Maimonides: (Muḫtaṣar) kitāb al-usṭuqussāt ((Synopsis of) the Book of Elements)

Work

Maimonides, (Muḫtaṣar) kitāb al-usṭuqussāt
English: (Synopsis of) the Book of Elements

Related to

Text information

Type: Summary (Arabic)
Date: between 1160 and 1200

Source

A = Istanbul, Süleymaniye, Ayasofya 3726 (2), 7r-9r

كتاب الأسطقسّات

قال جالينوس: متى أردنا أن نطفر من طبيعة الإنسان أو غيره من سائر الموجودات بمعرفة حقيقيّة ثابتة ينبغي أن يكون قصدنا الأسطقسّات التي هي في الطبع أوّليّة مفردة لا يمكن فيها أن تتجزّأ إلى غيرها. ولا يكون تركيب الأجسام عن أسطقسّ واحد في صوره لأنّه لو كان الأسطقسّ واحداً لما كان يوجد شيء ينتقل إليه ذلك الأسطقسّ ولا شيء يؤثّر في ذلك الأسطقسّ. فقد أحسن بقراط في القياس الذي استعمله فأوجب عنه أنّه إن كان شيء من الأشياء الموجودة قابلاً للألم فليس تركيبه عن أسطقسّ واحد لأنّه لو كان شيئاً واحداً لما كان بالذي يوجد شيء يؤلمه وكلّ جسم يمكن أن يناله الوجع فتركيبه عن أسطقسّات قابلة للتأثير والاستحالة.

فقد وجب ضرورة أن يكون حدوث الشيء الذي من شأنه أن يحسّ إمّا عن أسطقسّات أول حسّاسة وإمّا عن أسطقسّات من شأنها أن تتغيّر وتستحيل وإن كانت غير حسّاسة. ويدلّك 〈على〉 أنّ

بعض الأسطقسّ غير حسّاس ما ترى أنّ بعض الأجسام المركّبة غير حسّاس. والهواء والماء والنار والأرض كلّ واحد منها أسطقسّ من قبل أنّه أوّل مفرد ليس وراءه غاية. وقد تكلّم أفلاطون في استحالة بعضها إلى بعض في كتابه المسمّى طيماوس وهذه الأجسام هي أسطقسّات جميع الأجسام التي في العالم ومن شأنها أن يفعل بعضها في بعض ويقبل الأثر بعضها من بعض. ولا نجد الكيفيّات على غاياتها لا يشوبها ولا يخالطها شيء إلّا في هذه فقط. وذلك أنّا نجد في النار غاية الحرّ وغاية اليبس ونجد في الأرض غاية البرد وغاية اليبس ونجد الكيفيّات الأخر في كلّ واحد من الاثنين الباقيين بحسب طبيعته التي تخصّه. فمتى احتجنا إلى كيفيّة هي في الغاية تناولنا الأسطقسّ نفسه أعني النار والهواء والماء والأرض ومتى احتجنا إلى مقدار قصد من الكيفيّة تناولنا شيئاً مركّباً مختلطاً من الأسطقسّات.

وأنا جاعل كلامي في الإنسان فأقول إنّ تركيب بدن الإنسان من الأسطقسّات الأوّليّة المفردة عند الحسّ هو من الأعضاء التي تعرف بالمتشابهة الأجزاء وهي الليف والأغشية واللحم والشحم والعظم والغضاريف والرباطات والعصب والمخّ وسائر جميع الأعضاء. وحدوث هذه أيضاً كان عن أسطقسّات أخر قريبة منها وهي الدم والبلغم والمرّتان الصفراء والسوداء؛ وحدوث هذه

وتولّدها هو ممّا يؤكل ويشرب؛ وحدوث ما يؤكل ويشرب أيضاً هو عن الهواء والنار والماء والأرض. فأمّا هذه فليست عن أجسام أخر لكنّها عن العنصر وليس لها أسطقسّات كانت عنها لكنّها مبادئ وأصول لسائر جميع الأجسام وذلك أنّها أقلّ الأجزاء وأبسطها.

وأمّا كيف تمتزج الأشياء التي تمتزج في جملتها فينبغي أن نختار هذه المقالة فيه وهو أن يكون ذلك بعمل كيفيّاتها بعضها في بعض كما رأى أرسطوطاليس ولو لم نخترها لشيء إلّا أنّها حريز من لزوم الشناعات التي ذكر أسقلبيادس في كتابه في الأسطقسّات أنّها تلزم من زعم أنّ الجواهر يمازج بعضها بعضاً بكلّيّتها. وقد يوافق هذا القول ويشهد على صحّته إلينا أنّ الأجسام التي خالط بعضها بعضاً مخالطة أكثر ودام ذلك بها فإنّ اتّحاد كيفيّاتها بعضها ببعض يكون لكرنه (؟) وانتقل إلى جنس آخر من الأسطقسّات ليست أسطقسّات أول ولا مشتركة لكنّها تخصّ ما له من الحيوان دم. وذلك أنّ الدم والبلغم والمرّتان الصفراء والسوداء هي أسطقسّات جميع ما له دم من الحيوان وليست أسطقسّات تخصّ الإنسان دون غيره لأنّ جميع أعضاء ما له دم من الحيوان إنّما حدوثه عن الدم الجاري إلى الرحم من الأمّ وإذاً كان قد يشوب ذلك الدم البلغم والمرّتان. قال أبقراط إنّه من الأخلاط الأربعة

والذي دعا أبقراط أن نتوهّم أنّ الأخلاط الأربعة هي العنصر الذي عنه كوّن الإنسان كون كلّ واحد من سائر الأعضاء والمتشابهة الأجزاء مخالفاً لغيره حتّى نجد هذا أبرد من هذا وهذا أسخن من هذا وهذا ألين من هذا وهذا أصلب من هذا. فقد يجب إذ كان تبتني الطبيعة على الحكمة أن يكون في أوّل الأمر عندما يولد ويصوّر الطفل من الدم الذي يأتي الرحم من الأمّ إنّما يجذب فيه أغلظ ما فيه ليحدث منه الأعضاء التي هي أصلب ويجذب منه أرقّ ما فيه ليحدث منه الأعضاء التي هي ألين وكذلك يجتذب منه ما هو أسخن ليحدث منه الأعضاء التي هي أسخن ويجتذب منه ما هو أبرد ليحدث الأعضاء التي هي أبرد.

وإن كنّا نرى الدم شيئاً واحداً كما نرى اللبن أيضاً بهذه الحال والقياس يدلّنا أنّه ليس شيء واحد. وذلك أنّ في اللبن شيئاً مائيّاً رقيقاً في غاية الرقّة وفيه شيء غليظ جبنيّاً في غاية الغلظ. فإذا تميّزا دلّ كلّ واحد منهما على طبيعته التي له خاصّة وعلى طبيعة جملة اللبن أنّه لم يكن شيئاً واحداً بالحقيقة لكنّه كان مركّباً لذلك في الدم شيء منه كأنّه صديد نظير المائيّة من اللبن وفيه شيء كأنّه عكر نظير الجبن من اللبن. وقد نرى عياناً في الدم خيوطاً (؟) تجري معه (؟) إذا عزلت عن الدم لم تجمد. والدم مختلف في لونه وقوامه وقد بان من ذلك أنّ الدم ليس هو واحد بالحقيقة. وفي البدن مرّتان تخالط الدم في جميع الأوقات ومعهما

خلط ثالث وهو البلغم. وذلك حارّ في الطبع في جميع الأسنان وفي جميع أوقات السنة لأنّك إن سقيت إنساناً دواء يخرج البلغم وجدته يخرج منه بالقيء والإسهال البلغم وإن سقيته دواء يخرج المرّتان وجدته تخرج منه المرّتان وتجد ذلك كلّه يكون دائماً في كلّ حال نهاراً كان أو ليلاً صيفاً كان أو شتاء.

فقد بان من ذلك أنّه ليس يوجد وقت من الأوقات يخلو فيه بدن الإنسان من الأخلاط الأربعة وكونه إنّما حدث من دم الأمّ وذلك الدم يخالطه البلغم والمرّتان. فقد تبيّن أنّ هذه هي طبيعة الإنسان أعني أنّ من هذه حدثت جميع أعضائه ومنها يغتذي. فأمّا بقراط فقال إنّ الكون والنشوء والغذاء يكون في أبداننا من الأخلاط الأربعة.

وقد يكتفي في هذا القول الذي نحن فيه بما تقدّم ذكره وقد آن لي أن أقطع هذا القول.

تمّ كتاب الأسطقسّات بحمد اللّه وعونه وحسن توفيقه. والحمد للّه وحده وصلواته على سيّدنا محمّد نبيّه وآله الطاهرين وسلاله.