة جدّاً. فإذا أتى على العلّة سبعة أيّام أو أكثر من ذلك والبصاق بتلك الحال فلتكن ثقتك به أقلّ. وكلّ بصاق لا يكون به سكون الوجع فهو رديء. وأردأ ما يكون منه الأسود كما وصفت. وكلّ ما كان به سكون الوجع فهو أحمد. (١٥) وما كان من الأوجاع في هذه المواضع لا يسكن عند نفث البصاق ولا عند استفراغ البطن ولا عند الفصد والتدبير والعلاج بالأدوية فينبغي

أن تعلم أنّ أمره يؤول إلى التقيّح. وما كان من التقيّح يحدث والبصاق بعد يغلب عليه المرار فهو رديء جدّاً كان خروج ما يخرج منها مرّة البصاق الذي يغلب عليه المرار ومرّة المدّة أو كان خروجهما معاً. ولا سيّما متى بدأت المدّة وقد أتى على المرض سبعة أيّام. وتوقّع لمن ينفث هذا النفث أن يموت في اليوم الرابع عشر اللّهمّ إلّا أن يحدث له حادث محمود. وهذه هي الأمارات المحمودة أن يكون المريض حسن الاحتمال لمرضه بسهولة وأن يكون نفسه حسناً وأن يكون سليماً من الألم وأن يقذف ما يقذفه من البصاق مع السعال بسهولة وأن يوجد بدنه كلّه مستوياً في الحرارة واللين وأن لا يكون به عطش وأن يكون بوله وبرازه ونومه وعرقه كلّ واحد منها على ما وصفت فيما تقدّم من الأمارات المحمودة. فإنّ هذه الدلائل كلّها إذا كانت على هذه الحال لم يمت المريض. فإن كان بعضها موجوداً وبعضها مفقوداً أبقى المريض حتّى يجاوز الأربعة عشر يوماً ثمّ مات فيما بعد ذلك. وأمّا الرديئة فهي أضداد تلك. وهي هذه أن يعسر على المريض احتمال مرضه وأن يكون نفسه عظيماً متواتراً ولا يسكن عنه ألمه وأن يكون نفثه لما ينفثه مع السعال بكدّ وأن يعطش عطشاً شديداً وأن تكون حرارة الحمّى في البدن مختلفة حتّى يكون البطن والجنبان شديدة الحرارة وتكون الجبهة والكفّان

والقدمان باردة وأن يكون البول والبراز والعرق والنوم على ما وصفنا حتّى يكون كلّ واحد منها رديئاً. فإن حدث للمريض بعد ذلك النفث شيء من هذه الدلائل فإنّه يعطب قبل أن يبلغ أربعة عشر يوماً إمّا في اليوم التاسع وإمّا في اليوم الحادي عشر. فعلى هذا ينبغي أن تنزل الأمر متى كان البصاق يدلّ جدّاً على الموت ولا يتأخّر إلى أربعة عشر يوماً. فإذا أنت تفكّرت مع ذلك فيما يحدث من الدلائل المحمودة والدلائل الرديئة قدرت أن تصل بذلك إلى تقدمة المعرفة بما سيكون. ومن سلك هذا الطريق كان في أكثر الأمر مصيباً.

١٤ وأمّا سائر التقيّح فأكثره ينفجر بعضه في العشرين وبعضه في الأربعين وبعضه ينتهي نحو الستّين. (١٦) وقد ينبغي أن تنظر متى كان ابتداء التقيّح وتحسب ذلك منذ أوّل يوم حمّى فيه المريض أو أصابه نافض أو زعم أنّه كان يجد ألماً فصار مكانه ثقل في الموضع الذي كان يجد فيه الألم. فإنّ هذه الأشياء ممّا يكون في ابتداء التقيّح. فمنذ هذا الوقت ينبغي لك أن تحسب وتتوقّع الانفجار في الأوقات التي تقدّم ذكرها. فإن كان التقيّح من الجانب الواحد فقد ينبغي أن تتفقّد من أمر هؤلاء هل يجدون وجعاً في الجنب. وإن كان أحد الجنبين أسخن

من الآخر تأمر المريض أن يضطجع على جانبه الصحيح ثمّ تسأله هل تخيّل إليه كأنّه ثقل معلّق من جانبه الأعلى. فإنّه إن كان الأمر كذلك فإن التقيّح من جانب واحد. (١٧) وقد ينبغي أن تتعرّف جميع أصحاب التقيّح بهذه الدلائل. أمّا أوّل الأمر فإنّ الحمّى لا تفارقهم لكنّها بالنهار تكون رقيقة فإذا كان الليل كانت أزيد ويعرقون عرقاً كثيراً ويستريحون إلى السعال ولا ينفثون شيئاً يعتدّ به وتغوران العينان وتحمرّان الوجنتان وتنعقف الأظافر في اليدين وتسخن الأصابع وخاصّة أطرافها وتحدث في القدمين أورام تكون ثمّ تسكن ولا يشتهون الطعام وتحدث في أبدانهم نفّاخات.

١٥ وما تطول مدّته من التقيّح فإنّه تظهر فيه هذه العلامات وينبغي أن تثق بها غاية الثقة. وأمّا ما كان منها قصير المدّة فينبغي أن تنظر هل يظهر فيها شيء من تلك الدلائل التي تكون في الابتداء وتنظر أيضاً إن كان نفس ذلك الإنسان بحال هي أردأ. وأمّا ما ينفجر من ذلك هل يكون انفجاره أسرع وأبطأ فبهذه الدلائل ينبغي أن تتعرّف ذلك. فإن كان الألم يحدث منذ أوّل الأمر وسوء التنفّس والسعال ونفث البصاق لا يزال باقياً

فينبغي أن تتوقّع الانفجار نحو العشرين يوماً أو قبل ذلك. فإن كان الألم أهدأ وجميع تلك الأشياء على قياس هذا فينبغي أن تتوقّع التقيّح بعد تلك المدّة. ولا بدّ قبل نفث المدّة أن يتزيّد الألم وسوء التنفّس ونفث البصاق. وأكثر من يسلم من هؤلاء من فارقته الحمّى من يومه بعد الانفجار واشتهى الطعام بسرعة ولم يكن به عطش وكان ما يخرج من بطنه يسيراً مجتمعاً وكانت المدّة التي ينفثها بيضاء ملساء كلّها بلون واحد وليس يخالطها شيء من البلغم وينقى بلا كدّ ولا سعال شديد. فمن كانت هذه حاله فإنّه يتخلّص على أفضل الوجوه وفي أسرع الأوقات. وبعد هذا من كان أقربه حالاً. والذي يعطب من هؤلاء من لم تفارقه الحمّى من يومه أو وهمت أنّها قد فارقته ثمّ كرّت عليه بعد ويكون به عطش ولا يشتهي الطعام ويكون بطنه ليّناً ويكون ما يخرج من المدّة أخضر ويكون نفثه بلغميّاً زبديّاً. ومتى حدثت هذه الأمور كلّها فإنّ صاحبها يعطب. وأمّا من حدث به بعضها ولم يحدث به البعض فبعضهم يعطب وبعضهم يسلم على طول المدّة. وقد ينبغي أن تستدلّ من جميع الدلائل التي توجد في هؤلاء ومن سائر الدلائل كلّها. (١٨) فأمّا من حدثت به الخراجات من علل ذات الرئة عند الأذنين وفي المواضع السفليّة فإنّ تلك الخراجات تتقيّح وتنفجر وتصير نواصير وأصحاب

هذه العلل يتخلّصون. وينبغي أيضاً أن تنظر في هذه الوجوه على هذا المثال. فمتى كانت الحمّى لازمة وكان الألم لم يسكن وكان نفث البصاق لم ينبعث على ما ينبغي ولا كان الغالب على ما ينحدر من البطن المرار ولا كان منطلقاً صرفاً ولا كان البول كثيراً جدّاً وفيه ثفل راسب كثير وكانت سائر الدلائل كلّها تدلّ على السلامة فقد ينبغي أن يتوقّع لأصحاب هذه الحال حدوث مثل هذه الخراجات.

١٦ وما يحدث من هذه الخراجات في المواضع السفليّة إنّما يحدث بمن يكون به فيما دون الشراسيف شيء من الالتهاب. وما يحدث منها فوق إنّما يحدث بمن كان ما دون الشراسيف منه خالياً من الغلظ والألم دائماً ثمّ يعرض له سوء تنفّس فلبث مدّة ما ثمّ يسكن من غير سبب ظاهر. وأمّا الخراجات التي تحدث في الرجلين في علل ذات الرئة القويّة العظيمة الخطر فكلّها نافعة. وأفضلها ما كان حدوثه وما ينفث بالبصاق قد بان فيه التغيّر. وذلك أنّه متى كان حدوث الورم والألم بعد أن يكون ما ينفث بالبصاق قد تغيّر عن الحمرة إلى حال التقيّح وانبعث إلى خارج كانت سلامة ذلك الإنسان على غاية الثقة وكان الخراج يسكن حتّى يذهب ألمه في أسرع الأوقات. فإن كان ما ينفث بالبصاق ليس يخرج على ما ينبغي ولم يظهر في البول ثفل راسب محمود فليس يؤمن أن يزمن المفصل الذي خرج

فيه الخراج أو يلقى منه صاحبه شدّة شديدة. فإن غابت الخراجات وما ينفث بالبصاق لم يتنفّث والحمّى لازمة فذلك رديء. وذلك أنّه لا يؤمن على المريض أن يختلط عقله ويموت. وأكثر من يموت من أصحاب التقيّح الحادث عن ذات الرئة من كان يطعن في السنّ أكثر. وأمّا سائر التقيّح فالذين هم أحدث سنّاً يموتون منه أكثر. (١٩) فأمّا الأوجاع التي تكن مع حمّى في القطن وفي المواضع السلفيّة فإنّها إن لابست الحجاب بعد أن تفارق المواضع السفليّة كان ذلك قتّالاً جدّاً. فقد ينبغي ان تتدبّر بعقلك سائر الدلائل. فإنّك إن رأيت مع ذلك دليلاً رديئاً من سائر الدلائل فليس يرجى ذلك المريض. فإن كان المرض قد تراقى إلى الحجاب وسائر الدلائل ليست بالرديئة فلتقوّ رجاءك بأنّ ذلك المريض يؤول أمره إلى التقيّح. ومتى كانت المثانة صلبة مؤلمة فإنّها رديئة في جميع الأحوال قتّالة. وأقتل ما يكون إذا كان معها حمّى دائمة. وذلك أنّ آلام المثانة قد تقوى على أن تقتل. والبطن لا ينبعث في ذلك الوقت. وقد يحلّ ذلك البول إذا بيل بمنزلة القيح وفيه ثفل راسب أبيض أملس. فإن لم ينبعث البول أصلاً ولم تلن المثانة وكانت الحمّى دائمة فتوقّع لصاحب ذلك الألم الهلاك في الأدوار الأول من مرضه. وهذا النوع يصيب خاصّة الصبيان

منذ يكونون أبناء سبع سنين إلى أن يبلغوا خمسة عشر سنة.

المقالة الثالثة

١٧ (٢٠) فأمّا الحمّيات فيأتي فيها البحران في تلك الأعداد من الأيّام بأعيانها التي يسلم منها من يسلم من الناس ويعطب من يعطب. وذلك أنّ أسلم الحمّيات التي يعتهد فيها على أوثق الدلائل فقد تنقضي في اليوم الرابع أو قبله. وأخبث الحمّيات التى يظهر فيها أردأ الدلائل فإنّها تقتل في اليوم الرابع أو قبله. والدور الأوّل من أدوارها عند هذا ينتهي. وأمّا الدور الثاني فينتهي في اليوم السابع. وأمّا الدور الثالث فينتهي في اليوم الحادي عشر. وأمّا الدور الرابع فينتهي في اليوم الرابع عشر. وأمّا الدور الخامس فينتهي في السابع عشر. وأمّا الدور السادس فينتهي في اليوم العشرين. وهذه الأدوار تجري على أربعة أربعة في الأمراض الحادّة إلى اليوم العشرين على طريق المزيد والمراتب. وليس يمكن أن يحسب شيء من هذا على حساب أيّام تامّة إذ كان ليس بممكن أن تحسب السنة ولا شهورها على حساب أيّام تامّة. ثمّ بعد هذه الأدوار على ذلك الطريق وعلى ذلك الوجه من المزيد يكون الدور الأوّل في

أربعة وثلثين يوماً والثاني في أربعين يوماً والثالث في ستّين يوماً. وما كان من هذه يكون انقضاؤه في مدّة أطول فتقدمة المعرفة في أوّلها عسرة. وذلك أنّ أوائلها متشابهة جدّاً. لكنّه قد ينبغي منذ أوّل يوم أن تتفكّر وكلّما جاوزت أربعة أيّام تفقّدت فإنّه لن يخفى عليك إلى أين يميل. وسكون الربع أيضاً إنّما يكون على هذا النظام. والأمراض التي شأنها أن تنقضي في أقلّ المدد فهي أسهل تعرّفاً. وذلك لأنّ الأشياء التى تفارق بها غيرها على أعظم ما يكون. وذلك أنّ الذين هم على سبيل السلامة يكون نفسهم نفساً حسناً ويكونون سليمين من الألم وينامون الليل ويكون سائر الدلائل فيهم على غاية الثقة. فأمّا الذين يعطبون فإن نفسهم يكون رديئاً ويشوبهم اختلاط ويعتريهم أرق ويكون سائر الدلائل فيهم على غاية الرداءة. وقد ينبغي أن تدبّر أمر الوقت وأمر كلّ واحد من مقادير التزيّد إلى أن تبلغ الأمراض وقت انقضائها على أنّ هذه الأمور جارية على ما وصفنا. وعلى هذا القياس تحدث البحرانات للنساء أيضاً بعد ولادتهن. (٢١) وإذا كان في الرأس آلام شديدة دائمة مع حمّى وكان مع ذلك شيء من أمارات الموت فإنّ ذلك قتّال جدّاً. فإن كانت الأوجاع من غير تلك الأمارات وجاوز الوجع

العشرين يوماً والحمّى لازمة فينبغي أن تتوقّع انبعاث الدم من المنخرين أو غير ذلك من الخراج في النواحي السفليّة من البدن. وما دام الوجع طريّاً فينبغي أن تتوقّع انفجار الدم من المنخرين أو التقيّح. وخاصّة متى كان الألم إنّما هو نحو الصدغين والجبهة. والأولى أن تتوقّع انفجار الدم لمن كان سنّه دون الخمس وثلثين سنة. وأمّا من كان أسنّ من هؤلاء فتوقّع له التقيّح. (٢٢) وأمّا ألم الأذن الحادّ مع الحمّى الدائمة القويّة فدليل رديء. وذلك أنّه لا يؤمن على صاحبه أن يختلط عقله ويعطب. فإذا كان هذا ذا خطر أشدّ فينبغي أن تتدبّر بعقلك سائر الأمارات كلّها منذا أوّل يوم. وقد يعطب من الناس من كان شابّاً في اليوم السابع من هذه العلّة وأوحى من ذلك. وأمّا المشايخ فأبطأ من ذلك كثيراً. وذلك أنّ الحمّيات واختلاط الذهن يصيبهم أقلّ وآذانهم تسبق فتتقيّح لهذا السبب. لكنّ في هذه الأسنان عودات المرض إذا كرّت تقتل أكثر أصحابها. وأمّا الشباب فقبل أن تتقيّح آذانهم يهلكون. وذلك أنّه إن سالت المدّة من آذانهم فقد ترجى للشباب السلامة إن ظهرت فيهم أمارات أخرى محمودة.

١٨ (٢٣) فأمّا الحلق الذي تحدث فيه القرحة مع الحمّى فهو

دليل رديء. فإن ظهر مع ذلك دليل آخر ممّا قد وصفت فيما تقدّم أنّه رديء فينبغي أن تتقدّم فتنذر بأنّ المريض بحال ذات خطر. فأمّا الذبحة فأردأها وأقتلها بسرعة ما كان منها لا يظهر منه في الحلق ولا في الرقبة شيء بيّن وكان فيه أشدّ الوجع وانتصاب التنفّس. فإنّ من كانت هذه حاله من الذبحة قد يختنق صاحبها في اليوم الأوّل أو في الثاني أو في الثالث أو في الرابع. وأمّا الذبحة التي يكون فيها الألم على ذلك المثال لكن يحدث معها ورم وحمرة في الحلق فإنّها قتّالة جدّاً إلّا أنّها أبطأ من التي ذكرت. وأمّا الذبحة التي يحمرّ معها الحلق والرقبة فإنّها أبطأ مدّة. وأحرى أن يسلم منها أصحابها إذا كان في الرقبة والصدر حمرة ولم تعد الحمرة إلى داخل. فإن لم تغب الحمرة في يوم من أيّام البحران ولا عند خراج ينعقد في ظاهر البدن ولا عند ما يقذف العليل بالسعال المدّة بسهولة ورأيت المريض كأنّه قد هدأ ألمه دلّ ذلك على الموت أو على عودة من المرض. والأحرى أن تكون الحمرة مائلة إلى
خارج وإن يكون سائر الخراجات أميل إلى برّاً. فإن مالت إلى الرئة أحدثت اختلاط عقل وحدث عن ذلك في أكثر الأمر التقيّح. وأمّا اللهاة فالأمر في قطعها وفي بطّها خطر ما دامت حمراء عظيمة. وذلك أنّه قد تتبع ذلك أورام وانبعاث دم. لكن قد ينبغي في ذلك الوقت أن تضمر بسائر الحيل. فإذا تفرّغ جميع ذلك الذي يسمّى العنبة وصار طرف اللهاة أعظم وأغلظ وأميل إلى الكمودة وصار ما هو أعلى منه أدقّ ففي ذلك الوقت ثق بعلاج اللهاة. والأجود أن تروم علاجها بعد أن يستفرغ البطن إذا كانت مدّة الزمان مواتية ولم تخف على المريض أن يختنق. (٢٤) وأمّا من سكنت عنه الحمّى من غير أن يكون ظهرت فيه علامات تدلّ على انقضاء المرض ولا كان سكون حمّاه في يوم من أيّام البحران فإنّه ينبغي أن تتوقّع له عودة مرضه عليه. ومن طالت به حمّاه وكان بحال سلامة وليس به ألم من التهاب أصلاً ولا من سبب آخر بيّن فينبغي أن يتوقّع له خراج من ورم وألم في مفاصله وخاصّة السفليّة. وأحرى أن تكون هذه الخراجات في مدّة من الزمان أقلّ لمن كان سنّه دون الخمس وثلاثين سنة. وينبغي أن تتوقّع الخراج منذ يجاوز المرض العشرين يوماً. وأمّا من كان أسنّ من أولائك فأقلّ ما تحدث به الخراجات

إذا طالت حمّاه. وينبغي أن تتوقّع مثل هذا الخراج متى كانت الحمّى دائمة. وتتوقّع انتقال الحمّى إلى الربع إذا كانت تغب وتعاود على غير نظام ويكون ذلك منها وقد قرب الخريف. وكلّما تحدث الخراجات لمن كان سنّه دون الخمس وثلثين سنة كذلك يحدث الربع لمن كان قد أتت عليه أربعون سنة أو كان أسنّ منه. وأمّا الخراجات فينبغي أن تعلم من أمرها أنّها تكون في الشتاء أكثر ويكون سكونها أبطأ وتكون معاودتها أقلّ.

١٩ فأمّا من شكا في حمّى ليست بالقتّالة صداعاً أو رأى أمام عينيه شيئاً أسود فإنّه إن أصابه مع ذلك وجع في فؤاده فإنّه يحدث له قيء مرار. فإن أصابه مع ذلك نافض وكانت النواحي السفليّة ممّا دون الشراسيف منه باردة كان القيء أسرع إليه. فإن تناول شيئاً من الطعام في ذلك الوقت أو الشراب أسرع إليه القيء جدّاً. ومن بدأ به الوجع من هؤلاء من أوّل يوم فإنّه أحرى أن يشتدّ به في اليوم الرابع والخامس. فإذا كان السابع ذهب عنه. فأمّا أكثرها فيبتدئ به الوجع في اليوم الثالث ويشتدّ بهم خاصّة في اليوم الخامس. ثمّ يذهب عنهم في اليوم التاسع أو في اليوم حادي عشر. ومنهم من يبتدئ به الوجع في اليوم الخامس ثمّ يكون سائر أحوالهم على قياس الذين تقدّموهم ثم ينقضي مرضهم في اليوم الرابع عشر. وهذه الأشياء تكون

في الرجال والنساء في حمّيات الغبّ خاصّة. فأمّا فيمن هو أحدث سنّاً من أولئك فقد تحدث له تلك الأشياء في تلك الحمّيات إلّا أنّ حدوثها في الحمّيات التي هي أدوم أكثر وفي حمّيات الغبّ الخالصة أقلّ. فأمّا من أصابه في مثل هذه الحمّيات صداع وأصابه في عينيه مكان السواد الذي يراه أمامها غشاوة أو رأى أمام عينيه شبيهاً باللمع وأصابه مكان وجع الفؤاد تمدّد فيما دون الشراسيف من الجانب الأيمن أو الأيسر من غير وجع ولا تلهّب فتوقّع لهذا انبعاث دم من منخريه مكان القيء. وتوقّع خاصّة في مثل هذا الموضع لمن كان أحدث سنّاً انفجار الدم. وأمّا من كان قد ناطح الستّين سنة ومن كان أسنّ منه فيكون توقّعك له انفجار الدم أقلّ. لكنّه ينبغي لك أن تتوقّع له القيء. وأمّا الصبيان فيعرض لهم التشنّج متى كانت حمّياتهم حادّة وكانت بطونهم مغتلقة وكانوا يسهرون ويتفزّعون ويبكون وتحوّل ألوانهم فتصير إلى الخضرة أو إلى الحمرة أو إلى الكمودة. وأسهل ما تكون هذه الأشياء للصبيان الذين هم في غاية الصغر إلى أن ينتهوا إلى سبع سنين. وأمّا الصبيان الذين هم أكبر من هؤلاء وللرجال فإنّه لا يعرض لهم في حمّياتهم التشنّج متى لم يحدث لهم من الدلائل شيء ما هو في غاية القوّة وفي غاية الرداءة مثل الدلائل التي تحدث في السرسام.

٢٠ (٢٥) وقد ينبغي أن تستدلّ على من يسلم وعلى من يعطب من الصبيان ومن غيرهم من جميع الأعلام كما تبيّن من أمر كلّ واحد في كلّ واحد من الأمراض. وقولي هذا إنّما هو في الأمراض الحادّة وما يتولّد منها. وقد ينبغي لمن يريد أن يتقدّم فيخبر بسلامة من يسلم وبموت من يموت وينذر بطول مرض من يدوم به مرضه أيّاماً أكثر وبقصر مرض من يلبث به مرضه أيّاماً أقلّ أن بتعرّف جميع الدلائل ويميّزها بعد أن يقيّس قواها بعضها ببعض كما وصفنا في جميع الدلائل وخاصّة في البول والبصاق إذا نفث المريض مدّة مع مرار. وقد ينبغي أن تتفطّن بسرعة دائماً لحدوث الأمراض الوافدة ولا تفوتك حال الوقت الحاضر. وقد ينبغي أن تعلم علماً حسناً من أمر الدلائل وسائر الأعلام أنّها في كلّ سنة وفي كلّ وقت من أوقات السنة ما كان منها رديئاً فهو يدلّ على شرّ وما كان منها محموداً فهو يدلّ على خير. وذلك أنّك تجد هذه الأعلام التي تقدّم ذكرها تصحّ في بلاد النوبة وفي بلاد ديلوس وفي بلاد الصقالبة. فينيغي أن تعلم علماً يقيناً أنّه ليس بمنكر في مواضع بأعيانها أن يكون صوابك أضعافاً مضاعفة إذا أنت تعرّفت الدلائل وعلمت كيف تميّزها وتتدبّرها بالصواب. وليس ينبغي أن تتشوّف إلى اسم مرض

من الأمراض لم يذكر في هذا الكتاب. وذلك أنّ جميع الأمراض التي تنقضي في المدد من الزمان التي تقدّمنا فحددناها فقد تتعرّفها بهذه الأعلام بأعيانها إن تدبّرتها وميّزتها.