Ḥunayn ibn Isḥāq: Muḫtaṣar waǧīz fī l-usṭuqussāt ustuḫriǧ min kitāb Ǧālīnūs (Brief Synopsis on the Elements Extracted from Galen's Book)
Work
Ḥunayn ibn Isḥāq, Muḫtaṣar waǧīz fī l-usṭuqussāt ustuḫriǧ min kitāb Ǧālīnūs
English: Brief Synopsis on the Elements Extracted from Galen's Book
Related to
Text information
Type: Summary (Arabic)
Date:
between 830 and 870
Source
Y. Tzvi Langermann, Gerrit Bos. "An Epitome of Galen's On the Elements Ascribed to Ḥunayn ibn Isḥāq". Arabic Sciences and Philosophy 25/1 (2015), 62-78
بسم ﷲ الرحمن الرحيم
كتاب مختصر وجيز في الأسطقسّات استخرج من كتاب جالينوس وهو أحد عشر باباً منسوب إلى حنين بن إسحق
الباب الأوّل في حدّ الأسطقسّ
الباب الثاني في عدد الأسطقسّات
الباب الثالث في الردّ على الذين قالوا إنّ الأسطقسّ واحد العدد غير متحرّك
الباب الرابع في الردّ على الذين 〈قالوا〉 إنّ الأسطقسّ واحد النوع غير متناهٍ بالعدد وغير قابل 〈بالانفعال〉
الباب الخامس في الردّ على الذين قالوا إنّ الأسطقسّ واحد بالعدد متحرّك متناهٍ [بالانفعال]
الباب السادس في الردّ على الذين قالوا إنّ الأسطقسّات محدودة العدد من أربعة وهي أكثر أو أقلّ
الباب السابع في أنّ الأسطقسّات منفعلة قابلة للحسّ غير حسّاسة
الباب الثامن في وجدان حقيقة الأسطقسّات فكمّيّتها وماهيّتها
الباب التاسع في أسطقسّات أبداننا القريبة
الباب العاشر في رأي أثيناوس في أسطقسّات بدن الإنسان والردّ عليه
الباب الحادي عشر في أنواع الأسطقسّات وفصولها
الباب الأوّل في حدّ الأسطقسّ
(١) إنّ أرسطوطاليس حدّ الأسطقسّ في كتابه الموسوم بكتاب السماء بأن قال: الأسطقسّ هو الشيء الذي منه [ما] يتكوّن ما هو له أسطقسّ كوناً أوّليّاً وهو موجود في المكوّن إمّا بالقوّة وإمّا بالفعل وأمّا في كتابه فيما بعد الطبيعيّات فإنّه خصّ القول بأن قال إنّه موجود في المكوّن بالقوّة لا بالفعل وعنى بقوله الذي يكون منه الشيء كوناً أوّليّاً أبسط ما يكون المكوّن 〈له〉 أي أوّل كون أصغر أجزاء المكوّن.
(٢) وذلك أنّ أشياء كثيرة قد يكون منها أشياء أخر ولا يكون لها أسطقسّات إذا كان تلك أيضاً من أشياء أجزاء بُسط منها وأقدم عند الطبيعة مثال ذلك في أبداننا فإنّ أبداننا مركّبة من أعضائنا الآليّة هي أسطقسّات أبداننا لأنّ أعضاءنا الآليّة قد تركّبت من المتشابهات الأجزاء التي هي العظام والغضاريف والعضل واللحم والعروق والعصب وما أشبه ذلك. وليس المتشابهات الأجزاء أيضاً أسطقسّات أبداننا لأنّ ليس منها يكون أبداننا كوناً أوّليّاً. وذلك أنّ المتشابهات الأجزاء كونها من شيء آخر هو الغذاء كما سنبيّن فيما بعد وليس الغذاء أيضاً أسطقسّ أبداننا لأنّ كونه من أشياء أخر هي الأرض والماء والهواء والنار كما سنبيّن أيضاً.
(٣) ولأنّ غذاءنا من الأرض والماء والهواء والنار ولسنا نجد شيء آخر كانت هذه أيضاً (؟) فبحقّ ما يجب أن يكون الأرض والماء والهواء والنار أسطقسّات أبداننا إذ منها كان الغذاء الذي منه كانت أعضاؤنا المتشابهات الأجزاء التي منها كانت أعضاؤنا الآليّة التي منها كانت أبداننا.
(٤) فأمّا قوله في الأسطقسّ أنّه موجود في المكوّن فلأن نفصّله بالأشياء التي تكون عنها أشياء أخر وليست بموجودة في تلك الأشياء وذلك أنّ تلك ليست بأسطقسّات لما كان عنها ومثال ذلك في البيت والبنّاء فإنّ البيت عن البنّاء كان ولكنّ البنّاء ليس بموجود في البيت وجوداً دائماً ولذلك ليس البنّاء أسطقسّ البيت.
(٥) فأمّا قوله بالقوّة لا بالفعل فلأن نفصّله بالأشياء الموجودة في الشيء بالفعل كما مثّلنا في أبداننا وأعضائنا الآليّة وذلك أنّ أسطقسّ الشيء لا يظهر فيه حسّاً بل إنّما يعقل عقلاً.
( ٦ ) وأمّا جالينوس فإنّه حدّ الأسطقسّ بأن قال إنّ أسطقسّ الشيء هو أصغر الأجزاء التي كان عنها ذلك الشيء ومن أجل أنّ أصغر الأجزاء قد يوجد حسّاً أو يوجد عقلاً ووجدان الحسّ له ليس بالصحيح لأنّه قد يمكن أنّه يحسّ بعض الناس أصغر الأجزاء جزءاً ويحسّ إنسان آخر أدقّ منه حسّاً كالإنسان المعروف بلنجيس أصغر الأجزاء جزءاً آخر أصغر من ذلك الجزء وجب أن يكون الأسطقسّ أصغر الأجزاء عقلاً لا حسّاً ويحتجّ جالينوس أن يحصر قوله في حدّ الأسطقسّ بمثل ما حصره أرسطوطالس بأن قال إنّه يكون في الشيء كوناً أوّليّاً وذلك أنّ قوله أصغر الأجزاء قام له مقام ذلك الشرح.
الباب الثاني في كمّيّة الأسطقسّات
(١) قد اختلف القدماء في كمّيّة الأسطقسّات فبعضهم رأى أنّ الأسطقسّ واحد وبعض رأى أنّه أسطقسّات كثيرة والذين رأوا أنّ الأسطقسّ واحد منهم من قال إنّه واحد بالعدد ومنهم من قال إنّه واحد بالنوع غير متناهي الكثرة والذين قالوا إنّ الأسطقسّ واحد بالعدد 〈منهم〉 من قال إنّه [واحد بالنوع] غير متحرّك ومنهم من قال إنّه متحرّك والذين قالوا إنّه واحد غير متحرّك منهم من قال إنّه متناهٍ وهو برمندس.
(٢) ومنهم من قال إنّه غير متناهٍ وهو ماليس. والذين قالوا إنّه واحد متحرّك منهم من قال إنّه نار وأنّه يكثف قليلاً فيصير هواء فإن كثف أكثر من ذلك صار ماء وإن كثف جدّاً حتّى يصير في غاية الكثافة صار أرضاً وهم آل إيرقليطس ومنهم من قال إنّه هواء وأنّه يتخلخل قليلاً فصار ناراً ويكثف قليلاً فيصير ماء وإن كثف أكثر من ذلك صار أرضاً وهم أنقامنس وديوجانيس ومنهم من قال إنّه ماء وأنّه إن تخلخل تخلخلاً يسيراً صار هواء وإن تخلخل تخلخلاً أكثر صار ناراً وإن كثف صار أرضاً وهم ثاليس وإبيون ومنهم من قال إنّه أرض وأنّها يتخلخل كثيراً فيصير ماء وإن تخلخلت أكثر من ذلك صارت هواء فإن تخلخلت حتّى يصير في غاية التخلخل صارت ناراً 〈وهم〉 أنقيمندروس وأقنوفانيس.
(٣) والذين قالوا إنّها أسطقسّات كثيرة منهم من قال إنّها غير متناهية العدد ومنهم الذين قالوا إنّها واحد بالنوع وهم أنقاغورس وأفقورس ولوحس فإنّهم زعموا أنّ الأسطقسّ أجزاء غير منقسمة ولا متجزّئة وغير منفعلة وأنّ عنها وعن الخلاء كانت الأجرام كلّها ومنهم من قال إنّها متناهية العدد والذين قالوا إنّها متناهية العدد منهم من قال إنّهما اثنان وهما البارئ جلّ وعزّ والعنصر وهم أصحاب الرواق ومنهم من قال إنّها ثلثة وهي عنصر وصورة وحركة وهم المشّاؤون ومنهم من قال إنّها أربعة وهي نار وهواء وماء وأرض وهم بقراط وأفلاطون وأرسطوطالس وجالينوس وأصحابهم. ومنهم من قال إنّها ستّة وهي هذه الأربعة والاتّفاق والمنافرة وهم أنبدقليس وأصحابه ومنهم من قال إنّها عدد العشرة وهم الفوثاغوريّين لميلهم إلى كمال العدد.
(٤) فيظهر ممّا وصفنا أنّ المقالات في الأسطقسّات اثني عشر قولاً: ابرمندس ومقالته أسطقسّ واحد بالعدد غير متحرّك متناهٍ؛ مالس ومقالته إنّ الأسطقسّ واحد بالعدد غير متحرّك ولا متناهٍ؛ أنقسمندروس ومقالته إنّه واحد بالعدد متحرّك وهو الأرض؛ أنقسيمنس ومقالته إنّه واحد بالعدد متحرّك وهو الهواء؛ ثاليس ومقالته إنّه واحد بالعدد متحرّك وهو الماء؛ أرقليطس ومقالته إنّه واحد بالعدد متحرّك وهو النار؛ أنقساغورس وأصحابه ومقالتهم إنّه واحد بالنوع غير متناهٍ بالعدد وهو أجزاء غير منقسمة ولا متجزّئة؛ أصحاب الرواق ومقالتهم إنّه اثنان البارئ تبارك وتعالى والعنصر؛ المشّاؤون ومقالتهم إنّها ثلثة العنصر والصورة والحركة؛ أبقراط وأصحابه ومقالتهم إنّها أربعة
الأرض والماء والهواء والنار؛ أنبدقليس ومقالته إنّها ستّة الأرض والماء والهواء والنار والمنافرة والاتّفاق؛ الفوثاغوريّون ومقالتهم إنّها عدد العشرة وهي تمام العدد.
(٥) فمن هؤلاء من قال إنّها منفعلة وهم الذين قالوا إنّها واحد بالعدد متحرّك والذين قالوا إنّها أربعة والذين قالوا إنّها ستّة ومنهم من رأى أنّها غير منفعلة وهم الذين قالوا إنّه واحد بالنوع غير متناهي الكثرة.
الباب الثالث في الردّ على الذين قالوا إنّ الأسطقسّات واحد بالعدد غير متحرّك
(١) أمّا جالينوس فإنّه لم يردّ على الذين قالوا إنّ الأسطقسّ واحد بالعدد وغير متحرّك ردّاً يناقضهم فيه وأمّا أرسطوطالس فإنّه ردّ عليهم في كتابه المسمّى سمع الكيان بأن قال: إن كان الأسطقسّ واحد غير متحرّك وكلّ كون لا يكون إلّا بحركة فليس كون المكوّن عن ذلك الأسطقسّ فإن كان كون الكائنات عنه فليس هو واحد غير متحرّك وأيضاً إن كان الأسطقسّ واحد غير متحرّك فقد بطلت الطبيعة والأشياء الطبيعيّة لأنّ الطبيعة ابتداء حركة وسكون وإنّهم يقرفون بالطبيعة فليس إذن الأسطقسّ واحد غير متحرّك فهذه جملة ما ردّ أرسطوطالس عليهم.
(٢) وقد زعم قوم من الفلاسفة أنّ أولائك ذهبوا في مقالتهم إنّ الأسطقسّ واحد غير متحرّك إلى العلّة الابتدائيّة واحتجّوا في أنّ العلّة الابتدائيّة غير متحرّكة بأن قالوا: الحركة إمّا جوهريّة وإمّا أن تكون عرضيّة فإن كانت جوهريّة كان منها الكون والفساد وإن كانت عرضيّة إمّا أن يكون في العظم فيكون منها النموّ والذبول وإمّا أن يكون في الكيفيّة فيكون منها الاستحالة والتغيير وإمّا أن تكون في مكان فيكون منها النقلة المكانيّة فالعلّة الأولى غير ممكن أن يقال عليها شيء من هذا لأنّه لا يلزمها كون ولا فساد ولا نموّ ولا ذبول ولا تغيّر ولا نقلة مكانيّة فإذن ليست بمتحرّكة.
(٣) فأمّا برمنيدس فإنّه زعم أنّها متناهية لأنّ الأنواع متناهية وأنّ البارئ عزّ وجلّ يعلمها أنّها متناهية وأمّا ماليس فإنّه زعم أنّها غير متناهية لأنّ قوّة البارئ غير متناهية وإنّما رفع لهما الزلل والغلط في هذا من جهة الأسماء وذلك أنّهم سمّوا العلّة الأولى أسطقسّاً والفصل بين الأسطقسّ وبين العلّة الأولى أنّ الأسطقسّ هو أقلّ أجزاء الشيء الذي هو له أسطقسّ فإنّه موجود في المكوّن عنه فأمّا العلّة الأولى فإنّها خلو من ذلك كلّه.
الباب الرابع في الردّ على الذين قالوا إنّ الأسطقسّ هو واحد بالنوع وغير متناهٍ بالعدد وغير قابل للانفعال
(١) إنّ جالينوس قد ردّ على هؤلاء الذين قالوا إنّ الأسطقسّ هو واحد بالنوع غير متناهي الكثرة بفصل ذكره بقراط في كتابه في طبيعة الإنسان وهو هذا: إن كان الإنسان شيئاً واحداً فإنّه لا يألم واستعمل جالينوس هذا القول وردّ عليهم من القياس والحسّ أمّا من القياس فبأن قال: إن كان الكائنات كلّها كانت عن أجزاء غير منقسمة وغير حسّاسة وغير ذوات كيفيّة غير متناهية (؟) ومشاركة الخلاء لها وهي غير حسّاسة ولا قابلة للانفعال فيجب أن لا يألم شيء من الكائنات وذلك أنّ من الأشياء البيّنة المقرّ بها أنّ الألم هو انتقال الشيء الطبيعيّ إلى غير الطبيعيّ.
(٢) وإن كان الألم نقلة من الطبيعيّ إلى غير الطبيعيّ فقد يحتاج في كونه إلى شيئين فاعل ومنفعل ليكون من الفاعل الفعل ومن المنفعل الحسّ فإنّه إن عدم أحدهما لم يكن ألم وذلك يظهر لنا في الأجرام السماويّة فقد تحسّ ولكن لأنّها ليس تنفعل ليس تألم وأيضاً بحجارة فقد تنفعل ولاكن لأنّها لا تحسّ لا تألم فباضطرار ما يجب في كون الألم أن يجتمع انفعال وحسّ. وإن كانت الأجزاء التي ذكرتم أنّها
أسطقسّات غير حسّاسة ولا منفعلة يجب أن لا تألم فإذن يجب أن لا يكون ألم والألم موجود فإذن ليس أسطقسّات غير منفعلة ولا واحدة بالنوع.
(٣) وأيضاً على مقالتكم إنّ الأسطقسّ واحد وكان الإنسان يألم يجب أن يكون شفاؤه شيئاً واحداً ومن الأشياء المقرّ بها أنّ الشفاء ليس هو شيء واحد فإذن ليس الأسطقسّ واحد وأيضاً إن كان الأسطقسّ واحد وسلم لكم حدوث الأمراض وجب أن يكون المرض واحداً وإذا كان المرض واحداً وجب أن يكون التدبير في الخروج منه والرجوع إلى الصحّة تدبيراً واحداً وقد يظهر أنّ ذلك ليس واحداً فإذن ليس الأسطقسّ واحداً.
(٤) فهذا الردّ عليهم من الحسّ فهو هذا أنّه قد يظهر للحسّ أنّ جسم الإنسان إذا نخس بإبرة قد يألم والإبرة لا تخلو من أن قد تكون مد (؟) لاقت إمّا خلاء وإمّا جزء غير منقسم فإن كانت لاقت خلاء فيجب أن 〈لا〉 يكون ألم إذ الخلاء لا يألم وإن كانت لاقت جزء غير منقسم وهذه الأجزاء التي ليست منقسمة على مقالتكم غير حسّاسة ولا مستحيلة ولا منفعلة فيجب أن لا تألم فإذن يجب أن تكون الإبرة إذا نخس بها البدن الإنسانيّ لا يألم وقد يظهر أنّه يألم فإذن ليس الأسطقسّ واحد.
الباب الخامس في الردّ على الذين قالوا إنّ الأسطقسّ واحد بالعدد متحرّك متناهٍ
(٥) إنّ الذين قالوا إنّ الأسطقسّ واحد بالعدد متحرّك متناهٍ زعموا أنّه بالتخلخل والتكاثف يفعل الأشياء الكائنة عنه فبإيجابهم للأسطقسّ التكاثف والتخلخل يوجبون له الانفعال وإذ كان منفعلاً يحتاج ضرورة في كون الألم إلى فاعل أعني إلى المخرج من الطبيعيّ إلى غير الطبيعيّ فإن كان الأسطقسّ منفعلاً فقط وليس بفاعل يجب أن لا يكون الألم والألم موجود
فإذن إنّ الأسطقسّ 〈ليس〉 واحداً وأيضاً إن كان الأسطقسّ متحرّكاً فباضطرار ما له محرّك والمحرّك والمتحرّك ليس بواحد فإذن ليس الأسطقسّ واحداً.
(٢) والذي دعا أصحاب هذه المقالة إلى هذا القول فصل قراته (؟) في كتاب أفلاطون المعروف بطيماوس فإنّه قال فيه إنّ الابتداء واحد والموضوع للأشياء كلّها واحد وإنّما ذهب فلاطون في ذلك إلى العنصر فإنّه موضوع لكلّ الأشياء التي تحت الكون والفساد والفصل بين الأسطقسّ والعنصر أنّ العنصر إذ هو عنصر فقط وهو غير قابل للكيفيّات فإذا قبل الكيفيّات صار أسطقسّاً.
الباب السادس في الردّ على الذين قالوا إنّ الأسطقسّات محدودة العدد وهي أكثر أو أقلّ من أربعة
(١) الذين قالوا إنّ الأسطقسّات كثيرة محدودة بالعدد هم أصحاب الرواق والمشّاؤون أمّا أصحاب الرواق فزعموا أنّها اثنان البارئ جلّ وعلا والعنصر وأمّا المشّاؤون فزعموا أنّها ثلثة عنصر وصورة وحركة والزلل بحقّ هؤلاء جميعاً من قبل الأسماء وذلك أنّهم سمّوا الابتداءات أسطقسّات والفصل بين الابتداءات والأسطقسّات أنّ الأسطقسّات أجزاء المكوّن موجودة فيه بالقوّة وأنّ الابتداءات ليست بأجزاء المكوّن ولا موجودة في المكوّن.
(٢) فأمّا ابندقس وهو الذي قال إنّها ستّة وهي النار والهواء والماء والأرض والاتّفاق والمنافرة فإنّه قد أصاب في الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض ولم يصب في الاتّفاق والمنافرة وذلك أنّ الأسطقسّ كما تقدّم في قولنا أصغر أجزاء
الشيء التي هو له أسطقسّ والاتّفاق والمنافرة ليست أجساماً فضلاً عن أن تكون أجزاء للكائنات عن الأسطقسّات.
(٣) وأمّا الفوثاغوريّون وهي الذي يزعمون أنّ الأسطقسّات أصول وأمّهات الكائنات الفاسدات كما أنّ العشرة أصل لكلّ عدد إذ العدد كلّه إذا بلغ إليها يرجع إلى الواحد.
الباب السابع في 〈أنّ〉 الأسطقسّات منفعلة قابلة للحسّ غير حسّاسة
(١) قد ظهر ممّا قلنا إنّ الأسطقسّ ليس بواحد ولا أيضاً ... وإن كانت الأسطقسّات أكثر من واحد يمكن أن تكون غير ... منفعلة وقد يجب أن تفحص إذ وجب أن تكون قابلة للانفعال حسّاسة هي أم غير حسّاسة ولتكميل الفحص نبتدئ بقول أعمّ فنقول إنّ كلّ أربعة أشياء تزوّج (؟) فإنّها مكوّن مثلها ستّة تزاويج اثنان منها متناقضان غير ثابتين وأربعة منها ثابتة صحيحة وإن كان لنا أربعة أشياء تزوّج وهو حسّاسة وغير حسّاسة قابلة للانفعال وغير قابلة للانفعال فأمّا إذا أزوجناها وألقينا الزوجين المتضادّين فاضطرار ما ينبغي لنا أربعة أزواج وهي غير قابلة للانفعال وغير حسّاسة؛ وغير قابلة للانفعال حسّاسة؛ قابلة للانفعال حسّاسة؛ قابلة للانفعال غير حسّاسة وقد ظهر لنا أنّه غير ممكن أن تكون الأسطقسّات غير قابلة للانفعال وغير حسّاسة بما تقدّم.
(٢) وقد تعلم أيضاً أنّه غير ممكن أن تكون غير قابلة للانفعال حسّاسة وذلك أنّ كلّ حسّاس وهو يحسّ بانفعاله بمحسوسة لأنّه إن لم ينفعل لم يحسّ وسنبيّن ذلك فيما بعد بياناً أوضح في قولنا في قوى النفسانيّة (؟) ولأنّ في الكائنات أشياء قابلة للانفعال غير حسّاسة كالحجارة والخشب والنبات وليس هذه فقط لكنّ في أعضاء الحيّ أيضاً كالأظفار والشعر يظهر لنا أنّ الأسطقسّات الكلّيّة ليست بحسّاسة فقد نفي أن تكون منفعلة غير حسّاسة.
(٣) فأمّا ا لحسّ للأشياء الكائنات عن الأسطقسّات فإنّه بالشيء الذي يفصل به عن الأشياء التي ليست بحسّاسة وذلك هو النفس فإذن ليس الحسّ من الأسطقسّات لكنّ من النفس ولو كان الحسّ من الأسطقسّات لكانت الكائنات كلّها حسّاسة ولكنّ الأسطقسّات في طبيعتها متهيّئة لقبول الحسّ لا حسّاسة فأمّا بويفس الصيدانيّ فإنّه كان يرى أنّ الحسّ من الأسطقسّات وكان يحتجّ في ذلك بجامعتين يجمعهما الأولى بأن يقول: الشيء يعرف بشبهه وبالحسّ تعرف الأسطقسّات فإنّ الحسّ مشابهاً للأسطقسّات والجامعة الثانية أوّل مقدّمتيها نتيجة الجامعة الأولى وهي هذه: الحسّ مشابه للأسطقسّات والمشابه للشيء هو من الشيء فالحسّ إذن من الأسطقسّات والخطأ في هذه المقدّمات بيّن واضح غير محتاج فيه إلى الكشف.
الباب الثامن في وجدان حقيقة الأسطقسّات في كمّيّتها وماهيّتها
(١) وإذ قد رسمنا أراء القدماء وبيّنّا أنّها فاسدة ونقضناها خلا رأي بقراط فظاهر أنّه الرأي الصحيح الذي لا يلزمه فساد ولا نقض وهو دافعه إليه أفلاطون وأرسطوطالس وجالينوس وقد يظهر صحّته بما نحن قائلون كلّ ما كان تحت الكون والفساد فإنّ كونه من أرض وماء وهواء ونار وليس تأليف بعضها مع بعض أو نظم بعضها ببعض لكنّ بامتزاجها واستحالتها.
(٢) وذلك أنّ كون الكائنات الفاسدات في كلّيّتها (؟) لا يخلو من أن يكون إمّا نباتاً وإمّا حيواناً ومن الأشياء الظاهرة البيّنة أنّ النبات قوامه بالأرض والماء والهواء والنار وذلك أنّه لا ينمي ولا يغتذي إلّا باجتماع هذه الأربعة فظاهر أنّ الأرض والماء والهواء والنار أسطقسّات لكلّ النبات.
(٣) وأيضاً من أجل أنّ الحيوانات وكونها بالغذاء وغذاؤها من النبات والنبات من الأرض والماء والهواء والنار فظاهر أنّ الأرض والماء والهواء والنار أسطقسّات لأبدان الحيوان فإذن الأرض والماء والهواء والنار أسطقسّات لكلّ ما تحت الكون والفساد وبهذا أيضاً تبيّن أنّ كون أبداننا من هذه الأسطقسّات وذلك أنّ قوام أبداننا من الأشياء التي تغتذيها والأشياء التي تغتذيها هي إمّا نبات وإمّا حيوان.
(٤) وأمّا ما كان من الحيوانات وقد تبيّن أنّ الأرض والماء والهواء والنار أسطقسّات للنبات والحيوان فإذن الأرض والماء والهواء والنار أسطقسّات لأبداننا وهو يعرض لنا أن نغتذي كثيراً بالأسطقسّات أنفسها بغير تغيير ولا استحالة فإنّه قد نشرب الماء أبداً على حدته وقد نتنسّم الهواء على حدته
ونصطلي النار إذا وجدنا برداً وقد نجد كثيراً من الحيوان غير الناطق ما يغتذي بالأرض نفسها من غير تغيير ولا استحالة كالحيّات وما أشبهها.
(٥) وأمّا أنّ قوام أبداننا ممّا يغتذى به فذلك بيّنت لك أمّا إذا نحفت أبداننا بالحمّى التي تسمّى أقطيقوس أو بالإسهال الكثير ثمّ اغتذت رجعت أبداننا إلى حال ما قبل النحافة وأيضاً فإنّه 〈إذا〉 أتت علينا مدّة طويلة فيها 〈لا〉 نغتذي فيها متنا وبطلنا وقد نجد ذلك أيضاً في الحيوان الغير الناطق فإنّه إذا عدم غذاءه يدقّ ويهزل فإن تطاول ذلك به هلك وبطل وكذلك النبات إذا عدم الماء والهواء والأرض والنار وأخذها تلف وفسد وقد تجد أعضاء أبداننا مشابهة لهذه الأربعة وذلك أنّ العظام والغضاريف تشاكل الأرض والكيموسات تشاكل الماء والروح يشاكل الهواء والحرارة الغريزيّة تشاكل النار فإذن بحقّ ما كانت الأرض والماء والهواء والنار أسطقسّات كلّيّة.
الباب التاسع في أسطقسّات أبداننا القريبة
(١) وإذ قد تبيّن فيما قدّمنا أنّ أسطقسّات كلّ ما كان تحت الكون والفساد هي الأرض والماء والهواء والنار ويضح أنّها أسطقسّات أبداننا البعيدة إذ عنها كان غذاؤنا الذي عنه كانت أعضاؤنا المتشابهة الأجزاء التي عنها كانت أبداننا فليختصر (؟) عن أسطقسّات أبداننا القريبة وذلك بأن نذكر حدّ الأسطقسّ الذي ذكره جالينوس.
(٢) فيقول إنّ أسطقسّ الشيء هو أصغر أجزاء ذلك الشيء وأقلّ الأجزاء يقال على معنيين أحدهما حسّاً والآخر عقلاً كما تقدّم في قولنا وإذ كانت الأسطقسّات البعيدة للشيء أقلّ أجزائه عقلاً فإنّ الأسطقسّات القريبة أقلّ أجزائه حسّاً وقد تبيّن ممّا قدّمنا أنّ الأسطقسّات العقليّة البعيدة الكلّيّة هي الأرض والماء والهواء والنار وأمّا الأسطقسّات القريبة الخاصّيّة لبدن
الحيّ التي هي أقلّ أجزائه حسّاً فإنّها المتشابهات الأجزاء وهي العظام والغضاريف والعصب والعروق والعضل والشريانات وما أشبهها وذلك أنّه لا يوجد في بدن الحيوان أبسط منها ولا أقلّ تركيباً فإذن بحقّ ما هي أسطقسّات بدن الحّي القريبة.
(٣) وقد يمكن من أراد تقصّي النظر أن يجد للبدن الإنسانيّ أسطقسّات أبسط من هذه وذلك يتهيّأ بأن يتوهّم كون الجنين الذي عنه كان هو المنيّ والدم والمنيّ أيضاً كونه من الدم فإذن عنصر الجنين هو الدم ومن أجل أنّ الدم ليس هو شيء واحد ولكنّه قد تجد فيه شيئاً مائيّا رقيقاً وتجد فيه شيئاً جامداً وتجد فيه خيوطاً بيضاء فظهر لنا أنّ الرقيق منه الأصفر المائيّ هو المرار الأصفر والعكر الغليظ الأسود هو المرار الأسود والخيوط البيض هي البلغم والصافي منه المعتدل الحمرة والرقّة هو الدم الصحيح وإن كان كون الجنين من الدم كانت هذه الأربعة موجودة فيه فظاهر لنا أنّ هذه الأربعة أسطقسّات البدن الإنسانيّ.
(٤) وقد يظهر لنا ذلك أيضاً من الأشياء التي يدفعها البدن فإنّا قد نجد الدم يخرج من البدن عند نثره وإخراجه ثبالة أو رعاف وقد نجد البلغم يخرج كثيراً من السعال والنفث والتنخّع وقد نجد المرّتين تخرجان في القيء والبراز والإسهال المفرط التي تكون بشرب الدواء وذلك أنّ كلّ دواء السفي (؟) قد نجده يحدر أوّلاً الكيموس الذي في خاصّته اجتذابه.
(٥) وإن كان الدواء الذي سقي ليس بالكثيرة القوّة لم يخرج غير ذلك الكيموس وإن كان من بعض السموم الذي يفعل بالأبدان فعلاً كثيراً
وشرب منه مقدار أزيد فإنّه بعد إسهال الكيموس الذي في خاصّته اجتذابه يخرج آخر الكيموسات الباقية وألطفها ثمّ الذي يليه ثمّ يخرج آخرها كلّها الدم ويموت الإنسان بعد خروج الدم تفنى أسطقسّاته التي عنها ما كان وإنّما صار الدم يخرج آخر الكيموسات لأنّ الطبيعة تحامي عليه بغيره فإذا فني ما عندها وكان الدواء أقوى منها بدّلته فخرج آخر ما يخرج عن إفراط الإسهال فيظهر كما قلنا من هذا أنّ الدم والبلغم والمرّتين هي أسطقسّات بدن الإنسان القريبة.
الباب العاشر في رأي أثيناوس في أسطقسّات بدن الإنسان والردّ عليه
(١) فأمّا أثيناوس فإنّه زعم أنّ أسطقسّات بدن الإنسان هي الحارّ والبارد والرطب واليابس فأنكر أن يكون الأرض 〈والماء〉 والهواء والنار أسطقسّات أبدان الناس وإذ لا يظهر له حسّاً ولا يراها في البدن الإنسانيّ واحتجّ في ذلك بقول بقراط إذ يقول إنّ أسطقسّات أبداننا الحارّ والبارد والرطب واليابس أسماء مشتركة في لغة اليونانيّين دالّة 〈على〉 الأجسام القابلة للكيفيّات وعلى الكيفيّات أنفسها والأجسام القابلة للكيفيّات إلى كثرة غير متناهية الكثرة وهذه الأسماء مشتركة لها كلّها وذلك أنّ الحارّ في أقصى الحرارة قد يسمّى حارّاً والحارّ الذي الحرارة فيه أغلب قد يسمّى حارّاً أيضاً وكذلك البارد والرطب واليابس فإن قلت إنّ الأسطقسّات هي الحارّ والبارد والرطب واليابس على أنّك تعني بذلك أنّها أجسام وأنّها من الأجسام التي هذه الكيفيّات عليها أغلب كانت الأسطقسّات عندك غير متناهية إن كان الحارّ
والبارد والرطب واليابس التي هي هذه الكيفيّات فيها أغلب غير متناهية الكثرة إذ يلزمها الزيادة والنقصان وأنت تنكر ذلك.
(٢) وإن كانت الأسطقسّات عندك الحارّ والبارد والرطب واليابس التي هذه الكيفيّات فيها في الغاية القصوى اضطرّك الأمر إلى أن ترجع فتقرّ بأنّها الأرض والهواء والماء والنار وذلك أنّ من جميع الموجودات ليس شيء فيه الكيفيّات في الغاية القصوى إلّا هذه الأربعة التي هي الأرض والماء والهواء والنار وإن قلت إنّ الأسطقسّات هي الكيفيّات أنفسها ليس الجسم القابل لها اضطرّك الأمر أن تجعل الأسطقسّات هي الشيء الذي منه كانت الأجسام التي هي جواهر.
(٣) فيكون الجواهر من أعراض وهذا ظاهر الفساد من المحال وذلك أنّ من الأشياء المقرّ بها أنّ الكيفيّات أعراض فإن كانت الكيفيّات أسطقسّات فالأسطقسّات أعراض وإن كانت الأسطقسّات أعراضاً والأسطقسّات منها تكون الأجسام والأجسام جواهر فإنّ الجوهر يكون من الأعراض فيبطل حدّ العرض والجوهر فقد تبيّن إذن أنّ الأسطقسّات ليست كيفيّات ولا أيضاً غير أجسام فيها غاية الكيفيّات أعني أقصاها وهي تفعل الأجسام كلّها بالامتزاج والاستحالة.
الباب الحادي عشر في أنواع الأسطقسّات وفصولها
(١) وظاهر لنا ممّا قلنا أنّ فصول الأسطقسّات ثلثة فمنها كلّيّة وهي التي هي القصوى وهي مشتركة لكلّ الكائنات الفاسدات وهي أربعة: الأرض والماء الهواء والنار ومنها متوسّطة أقرب من تلك خاصّة لأبداننا وهي الدم والبلغم والمرّتان ومنها أعمّ من هذه وهي مشتركة للحيّ كلّه وهي المتشابهة الأجزاء أعني العظام والغضاريف والعروق والعصب والعضل والشريانات وما أشبهها.
(٢) ومن أجل أنّه قد تبيّن أنّ الأرض والماء والهواء والنار أسطقسّات كلّ الكائنات الفاسدات وهي الحارّ والبارد والرطب واليابس التي في غاية القصوى وأنّها تفعل الأجسام التي تحت الكون والفساد بالامتزاج والاستحالة فليكمل قولنا هذا ونتبعه بالقول على امتزاج هذه الأسطقسّات وتغيّرها واستحالتها وأيّ ما أغلب منها في كلّ واحد من أنواع الحيوان وأعضائه والنبات وثماره وﷲ موفّقنا وعليه نتوكّل وبه نستعين.
تمّ كتاب الأسطقسّات الذي استخرجه حنين بن إسحق من كتاب جالينوس.