Ibn Riḍwān: Fawāʾid min kitāb al-ġiḏāʾ li-Abuqrāṭ tafsīr Ǧālīnūs (Useful Points Derived from Galen's Commentary on Hippocrates' Nutriment)

Work

Ibn Riḍwān, Fawāʾid min kitāb al-ġiḏāʾ li-Abuqrāṭ tafsīr Ǧālīnūs
English: Useful Points Derived from Galen's Commentary on Hippocrates' Nutriment

Related to

Text information

Type: Summary (Arabic)
Date: between 1010 and 1060

Source

Ivan Garofalo. "Il commento di Galeno al De alimento e gli estratti di Ibn Riḍwān". Galenos 6 (2013), 130-139

تعاليق عليّ ابن رضوان لفوائد من كتاب الغذاء لأبقراط تفسير جالينوس

قال عليّ ابن رضوان: إنّما رتّب جالينوس كتاب الغذاء تالياً لكتاب الأخلاط لأنّه يستفاد من كتاب الغذاء علل وأسباب موادّ الأخلاط أعني علل الأغذية وأسبابها التي بها تزيد في البدن وتمنيه وتخلف عليه بدل ما انحلّ منه، وينبغي أن نتربٮه ٯده (؟) كتاب قاطيطرين أي حانوت الطبيب، وجالينوس يقول في تفسيره كتاب الغذاء إنّه أكثر منفعة في الجزء النظريّ لا في الجزء العمليّ.

بسم اللّه الرحمن الرحيم

تعاليق عليّ ابن رضوان لفوائد من كتاب الغذاء لأبقراط تفسير جالينوس

(١) ينبغي، إذا نازعت أحداً من الناس، أن تنازعه منازعة لذيذة لا تتبرّم بها بسرعة الجواب من قلّة المعرفة وإبطائه من كثرة الأدب.

(٢) الغذاء وإن اختلفت موادّه فهو واحد بالجنس، لأنّ قوّته واحدة والحاجة إليه واحدة وتختلف صور هذا الجنس بالرطوبة واليبوسة، وذلك أنّ الغذاء هو إخلاف ما انحلّ من البدن وما يملّئ المواضع التي تفرّغت، والذي ينحلّ من البدن إمّا أن يكون من الأعضاء الأصليّة، وإمّا أن يكون من الرطوبات والأرواح، فاليابس هو ما أخلف علی الأعضاء الأصليّة بدل ما انحلّ منها، والرطب هو ما أخلف علی الرطوبات والأرواح ما انحلّ منها، ولذلك لم يقل أبقراط إنّه ينقسم بالحرارة والبرودة.

قال ابن رضوان: الغذاء يختلف بالرطوبة واليبوسة فقط فتفهم ذلك.

(٣) الغذاء هو ما يقهره البدن ويحيله إلی جوهره، والدواء هو ما يغيّر البدن، ولذلك قد يكون في الشيء الواحد قوّتان إحداهما قوّة الغذاء فالأخری قوّة الدواء.

(٤) حدّ الغذاء هو ما تشبّه بالمغتذي وصار في المواضع التي تفرّغت منه بدلاً ممّا انحلّ فهذا هو الغذاء بالحقيقة، وبيّن أنّه يكون من موادّ مختلفة وتسمّی هذه الموادّ أيضاً أغذية لاشتراك الاسم، وهذه الموادّ مختلفة، منها ما ... هي الكيموس ومنها سريع النفوذ ومنها بطيء النفوذ ومنها ما يولّد الدم ومنها ما يولّد المرّة الصفراء ومنها ما يولّد المرّة السوداء 〈ومنها〉 ما يولّد البلغم 〈ومنها〉 بطيء النضج ومنها سريع النضج ومنها قليل الغذاء ومنها كثير الغذاء ومنها جيّد الكيموس ومنها رديئه ومنها ما يولّد كيموساً غليظاً ومنها ما يولّد كيموساً رقيقاً لطيفاً ومنها ما يولّد كيموساً لزجاً.

(٥) الأمراض ضربان حادّة ومزمنة، والحادّة تختلف، فمنها ما يكفي في غذاء المريض ترك الغذاء واستعمال الماء القراح وحده، ومنها ما يحتاج إلی تربية أكثر من هذه وهو شرب ماء العسل أو السكنجبين، ومنها ما يحتاج إلی شرب ماء كشك الشعير، ومنها ما يحتاج إلی الكشك نفسه بثفله.

(٦) والأمراض المزمنة تختلف أيضاً، غير أنّها كلّها يحتاج فيها إلی الغذاء منذ أوّلها، فمنها ما يحتاج فيه إلی الخبز وحده ومنها ما يحتاج فيه إلی السمك أو البيض أو اللحم الطريء الصغير، ومنها ما يحتاج إلی أقوی

من ذلك. بالقول المطلق: فإنّ بتدبير الغذاء يحتاج فيه إلی أمرين أحدهما حفظ القوّة كيلا تسقط فالآخر مدّة منتهی المرض.

(٧) أغذية من مرض مرضاً حادّاً رطبة وأغذية من مرض مرضاً مزمناً يابسة، فلذلك قسّم أبقراط أيضاً الغذاء بالرطوبة واليبوسة، ولم يقسّم بالحرارة والبرودة لأنّ هذه داخلة في باب المداواة ويصير للغذاء بها له لخلاف (؟) أحدهما قوّة الغذاء والآخر قوّة الدواء.

(٨) من احتاج إلی زيادة في الغذاء فينبغي أن يعطی بالغداة غذاء رطباً مثل الحسو، وبالعشيّ غذاء يابساً مثل الخبز واللحم.

(٩) الأغذية اليابسة ثلاثة: البزور وأجزاء النبات وأجزاء الحيوان، وكلّ واحد من هذه يختلف حكمه. إنّما قسّم أبقراط الغذاء بالرطوبة واليبوسة لأمرين، أحدهما أنّ أغذية أصحاب الأمراض الحادّة ينبغي أن تكون رطبة وأغذية أصحاب الأمراض المزمنة ينبغي أن تكون يابسة، فالآخر أنّ الغذاء منه ما يشبّه بالأعضاء ومنه ما يشبّه بالرطوبات.

(١٠) يختلف كلّ واحد من موادّ الغذاء بحسب ما يخالطه من القوی الدوائيّة، أعني الحرارة والبرودة وسائر الكيفيّات والطعوم، وذلك أنّ منها القابض ومنها العفص، وكلّ واحد من هذين يختلف، فمنه ما قبضه أكثر ومنه ما قبضه أقلّ، وكذلك ما عفوصته أقلّ ومنها ما عفوصته أكثر، والقلّة والكثرة تختلف بالزيادة والنقصان اختلافاً كثيراً، وعلی هذا المثال في سائر قواها، فإنّ من الأغذية ما هو سريع النضج ومنها ما هو بطيء النضج، والسريع النضج يختلف لأنّ منها ما هو أسرع نضجاً ومنها ما سرعة نضجه أبطأ قليلاً، وكذلك الحال في البطيء النضج. يحقّ عليك أن تعرف صورة الغذاء الذي تقدّمه للمريض، فلا تقتصر علی أن تعرف مزاجه فقط، لكن عن جميع فصوله وحالاته في الكمّيّة والكيفيّة معاً، وكذلك يجب عليك في تدبير الصحّة والمرض.

(١١) الأغذية ثلاثة أشياء: ا ثمار وبزور، ب أجزاء النبات، ج أجزاء الحيوان.

(١٢) الأبدان تختلف، ويحتاج كلّ واحد منها إلی غذاء غير ما يحتاجه الأخر، فينبغي أن يعدّ لكلّ واحد منها غذاء موافق في حال صحّته وفي حال مرضه، وذلك أنّ من الأبدان ما هو رطب ومنها ما هو يابس ومنها ما المعدة فيه قويّة الحرارة تنضج الغذاء بسرعة، ومنها ما المعدة فيه منكسرة الحرارة تنضج الغذاء ببطء، ومنها ما هو سهل البطن، ومنها ما هو عسر البطن يابس، ومنها ما فيه كيموس جيّد بالطبع، ومنها ما فيه كيموس رديء بالطبع، ومنها ما كيموسه بالطبع لطيف ومنها ما كيموسه غليظ ومنها ما يحتاج إلی غذاء كثير، ومنها ما يحتاج إلی غذاء قليل، ومنها ما هو مضيّق لمجاري الكبد ومنها ما هو واسع مجاري الكبد.

(١٣) كما أنّ في الأغذية قوی دوائيّة كذلك أيضاً في الأبدان قوی دوائيّة، وذلك أنّ منها ما مزاجه حارّ، ومنها ما مزاجه بارد، وغير ذلك ممّا يوجد في الأبدان.

(١٤) كلّ واحد من الأبدان يحتاج إلی غذاء موافق غير ما يحتاجه البدن الآخر. من الموادّ ما هو لبدن سمّ أو دواء وهو لبدن آخر غذاء، مثاله القونيون هو أمّا للإنسان فدواء قاتل وأمّا للزارز (؟) فغذاء موافق، والخربق هو أمّا للإنسان فدواء قاتل وأمّا للسمّان فغذاء موافق.

(١٥) ينبغي أن تنظر وتفحص عن جوهر الغذاء وجوهر المغتذي به، فإن كان موافقاً إمّا في الطبع وإمّا في العادة فقدّمه، وإن كان غير موافق فامنع منه، وذلك في حال المرض والصحّة.

(١٦) جودة الهضم في البدن وفساده يكون من أمرين، أحدهما القوّة التي تطبخ الغذاء وتدبّره في البدن: فإنّها إن كانت قويّة عملت منه غذاء جيّداً، وإن كانت ضعيفة لم تفعل منه غذاء جيّداً. والآخر مادّة الغذاء، فإنّها إن كانت موافقة للبدن تولّد منها كيموساً موافقاً، وإن كانت غير موافقة تولّد منها كيموساً غير موافق.

(١٧) وقد تختلف المادّة أيضاً بحسب الأراضي والمراعي، فإنّ الأرض الجيّدة يكون النبات فيها أجود والرديئة يكون النبات فيها أردأ، وكذلك مراعي الحيوان. وأيضاً فإنّ النبات يختلف فمنه ما يخصب ويقوی في الأرض السنخة مثل النخل والهليون، ومنها ما يخصب ويقوی في الأرض العذبة، مثل الحنطة وكثير من الشجر ونحو هذا، فتفهمه، فهو باب حسّيّ غريب صعب الإدراك، وذلك أنّ هذه الأشياء تختلف أيضاً بحسب اختلاف الهواء وميل البلدان في الجنوب أو الشمال أو الدبور أو الصبا.

(١٨) الأغذية والأدوية لا تفعل شيئاً في البدن وإنّما الفاعل الطبيعة والطبيعة تفعل بها. دليل ذلك أنّه لو وضع دواء علی بدن ميّت لم ينضج شيئاً ولم يحلّل شيئاً ولم تفعل الفعل المنسوب إليه، وكذلك الغذاء.

(١٩) قوّه القلب تنبعث من القلب في الشرايين إلی سائر البدن كما ينبعث ضوء الشمس في الهواء الصاحي من الغيوم، وكذلك تنبعث قوّة الدماغ في النخاع والعصب وقوّة الكبد في العروق.

(٢٠) وأيضاً فكلّ عضو قويّ تنبعث قوّته إلی ما يليه من الأعضاء الضعيفة فتحصّل في العضو الضعيف قوّة مركّبة من قوّته الخاصّيّة ومن قوّة المنبعثة إليه، فنفهم ذلك.

(٢١) إذا صببنا ماء حارّاً في إناء فضّة، فإنّ الإناء يحرق أيدينا وبيّن أنّ الإناء قبل كيفيّة الحرارة عن الماء، لأنّ الماء إنّما هو الذي أحرق أيدينا، فإذن القوّة تنفذ دون الجسم.

(٢٢) الجواهر القويّة الكيفيّات تغيّر الجواهر الضعيفة الكيفيّات، ولذلك يمكن أن تتشبّه الجواهر الضعيفة بالجواهر القويّة.

(٢٣) قوّة الغذاء تنفذ إلی البدن كلّه لا جسمه وذلك أنّه لا فرق بين الكيفيّة التي تغذّي وبين القوی التي تغذّي لأنّ جواهر القوی هي الكيفيّات.

(٢٤) الشريان ذو صفاقين الأوّل منهما يشبه العرق والثاني أيبس وأجسی من العرق كثيراً وأشدّ استحصافاً، وللشريان من داخل أيضاً صفاق منبسط علی وجهه كلّه يخالف جوهر الشريان.

(٢٥) جوهر الرئة ليّن متخلخل ولونها لون الرماد. جوهر الكبد جاسٍ مستحصف ولونها ورديّ. جوهر الطحال أشدّ تخلخلاً من جوهر الكبد ولونه أسود.

(٢٦) إذا ولد من الغذاء كيموس موافق للبدن فما كان منه غليظاً أرضيّاً صار غذاء للأعضاء اليابسة، وما كان يسير الغذاء صار غذاء للّحم والشحم وما أشبهها، وما كان رقيقاً لطيفاً صار ما كان منه فضلة إلی خارج بالبول والعرق والتنفّس من المجاري الخفيّة، وما كان منه جيّداً 〈صار〉 غذاء للروح.

(٢٧) الهواء أيضاً الذي يدخل بالتنفّس من الوجهين جميعاً يغذّي البدن، إلّا أنّ غداءه للروح أكثر، ولأنّه سريع التغيّر صار لا يكفي في تغذية البدن ولا له قوّة مثل قوّة الطعام والشراب.

(٢٨) الشراب أعني الخمر يغذّي البدن غذاء بيّناً، إلّا أنّ ما كان منها غليظاً كان غذاؤه أكثر لتماسكه في البدن (؟) بغلظه.

(٢٩) الدم والبلغم يكونان من قبل الطبيعة والمرّة الصفراء والمرّة السوداء تعرضان اضطراراً.

(٣٠) قال عليّ ابن رضوان: أظنّ أبقراط وجالينوس يريدان أنّ الطبيعة تقصد بتكوين الدم لتغذّي به الأعضاء، والبلغم ليكون عدّة للدم ولتغذّي به أيضاً الأعضاء الرطبة، وتقصد بتكوين المرّتين لمنافع أخری كما بيّن في كتاب منافع الأعضاء وفي كتاب القوی الطبيعيّة.

(٣١) إذا صار الغذاء كيموساً اغتذی منه كلّ ما في البدن من الأعضاء 〈الأصليّة〉 والرطوبات والأرواح، وذلك أنّ كلّ واحد منها يجتذب منه ما يشابهه ويشاكله ويوافقه.

تمّت تعاليق المقالة الأولی من تفسير كتاب الغذاء.

فوائد المقالة الثانية

(١) اسم الغذاء يقع علی أشياء كثيرة، منها الغذاء الحقيقيّ وهو ما يغذو الأعضاء بلا توسّط وهذا هو ما تجتذبه الأعضاء من الدم فيخرج من العروق شبه البخار والطلّ ويصير إليها بجذبها إيّاه. وأبقراط وجالينوس وكذلك الفيلسوف أرسطوطاليس يوقّعون اسم الغذاء علی هذا وحده بالإطلاق. ومنها ما في العروق من الدم وأبقراط وجالينوس يوقّعان علی هذا أنّه شبه الغذاء. ومنها ما في المعدة من الكيلوس وما خارج البدن من الموادّ التي يغتذي بها. بقراط وجالينوس يوقّعان علی هذه الأشياء ما سيغذو والأطبّاء يسمّون هذه الأشياء أغذية، وغذاء بالاشتراك الاسم وأحقّها كلّها باسم الغذاء هو ما يشبّه بالأعضاء وزاد في قواها، وأبعدها كلّها الغذاء هو الموادّ التي لم تؤكل ولم تشرب وما بين ذلك تكون الحال فيه بحسب قربه وبعده.

(٢) قال جالينوس: قد وضعت في الأغذية خمس مقالات، الباب الأوّل ا التدبير الملطّف، ب جودة الكيموس ورداءته، ج وبعده (؟) المقالات الثلث التي رسمت عليها كتابي في الأغذية.

(٣) ليس الغذاء الحقيقيّ هو الأجسام المحسوسة الغليظة لكنّه هو الأجسام المعقولة البخاريّة، والأجسام المحسوسة هي مادّة الغذاء مثل الكشك والعدس واللحم.

(٤) الأخلاط تميل إلی داخل البدن بسبب انعطاف الحرارة الغريزيّة إلی داخل وإمّا بسبب انجذاب الأخلاط إلی داخل البدن بمنزلة ما تفعله الأدوية المسهلة.

(٥) كيلوس الكشك والعسل وماء العسل نافعة للأبدان ذوات الكيموسات الغليظة والبيض وخصی الديوك وحسو الحنطة نافعة للأبدان ذوات الكيموسات اللطيفة.

(٦) كلّ ما ينفع الأبدان الغليظة الكيموس يضرّ الأبدان اللطيفة الكيموس وبالضدّ. الخسّ والقطف والخبّاز والسمك البحريّ والخبز المحكم الصنعة متوسّط بين اللطيف والغليظ.

(٧) قد يكون كيلوس الغذاء مفرداً وقد 〈يكون〉 مركّباً إمّا من كيلوسين وإمّا من ثلاث وإمّا من أكثر، ومثال ذلك اللبن: فإنّه مركّب من ثلاث كيلوسات.

(٨) القوی التي في أبداننا ليست تظهر لنا وإنّما تظهر لنا أفعالها، فنعلم من الأفعال التي تظهر لنا القوی التي تصدر عنها الأفعال، وذلك أنّ من الإحساس نعلم القوی الحسّاسة (؟) ومن الأفعال التي تكون بها تغذية البدن نعلم القوی الغاذية، وعلی هذا النحو في سائرها، وقد يسمّی جوهر القوّة بفعلها وكثيراً ما يسمّی أيضاً جواهر الأمراض بأفعالها، فنقول قوّة باصرة باسم الإبصار وقوّة

جاذبة باسم الجذب ومرضاً حارّاً باسم الحرارة، فننسق لكلّ واحد من هذه الأشياء اسماً من اسم فعله، ولمّا كان الأفعال في أبداننا كثيرة كان في أبداننا قوی كثيرة علی عدد الأفعال، ولمّا كان المجتمع منها شيئاً واحداً هو الحياة التي لنا كانت الطبيعة تجمع هذه القوی كلّها.

(٩) الأغذية قد تنفع الأبدان وقد تضرّها إمّا بكمّيّتها وإمّا بكيفيّتها وإمّا باختلاف زمانها وإمّا بترتّب تناولها فتفهم ذلك، ونفعها وضررها إمّا بجميع الأعضاء وإمّا ببعض الأعضاء دون بعض، وقواها التي تفعل بها ذلك إمّا أن تكون أفعالها ظاهرة معروفة وإمّا 〈غير〉 ظاهرة مجهولة، فما كان معروفاً قال الأطبّاء فيه هذا النفع أو الضرر له علّة، وما كان مجهولاً قالوا فيه هذا بغير علّة، ويريدون بذلك أنّه بغير علّة مقرونة أو معروفة ... منطق بها، وتفهم ذلك.

(١٠) منافع الغذاء الخاصّيّة به من حيث هو غذاء خالص من القوی الدوائيّة هو أن يقوّي البدن وينمي اللحم ويزيد في الروح والحرارة الغريزيّة ويرطّب الأعضاء وينقص من يبسها الذي يزداد كلّ يوم ويخلف عليها بدل ما انحلّ منها ويشبّهها.

(١١) ما يتولّد في البدن عن الأغذية من القروح وغيرها، فذلك يكون لا عن قواها الغذائيّة لكن عن قواها الدوائيّة، وبعض ذلك يكون عن فعل الطبيعة وهو دفعها الفضول عن الأعضاء الرئيسة وإجرائها إيّاها عن البدن إمّا بالبراز وإمّا بالبول وإمّا بالعرق وإمّا بالمخاط والبصاق والوسخ وغير ذلك، وربّما دفعتها فلم تخرج ولحجت في بعض الأعضاء إمّا لضعفها وإمّا لغلظ الموادّ وإنّها لم ينفذ فيها، وإمّا لسدد وإمّا لغير ذلك، فتولّدت منها القروح والأورام، وقد تتولّد القروح والأورام وغيرها من غير أن تكون الطبيعة دفعت فضولاً لكن من قبل ضعف العضو الذي يظهر فيه أو من قبل عرض آخر مثل جرح أو صدمة أو غير ذلك فيلزم من هذا أن يكون بعض الفضول التي تخرج عن البدن أو عن الأعضاء الرئيسة بفعل الطبيعة ويسمّی طبيعيّاً، وبعضها بغير فعل الطبيعة ويسمّی عرضيّاً.

(١٢) الأدوية هي المقوّية للطبيعة، وذلك أنّ إنّما نتّخذها لنقوّي بها لطبيعة ولننهضها فتفعل أفاعيلها، وذلك أنّ من الأدوية ما يقوّي الطبيعة ومنها ما ينضج الأخلاط النيّة ومنها ما يستفرغ الأخلاط الزائدة أو الرديئة الكيفيّة ومنها ما يأخذ الأخلاط الرديئة من الأعضاء الشريفة ويذهب بها إلی الأعضاء الدنيّة.

(١٣) كما أنّ لكلّ واحد من الحيوان طبيعة غير طبيعة الحيوان الأخر، كذلك لكلّ واحد من الأعضاء طبيعة خاصّيّة غير طبيعة العضو الآخر وطبيعة البدن كلّه هي التي تعمّ جميعها فلذلك قال أبقراط: الطبيعة واحد وكثير، فتفهم ذلك.

(١٤) العلاج بالأغذية التي فيها قوی دوائيّة أفضل من العلاج بالأدوية التي [ليس] فيها قوی غذائيّة فتفهم ذلك.

(١٥) وينبغي أن تحذر استعمال الأدوية اللّهمّ إلّا أن يضطرّك إليها أمر من الأمور فتستعملها وتحرص أن تخلط بها ما يصلحها من الأشياء التي فيها قوی غذائيّة أو تعين علی القوی الغذائيّة.

(١٦) الأغذية والأدوية إنّما تستعمل بالإضافة إلی بدن من يحتاج إلی شيء منها، فإنّ هذا الغذاء والدواء نافع لهذا البدن وضارّ لبدن آخر فتفهمه، وليس الأغذية والأدوية وحدها كذلك بل وأشياء كثيرة من الأمراض، مثل هذا الجرح قد ينفع هذا البدن باستفراغ الدم متی كان البدن ممتلئاً ويضرّ هذا البدن الغير ممتلئ، وكذلك الأورام والحزاز والإبريّة والكلف والبهق والبرص، فإنّ كلّ واحد من هذه وأشباهها ينفع بعض الأبدان ويدلّ في بعضها علی ما ينبغي أن تدبّر به، ويضرّ في بعض الأبدان، والأبدان التي تدلّ علی ما ينبغي أن تدبّر به ليست تكون هذه الأشياء فيها نافعة ولا ضارّة.

تمّت تعاليق المقالة الثانية.

المقالة الثالثة من تفسير كتاب الغذاء

(١) بعض المرضی يحتاج إلی غذاء سريع النضج سريع السلوك في البدن، فإن أعطاه الطبيب غذاء يابساً قليل الغذاء بطيء النضج رأی في الظاهر أنّه غذّی المريض ولم يغذّه فيموت المريض لقلّة الغذاء ويظنّ أنّه قد غذّاه، وذلك أنّ الموت ينزل بالمريض قبل أن ينهضم الذي أعطاه، ومن الأطبّاء من يعطي المريض غذاء موافقاً له غير أنّه يكثر منه فلا تقوی أعضاء المريض علی هضمه لكثرته فنهك المريض، وهو لا يشعر. ربّما شكا المريض إلی الطبيب أنّه يجد ثقلاً في بدنه فلا يقع الطبيب علیمعرفة علّته فيظنّ أنّه امتلأ امتلاء وما هو امتلاء، لكن أخلاط في بدن المريض، وربّما ظنّ الطبيب أنّ ذلك من قلّة الغذاء فإن أغذاه أطفأ حرارته الغريزيّة فيموت المريض وهو لا يشعر، وإن نقص الامتلاء خرج الخلط النضيج لسرعته وبقي الخلط النيّ فمات المريض. وإذا كان ذلك كذلك فقد بان أنّ الغذاء الحقّ هو ما غذّی أعضاء المريض وزاد في قوّته.

(٢) قد يدلّ علی أنّ الهواء يغذّي أيضاً ويرد الغذاء منه من ظاهر البدن إلی باطنه أنّ الذين يسافرون في زمان الصيف تسترخي أبدانهم ويشتدّ عطشهم وتيبس أبدانهم، فإن أدخلوا الحمّام رجعت قوّتهم إليهم علی المكان وقويت أعضاؤهم وترطّبت أبدانهم وانقطع عطشهم كأنّهم قد شربوا ماء كثيراً، وإنّما ذلك لترطيب الحمّام لهم، وإنّه قد دخل بدل ما خرج من أبدانهم إلی أبدانهم، فملأ المواضع التي تفرّغت بحرّ الصيف.

(٣) الشراب قد يقوّي البدن قوّة بيّنة بأن يغذّيه ويرطّبه إذا مزج بالماء.

(٤) [الجوع المزمن اللالم] أعضاء البدن يحسّ بعضها بوجع بعض ويشارك بعضها بعضاً في الآلام كما يشارك الأربيّة الأصابع في ألمها، وعلّة مشاركتها اتّصال العروق بعضها ببعض والشرايين بعضها ببعض والعصب بعضه ببعض واتّصال هذه بعضها ببعض، فإنّ الشرايين تتّصل بالعروق والعصب ويتفرّع بعضها في بعض، وذلك أنّه لو قطعت شرياناً تصفّی دم الحيوان كلّه من ذلك القطع ولم يبق في العروق شيء منه، وهذه الأعضاء الثلاثة مبثوثة في البدن كلّه تتّصل جميع أعضائه فتفهم ذلك.

(٥) كما أنّه لا يمكن أن يحمّ الإنسان حتّی يسخن القلب كذلك لا يمكن أن يهزل البدن حتّی يهزل الكبد.

(٦) إذا ألم أحد الأصول الثلاثة ألم بألمه البدن كلّه، وقد يألم البدن كلّه أيضاً بألم عضو واحد من أعضائه ليس

يمتدّ أوّلاً أصلاً لغيره، مثاله أنّ من أدخل إصبعه في ماء بارد وبدنه سخيف ضعيف استحصف لذلك البدن كلّه من ساعته.

(٧) طبيعة كلّ واحد من الأعضاء غير طبيعة الأخر، وكلّ واحد منها يجتذب ما يشاكله من الغذاء. فيلزم أن يكون في الغذاء جميع طبائع الأشياء ويوجد ذلك وجوداً أبين في الدم، فإنّ من الأعضاء ما يجتذب إليه الدم الخالص مثل اللحم، ومنها 〈ما〉 يجتذب الدم البلغميّ مثل الدماغ، ومنها ما يجتذب المرّة السوداء ومنها ما يجتذب المرّة الصفراء، ويلزم عن هذا أن تكون في الأغذية والأشربة هذه الطبائع موجودة بالقوّة.

(٨) الروح التي في الشرايين إذا تغيّرت عن طبيعتها بأن تسخن أو تبرد أو يشتدّ جفافها أو ترطب بأكثر ممّا ينبغي تغيّرت أفعالها، وكذلك 〈الدم〉 الذي في العروق إذا عفن أو برد أو رطب أو سخن أو غلظ أو لطف بأكثر ممّا ينبغي عرض من ذلك مرض.

(٩) الدغدغة تكون من قبل أخلاط لذّاعة حرّيفة تلذع فتحدث في العضو شبه حركة [و]تكون من تحريك العضو بالأصابع، مثل تحت الآباط وما جری مجراها.

(١٠) الغطيط يدلّ إمّا علی سدد في بعض أعضاء التنفّس وإمّا ضيقاً أو ضغطاً.

(١١) أعضاء البدن مختلفة في الشرف وكلّ واحد منها أجزاؤه أيضاً تختلف في الشرف، مثال ذلك القلب، فإنّ أعلاه أفضل كثيراً من أسفله، والعين: الرطوبة الجليديّة أفضل من غيرها.

(١٢) وعظم المرض وخطره وشدّة وجعه تكون بحسب شرف العضو وبحسب شرف الجزء الذي فيه المرض من ذلك العضو فتفهم ذلك.

(١٣) العسل حلو بالفعل مرّ بالقوّة، لأنّه يستحيل إلی المرارة في الأبدان الحارّة المزاج والأزمان والبلدان الحارّة والأعمال الحارّة.

(١٤) قال أبقراط: الماء حلو بالقوّة. قال جالينوس: لأنّه لا يستحيل إلی المرارة. قال عليّ ابن رضوان: لكن الماء ربّما غلي في المعدة الحارّة فزاد في اللهيب.

(١٥) الأغذية الموافقة تحسن لون البدن والأغذية الغير موافقة تقبّح لون البدن.

(١٦) الحلو اسم يقال علی اللذيذ عند المذاق ويقال علی كلّ لذيذ باشتراك الاسم، والحلو عند البصر هو الأسمانجونيّ، وعند السمع هو الصوت اللذيذ، وكذلك عند كلّ واحد من الحواسّ وعند كلّ واحد من الأعضاء فإنّ الحلو عند كلّ عضو هو ما يلتذّه من غذاء ونحو هذا، وأغذية الأعضاء تختلف بحسب اختلاف طبائعها غير أنّ الغالب عليها الحلو والدسم.

(١٧) سخافة البدن ملائمة للتنفّس وخروج الفضول من البدن فلذلك تدوم بها الصحّة إلّا أن يفرط السيلان فيهزل البدن ويضعف، وكثافة البدن غير ملائمة للتنفّس ولذلك تنحصر الفضول داخل البدن فإن لم تنبعث بالبراز والبول وتتعاهد دلّت علی أمراض ستحدث، والأبدان السخيفة أضعف وأدوم سحه (؟)، وإذا مرضت سهل برؤها فالأبدان الكثيفة بضدّ ذلك لأنّ الفضول تبقی في أبدانهم من أجل استحصاف الجلد منهم وعلی هذا المثال القول في الأعضاء فإنّ من الأعضاء ما يتنفّس جيّداً ومجاريه مفتوحة فصحّة هذا أدوم والفضول فيه أقلّ وإذا مرض أسرع برؤه. ومنها ما مجاريه ضيّقة وتنفّسه رديء والفضول فيه أكثر فصحّته أقلّ وإذا مرض كان برؤه

أعسر.

(١٨) الخمر نافعة لبعض الناس ضارّة لبعضهم، اللبن رديء لمن به ألم في رأسه نافع لمن به ألم في صدره أو رئته.

(١٩) ينبغي أن يسقی الناقه من المرض من شرابه الذي قد اعتاده في صحّته لأنّه ينضج غذاءه سريعاً فيغتذي به ويقوّيه. مزاج البلد والعادة يدخلان علی البدن طبعاً ثانياً.

تمّت تعاليق المقالة الثالثة.

تعاليق المقالة الرابعة

(١) الحاجة إلی الغذاء لثلاثة أشياء، الأوّل إخلاف ما يتحلّل، الثاني نموّ الأعضاء الأصليّة وترطيبها، الثالث تقوية البدن.

(٢) الأغذية التي تقوّي هي الأغذية الغليظة.

(٣) الأبدان التي ليست في صحّة ولا مرض هي مثل بدن الصريعين والخارج من الحمّام ومن امتلأ من طعام أو شراب ومن وقع في مصائب نفسانيّة مثل حزن عظيم أو غضب كثير أو خوف شديد.

(٤) البدن الصحيح هو أفضل الأبدان كلّها، ومن علاماته أنّ صاحبه يستطيع أن يسهر ويصبر علی البرد والحرّ والجوع والعطش والاضطجاع علی ظهر الأرض ونحو ذلك، ولا يسرع إليه من ذلك ضرر بيّن.

(٥) إذا قدّمت إلی قوّة ضعيفة غذاء كثيراً لم يهضم وإن قدّمت إليها كنافا (؟) هضمته وأخذت غذاءها منه، ولذلك ينبغي أن تقدّر كمّيّته الغذاء بحسب قوّة البدن وضعفه وكيفيّته بحسب مزاجه.

(٦) اللزجة مثل اللحم والخبز النقيّ والأطعمة المتّخذة من الألبان. اللبن أكثر غذاء من غذاء البزور والحبوب كلّها، أعني القمح وما دونه.

(٧) من كان دمه منذ أوّل كونه معتدل المزاج وطبيعته فائقة وهو دم (؟) فاضل، وبيّن أن يحرص علی بقاء دمه علی اعتداله، ومن الناس من دمه يميل منذ أوّل كونه إلی الصفراء أو إلی السوداء أو إلی البلغم أو إلی المائيّة.

(٨) لبن الأمّ موافق للمولود لأنّ جوهر هذا اللبن من جوهر الدم الذي منه يختلق المولود، وإذا فسد لبن الأمّ إمّا من غذاء رديء وإمّا من غيره من الأسباب حتّی يصير لبنها رديء الكيموس فينبغي أن يمنع المولود عن (؟) شربه ويسقی من لبن غيرها ويختار له لبن موافق أعني جيّداً بأفعاله.

(٩) الخبز الجيّد هو الذي دلك بالأيدي حسناً واختمر اختماراً جيّداً وأفطح في التنّور جيّداً، وما سوی ذلك فليس بخبز جيّد.

(١٠) الشيوخ وأصحاب الأبدان الضعيفة ينبغي أن يذبح لهم الحيوان قبل طبخه بيوم وليلة وينضج طبخه، والشباب وأصحاب الأبدان القويّة والفعلة وأصحاب الأعمال القويّة ينبغي أن يطبخ لهم اللحوم الطريئة ولا ينضج لهم جيّداً في الشيّ والطبخ. المشويّ يقوّي الأبدان أكثر من المطبوخ ومن المطبوخ المسلوق يقوّي أكثر من غيره من أنواع المطبوخ قوّة.

(١١) حرارة الشباب توجب أن يؤخذ من الأغذية ما غلظ ولم ينضج في الشيّ أو الطبخ مثل لحم البقر والخبز السميد، وضعف حرارة الشيوخ يوجب أن يؤخذ من الأغذية ما لطّف وأنضج في

الشيّ أو الطبخ وما يسرع انهضامه من الخبز الحواريّ (؟) ولحم الطير الصغير والسمك والبيض النيمرست (؟) واللبن والعسل، ومن كان من الشيوخ قد ضعف جلده فينبغي أن يغتذي مراراً كثيرة في كلّ مرّة قليلاً يسيراً جدّاً من الأغذية سريعة الانهضام.

(١٢) الشباب لقوّة الحرارة يتحلّل منهم تحلّلاً كثيراً فيحتاجون إلی غذاء كثير. الأحداث يحتاجون من الغذاء إلی ما ينمي أعضاءهم ويخلف عليها ما يتحلّل منها.

(١٣) ومن الناس من تكون حرارته قويّة ملتهبة فيحتاج إلی أغذية غليظة كثيرة ومنهم من تكون حرارته ضعيفة فيحتاج إلی غذاء لطيف قليل وعلی هذا †فٮس†.

(١٤) قالا (؟) جميعاً: الزمان الذي يتمّ فيه خلق الجنين في مثل ضعفه يتحرّك والزمان الذي فيه يتحرّك في ثلاثة أضعافه يولد مثاله إن تمّت خلقة الجنين في له، تحرّك في ع، وولد في را يوماً، وإن تمّ خلقه في مه يوماً تحرّك في ص يوماً، وولد فيها لال (؟) يوماً، وإن تمّت خلقته في م يوماً تحرّك في ف يوماً، وولد في رم يوماً (؟).

(١٥) العظم ينجبر كسره وذلك أنّه يشتدّ ويصحّ ويلتحم بما يأتيه من الغذاء أمّا الأنف ففي عشرة أيّام وأمّا اللحيّ والترقوة والجنبان ففي عشرين يوماً وهي ضعف ذلك، وأمّا العضد ففي ثلاثين يوماً، وأمّا الساق والساعد ففي أربعين يوماً، وأمّا الفخذ ففي خمسين يوماً.

(١٦) من الأغذية ما المقدار القليل منه يغذو البدن 〈غذاء〉 كثيراً ومنه ما المقدار الكثير منه يغذو البدن غذاء قليلاً، فينبغي أن يختار الأغذية التي تغذو المقدار القليل منها غذاء كثيراً ويختار منها أيضاً ما هو أسرع انهضاماً وأجود كيموساً، وذلك أنّ قوّة الغذاء أفضل من كثرة جرمه، وفي بعض المواضع تكون كثرة جرمه أفضل من قوّته، مثاله متی احتجنا إلی أن نملئ المعدة.

(١٧) ربّما كان للغذاء انتفاخ كثير وقوّته قليلة، وربّما كان له انتفاخ قليل وقوّته كثيرة، وأعني بقوّته ما يغذو منه الأعضاء ويقوی به البدن.

(١٨) الأبدان الممتلئة (؟) تحتاج إلی أغذية أجرامها كبيرة وقوّته التي تغذّي بها قليلة مثل القرع والقثّاء والبطّيخ والفاكهة والبقول كلّها، والأبدان المحتاجة إلی الزيادة تنتفع بالأغذية التي أجرامها قليلة وقواها الغاذية كثيرة مثل اللحم والبيض والخبز المحكم الصنعة المتّخذ من حنطة صلبة كثيرة.

(١٩) الأغذية التي أجرامها تنتفخ انتفاخاً كثيراً وقواها الغاذية قليلة تنقص الأبدان التي تحتاج إلی زيادة، والأغذية التي أجرامها قليلة تنقص الأبدان التي تحتاج إلی زيادة. الأغذية التي أجرامها قليلة وقواها الغاذية كثيرة تنقص الأبدان الممتلئة لأنّها تلحم بها فتفسد الغذاء وتتولّد منه فضول رديئة تفسد الجيّد من الدم.

(٢٠) الغذاء الواحد يزيد وينقص في البدن الواحد، وذلك أنّ بعض الأعضاء يزيد به وينقص به عضواً آخر، مثاله أنّ الطحال يغتذي [بعدا حاص] بالدم الغليظ العكر وما كان من الأغذية يولّد هذا الدم فالطحال يزيد به وينقص به اللحم، وعلی هذا المثال في سائرها، لأنّ كلّ واحد من الأعضاء يغتذي بغذاء خاصّ وتفهم ذلك.

(٢١) البدن الذي قد ضعف إمّا لمرض مزمن وإمّا لاستفراغ أو لخلط رديء يحتاج إلی غذاء سريع الانهضام طيّب الرائحة، لأنّ الرائحة الطيّبة تزيد في البدن زيادة يسيرة، فينبغي أن يتناول من هذه حاله بعض الأغذية الرطبة قد جعل معها روائح طيّبة أو غذاء رطباً له رائحة لذيذة طيّبة، أمّا الغذاء الرطب فلسرعة نفوذه وانهضامه وتغذيته للبدن، وأمّا الرائحة الطيّبة فلأنّها تزيد في البدن وتعدّل مزاجه الرديء وتقوّي الحرارة الغريزيّة.

(٢٢) الأغذية الرطبة وإن كانت سريعة الانهضام والتغذية فإنّها سريعة الانفشاش من البدن، ولذلك لا تصلح لأهل التعب والأعمال الشاقّة، وإنّما يحتاج هؤلاء إلی الأغذية اليابسة الكثيرة التغذية لثباتها في البدن وبعد بطوئها في النفوذ وفضل قوّتها في تغذية البدن وثبات غذائها في الأعضاء الغليظة، ومثاله لحوم أهل البلاد الحارّة جاسية صلبة ولحوم أهل البلاد الباردة رطبة ليّنة.

(٢٣) من كان لحمه جاسياً صلباً سمّي عضليّ البدن.

(٢٤) اللحم بالحقيقة هو ما يجمد فيما بين ليف العضل وفي وسط العضلة.

(٢٥) الأبدان العضليّة أصبر علی التعب وأقوی علی الأعمال من الأبدان الرخيصة، والأبدان العضليّة أيضاً أقلّ تخلخلاً وانفشاشاً من الأبدان الرخيصة الليّنة، وذلك أنّ الأبدان الرخيصة الليّنة ضعيفة كثيرة التخلخل والانفشاش والتحلّل.

وصلّی اللّه علی محمّد وسلّم.

تمّت تعاليق المقالة الرابعة من كتاب جالينوس في تفسير كتاب الغذاء لأبقراط وهي آخر الكتاب.