Porphyry: Isagoge (Introduction)
Work
Porphyry, Isagoge
(Εἰσαγωγή)
English: Introduction
Text information
Type: Translation (Arabic)
Translator: Abū ʿUṯmān al-Dimašqī
Translated from: Syriac
Date:
between 870 and 920
Source
Aḥmad Fuʾād al-Ahwānī. Isāġūǧī li-Furfuriyūs al-Ṣūrī naql Abī ʿUṯmān al-Dimašqī. Cairo (Dār iḥyāʾ al-kutub al-ʿarabīyah) 1952, 67-94
Download
porph_isagoge-transl-ar1.xml [63.93 KB]
[مدخل فرفريوس الصوريّ تلميذ أفلوطين
لمّا كان من الضروريّ لمعرفة مذهب أرسطوطاليس في المقولات، أن نعرف ما الجنس، والفصل، والنوع، والخاصّة، والعرض؛ وكان العلم بها ضروريّاً كذلك في تركيب الحدود، وبوجه عامّ في معرفة ما يخصّ القسمة والبرهان، وهي أمور عظيمة النفع، فسوف أعرض عليك — يا خريساريوس — بياناً دقيقاً، وأجتهد في قول وجيز على سبيل المدخل، أن ألخّص ما ذكره سلفنا، متجنباً المباحث الشديدة الصعوبة، فلا أبحث إلّا المسائل البسيطة إلى حدّما.
وأوّلاً، لن أبحث عمّا إذا كان للأجناس والأنواع وجود في الأعيان أم أنّ وجودها ليس إلّا مجرّد تصوّرات في الأذهان؟ وإن كانت موجودة في الأعيان أهي جسميّة أو لا جسميّة؟ وأخيراً أهي مفارقة أم لا وجود لها إلّا في المحسوسات ومنها تتركّب؟ وهذه مسألة صعبة تحتاج إلى شرح آخر أكثر بسطاً. لهذا لن أعرض عليك هاهنا إلّا أفضل ما ذكره القدماء في المنطق، وبخاصّة المشّائين منهم، عن هذا الأمر وغيره من الأمور التي عددناها.
القول في الجنس
(١) يشبه ألّا تكون دلالة الجنس والنوع بسيطة.
يقال] جنس لجماعة قوم لهم نسبة بوجه من الوجوه إلى واحد أو لبعضهم إلى بعض، على المعنى الذي يقال به جنس الهرقليّين من قبل نسبتهم من واحد، أعني من هرقل، إذ كان جماعة القوم الذين لبعضهم قرابة إلى بعض من قبله قد يدعى جنساً بانفصالهم من سائر الأجناس الأخر.
وقد يقال أيضاً على جهة أخرى جنس لمبدأ كون كلّ واحد واحد، إمّا من الوالد أو من الموضع الذي يكون فيه الإنسان، فإنّه على هذه الجهة نقول: إنّ أورسطس من طنطالس، وأولس من إيرقلس. ونقول أيضاً إنّ جنس أفلاطن أثينيّ، وجنس فنطارس ثيبائيّ؛ وذلك أنّ البلد مبدأ ما لكون كلّ واحد كالأب. ويشبه أن يكون هذا المعنى أبين، وذلك أنّ الهرقليّين هم
المتناسلون في جنسهم من هرقل، والققروفيديّون هم الذين من ققروفس وقراباتهم. وسمّي أوّلاً جنساً مبدأ كون كلّ واحد، وبعد ذلك جماعة القوم الذين من مبدأ واحد بمنزلة هرقل. فأمّا إذا فصلناها وفرقناها من سائر الجماعات الأخر سمّينا جماعتهم جنس الهرقليّين.
وقد يقال أيضاً على جهة أخرى جنس الذي يرتّب تحته النوع. وخليق أن يكون إنّما سمّي جنساً لمشابهة هذين الموصوفين، لأنّ هذا الجنس هو مبدأ ما للأنواع التي تحته، ويظنّ به أنّه يحوي كلّ الكثرة التي تحته.
فإذ كان الجنس يقال على ثلاثة أنحاء، فقول الفلاسفة إنّما هو في الثالث منها، وهو الذي رسموه بأن قالوا: الجنس هو المحمول على كثيرين مختلفين بالنوع من طريق ما هو، مثال ذلك الحيّ لأنّ الأشياء التي تحمل، منها ما تقال على واحد: كالأشخاص بمنزلة سقراط، وهذا الشخص، وهذا الشيء؛ ومنها ما يقال على كثيرين: كالأجناس، والأنواع، والفصول، والخواصّ، والأعراض التي تعرض على جهة العموم لا التي تعرض لشيء على جهة الخصوص. فالجنس كالحيّ، والنوع
كالإنسان، والفصل كالناطق، والخاصّة كالضحّاك، والعرض كالأبيض والأسود، والقيام والجلوس.
فالأجناس تخالف الأشياء التي تحمل على شيء واحد فقط ممّا توصف به من أنّها تحمل على كثيرين. وتخالف الأشياء التي تقال على كثيرين بأشياء؛ من ذلك أنّه يخالف الأنواع بأنّ الأنواع، وإن كانت تحمل على كثيرين، فإنّها ليست تحمل على كثيرين مختلفين بالنوع، بل كثيرين مختلفين بالعدد. فإنّ الإنسان، إذ هو نوع، قد يحمل على سقراط، وفلاطن، اللذين ليسا يختلفان بالنوع، ولكن بالعدد. فأمّا الحيّ، فإذ هو جنس، قد يحمل على الإنسان والفرس والثور الذين بعضهم يخالف بعضاً، وبالنوع لا بالعدد فقط.
فأمّا الخاصّة فقد يخالفها الجنس من قبل أنّ الخاصّة إنّما تحمل على نوع واحد وهو النوع الذي هي له خاصّة، وعلى الأشخاص التي تحت ذلك النوع؛ كالضحّاك فإنّه يحمل على الإنسان فقط، وعلى أشخاص الناس. فأمّا الجنس فليس إنّما يحمل على نوع واحد، ولكن على أنواع كثيرة مختلفة.
وقد يخالف الجنس الفصول والأعراض العامّيّة، من قبل أنّ الفصول والأعراض التي تعرض على جهة العموم، وإن كانت تحمل على كثيرين مختلفين بالنوع، إلّا أنّها ليست تحمل من طريق ما هو، إذا سئلنا عن ذلك الشيء الذي تحمل عليه هذه، بل إنّما تحمل من طريق أيّ شيء هو؛ وذلك أنّا إذا سئلنا عن الإنسان أيّ حيوان هو؟ قلنا: ناطق؛ وإذا سئلنا عن الغراب أيّ حيوان هو؟ قلنا: أسود؛ والناطق فصل، والأسود عرض. أمّا إذا سئلنا عن الإنسان ما هو؟ أجبنا بأنّه حيوان، لأنّ جنس الإنسان قد كان الحيوان.
فيصير قولنا في الجنس بأنّه: محمول على كثيرين، يفصله من الأشياء التي تحمل على شيء واحد، وهي التي لا تتجزّأ الأشخاص. وقولنا: إنّه يحمل من طريق ما هو، يفصله من الفصول، ومن الأعراض العامّيّة التي ليست تحمل من طريق ما هو، ولكن من طريق أيّ شيء هو، أو كيف حاله. فليس تحوي إذن الرسم الموصوف لما يقوم في الوهم من الجنس زيادة ولا نقصانا.
القول في النوع
(٢) فأمّا النوع فقد يقال على صورة كلّ واحد بمنزلة ما قيل: «أما أوّلاً فصورته مستحقّة لذلك».
وقد يقال نوع أيضاً للمرتّب تحت الجنس الذي وصفنا؛ كما قد اعتدنا أن نقول: إنّ الإنسان نوع للحيّ، إذ الحيّ جنس. ونقول: إنّ الأبيض نوع للون، والمثلّث نوع للشكل. ولأنّا لمّا وصفنا الجنس ذكرنا النوع بقولنا: المحمول على كثيرين مختلفين بالنوع من طريق ما هو، وكنّا نقول في النوع إنّه المرتّب تحت الجنس الذي وصفنا، فينبغي أن نعلم أنّ الجنس لأنّه هو جنس لنوع، والنوع لأنّه نوع لجنس، كلّ واحد منهما للآخر، وجب أن نستعملهما جميعاً في قولي كليهما. فهم يصفون النوع على هذا الوجه: النوع هو المرتّب
تحت الجنس، والذي جنسه يحمل عليه من طريق ما هو. وقد يصفونه أيضاً على هذه الجهة: النوع هو المحمول على كثيرين مختلفين بالعدد من طريق ما هو. ولكن هذه الصفة أيضاً هي لنوع الأنواع، ولما هو نوع فقط. وأمّا الصفتان الأخريان فهما لما ليس بنوع الأنواع.
وقد يتبيّن ما نحن واصفوه على هذا النحو فنقول: إنّ في كلّ واحدة من المقولات أشياء هي أجناس أجناس، وأشياء هي أنواع أنواع؛ وفيما بين أجناس الأجناس، وأنواع الأنواع أشياء أخر. وجنس الأجناس هو الذي ليس فوقه جنس يعلوه، ونوع الأنواع هو الذي ليس دونه نوع آخر يوضع تحته. وفيما بين جنس الأجناس ونوع الأنواع أشياء هي بأعيانها أجناس وأنواع، إلّا أنّها كذلك إذا قيست إلى أشياء مختلفة.
وينبغي أن نوضح ما نحن ذاكروه في مقولة واحدة، فنقول: إنّ الجوهر هو هو أيضاً جنس وتحته الجسم، وتحت الجسم الجسم المتنفّس، وتحت الجسم المتنفّس الحيّ، وتحت الحيّ الحيّ الناطق، وتحت هذا الإنسان، وتحت الإنسان سقراط، وفلاطن، والجزئيّون من الناس. ولكنّ الجوهر من هذه الأشياء هو جنس الأجناس، والإنسان هو نوع الأنواع. فأمّا الجسم فنوع للجوهر، وجنس للجسم المتنفّس؛ والجسم المتنفّس نوع للجسم، وجنس للحيّ؛ والحيّ أيضاً نوع للجسم المتنفّس، وجنس للحيّ الناطق؛ والحيّ الناطق نوع للحيّ، وجنس للإنسان. والإنسان نوع للحيّ الناطق، وليس هو جنساً للجزئيّين من الناس، لكنّه نوع فقط؛ وكلّ ما كان قريباً من الأشخاص فهو نوع فقط وليس بجنس. وكما أنّ الجوهر هو جنس الأجناس، لأنّه في أعلى منزلة، إذ ليس قبله شيء، كذلك الإنسان: فإنّه نوع
فقط، والنوع الأخير، ونوع الأنواع، كما قلنا، إذ هو نوع ليس دونه نوع، ولا شيء من الأشياء التي يتهيّأ فيها أن تنقسم إلى أنواع، بل إنّما دونه الأشخاص، فإنّ سقراط، وألقبيادس، وفلاطن أشخاص. فأمّا المتوسّطة فإنّها لما قبلها أنواع، ولما بعدها أجناس. فلذلك صار لها نسبتان: النسبة إلى ما قبلها التي بحسبها يقال إنّها أنواع لها، والنسبة إلى ما بعدها التي بحسبها يقال إنّها أجناس لها.
فأمّا الطرفان فإنّما لهما نسبة واحدة؛ وذلك أنّ جنس الأجناس له نسبة إلى ما دونه، إذ هو أعلى الأجناس كلّها، وليس له نسبة إلى شيء قبله، إذ كان في أعلى منزلة، والمبدأ الأوّل.
ونوع الأنواع أيضاً إنّما له نسبة واحدة، وهي النسبة التي له إلى ما فوقه، وهي الأشياء التي هي نوع لها. وأمّا النسبة التي له إلى ما دونه، فليست غير تلك، إذ كان يقال له أيضاً إنّه نوع للأشخاص، إلّا أنّه نوع للأشخاص من قبل أنّه يحويها، ونوع لما قبله من قبل أنّ الأشياء التي قبله تحويه.
فقد يحدّون جنس الأجناس بأنّه جنس وليس بنوع، ويحدّونه أيضاً بأنّه الذي ليس فوقه جنس يعلوه.
ويحدّون نوع الأنواع بأنّه نوع وليس بجنس، والذي ليس هو نوع، لا يجوز لنا قسمته إلى الأنواع، هو المحمول على كثيرين مختلفين بالعدد من طريق ما هو.
والمتوسّطات للطرفين يسمّونها أجناساً بعضها تحت بعض، ويجعلون كلّ واحد منها نوعاً وجنساً بالقياس إذا نسبوها إلى أشياء مختلفة. فأمّا التي ترتقي من قبل نوع الأنواع إلى جنس الأجناس، فيقال لها أنواع وأجناس، وأجناس بعضها تحت بعض؛ بمنزلة أغاممنن بن أطرود بن فلبس بن طنطالس وآخر ذلك ابن ذيوس. ولكنّهم في النسب يرتقون إلى مبدأ واحد في أكثر الأمر، وهو ذيوس مثلاً. فأمّا في الأجناس والأنواع فليس الأمر كذلك، لأنّ الموجود ليس هو جنساً واحداً عامّاً لجميعها، ولا كلّها متّفقة في جنس واحد، هو أعلى منها، كما نقول: أرسطوطاليس. ولكنّا نهب أنّ الأجناس الأول، على ما في كتاب المقولات، عشرة، وأنّها بمنزلة عشرة مبادٍ أول، ومتى سمّاها إنسان موجودات، فإنّما يسمّيها باتّفاق الاسم، لا بالتواطؤ. وذلك أنّ الموجود لو كان جنساً واحداً عامّاً لجميعها، لقد كانت تسمّى كلّها موجودات على طريق التواطؤ. فإذا كانت الأوائل عشرة، فإنّ الاشتراك بينها هو في الاسم فقط، لا في القول الذي بحسب الاسم. فأجناس الأجناس إذن عشرة. فأمّا أنواع الأنواع فقد توجد في عدد ما، وليست بغير نهاية.
وأمّا الأشخاص التي هي بعد أنواع لأنواع، فبغير نهاية. وكذلك يأمر فلاطن المنحدرين من أجناس الأجناس إلى أنواع الأنواع أن يمسكوا عندها، وأن يكون انحدارهم إليها بمتوسّطات، بعد أن يقسموها بالفصول المحدثة الأنواع، ويقول: إنّ الأشياء التي بغير نهاية ينبغي أن تترك، فإنّ العلم لا يحيط بها. وإذا انحدرنا إلى أنواع الأنواع، فيجب ضرورة أن تجمع الكثرة، لأنّ النوع جامع الكثير إلى طبيعة واحدة، والجنس في ذلك أكثر جمعاً منه. فأمّا الأشياء الجزئيّة والمفردة فضدّ ذلك، لأنّها تقسم الواحد دائماً إلى كثرة؛ وذلك أنّ الناس الكثيرين إنسان واحد في اشتراك النوع، والإنسان الواحد العامّ كثير بالجزئيّين فإنّ الشيء المفرد يقسّم أبداًً، والعامّ جامع.
وإذ قد وصفنا الجنس والنوع ما كلّ واحد منهما، وكان الجنس واحداً والأنواع كثيرة، لأنّ قسمة الجنس أبداً إلى أنواع كثيرة، فإنّ الجنس أبداً يحمل على النوع. وكلّ ما هو فوق يحمل على ما تحته؛ فأمّا النوع فليس يحمل إلّا على الجنس القريب منه، ولا على الأجناس التي فوق ذلك الجنس، لأنّها لا تنعكس. وذلك أنّه ينبغي أن تكون الأشياء التي تحمل على أشياء إمّا مساوية لتلك التي تحمل عليها كحمل الصهيل على الفرس، وإمّا أن يكون أكثر منها كحمل الحيوان على الإنسان. فأمّا الأشياء التي هي أقلّ فليست تحمل على ما هو أكثر منها، لأنّه ليس لك أن تقول: إنّ الحيوان إنسان كما تقول: إنّ الإنسان حيوان. والأشياء التي يحمل عليها النوع، يحمل عليها من الاضطرار جنس ذلك النوع، وجنس ذلك الجنس إلى أن تبلغ إلى جنس الأجناس. لأنّه إن كان قولنا: «سقراط إنسان» صادقاً، وإنّ الإنسان حيوان، وإنّ الحيوان جوهر، فقولنا: «إنّ سقراط حيوان وجوهر» صادق.
فإذ كانت إذن الأشياء العالية تحمل على ما هو تحتها دائماً، فالنوع يحمل على الشخص؛ والجلس على النوع، وعلى الشخص. وجنس الأجناس يحمل على الجنس والأجناس، إن كانت المتوسّطة التي بعضها تحت بعض كثيرة، وعلى النوع، وعلى الشخص؛ وذلك أنّ جنس الأجناس يحمل على جميع الأجناس والأشخاص التي تحته. والجنس الذي قبل نوع الأنواع يحمل على جميع الاأنواع، وعلى الأشخاص. والنوع الذي هو نوع فقط، يحمل على جميع الأشخاص. والشخص يحمل على واحد فقط من الجزئيّات.
والذي يوصف بأنّه شخص هو بمنزلة سقراط، وذاك الأبيض، وهذا المقبل كأنّك قلت: ابن سفرونسقوس، إن كان إنّما له من البنين سقراط وحده. وإنّما يقال لأمثال هذه الأشياء أشخاص، من قبل أنّ كلّ واحد منها قد يقوّم من خواصّ لا يمكن أن توجد جملتها بعينها وقتاً من الأوقات في آخر غيره من الأشياء الجزئيّة؛ فإنّ خواصّ سقراط لا يمكن أن توجد في آخر من الجزئيّين. فأمّا خواصّ الإنسان، أعني العامّ، فقد توجد بأعيانها في كثيرين، لا بل في جميع الناس الجزئيّين، من جهة ما هم ناس. فالنوع إذن يحوي الأشخاص، والجنس يحوي النوع؛ لأنّ الجنس كلّ ما، والشخص جزء، والنوع كل وجزء، غير أنّه جزء لشيء آخر، وليس هو كلّ لآخر، لكنّه كلّ في أجزاء، ذلك أنّ الكلّ في الأجزاء.
فقد وصفنا أمر الجنس والنوع، وقلنا ما جنس الأجناس، وما نوع الأنواع، وما الأشياء التي هي بأعيانها أجناس وأنواع، وما هي الأشخاص، وعلى كم جهة يقال الجنس والنوع.
القول في الفصل
(٣) أمّا الفصل فيقال عامّاً، وخاصّاً، وخاصّ الخاصّ. لأنّه قد يقال في شيء إنّه يخالف بفصل عامّ، متى كان يخالف نفسه، أو غيره، بغيريّة كيف كانت المخالفة. فإنّ سقراط يخالف أفلاطن بالغيريّة؛ ويخالف نفسه أيضاً: إذ كان صبيّاً فصار رجلاً، وإذا كان يعمل شيئاً وأمسك عنه، وفي اختلاف الأحوال دائماً.
ويقال في شيء إنّه يخالف غيره بفصل خاصّ متى خالفه بعرض غير مفارق بمنزلة القنا، والشهلة، وأثر الجرح المندمل.
ويقال في شيء إنّه يخالف غيره بفصل خاصّ الخاصّ، متى كان يخالفه بفصل محدث للنوع، كالإنسان فإنّه يخالف الفرس بفصل محدث للنوع، أعني بطبيعة النطق.
وبالجملة فإنّ كلّ فصل قد يحدث للشيء الذي يوجد فيه اختلافاً. غير أنّ الفصل الخاصّ والعامّ يحدثان غيراً، وخاصّ الخاصّ يحدث آخر، وذلك أنّ من الفصول ما يحدث غيراً، ومنها ما يحدث آخر. فالتي تحدث آخر سمّيت فصولاً محدثة الأنواع، والتي تحدث غيراً تسمّى فصولاً على الإطلاق؛ لأنّ الحيّ إذا أضيف إليه فصل الناطق أحدث آخر، ونوعاً للحيّ. فأمّا فصل التحرّك فإنّه إذا
أضيف إلى الحيّ يجعله غير الساكن فقط. فمن الفصول إذن ما يحدث آخر، ومنها ما يحدث غيراً فقط.
فالفصول التي تحدث آخر، بها تكون قسمة الأجناس إلى الأنواع، وبها تستوفى الحدود، إذ كانت من جنس ومن أمثال هذه الفصول. فأمّا الفصول التي تحدث غيراً، فإنّها تحدث عنها غيريّة فقط، وتغايير الأحوال.
فينبغي أن نبتدئ من فوق أيضاً فأقول: إنّ الفصول منها ما هي مفارقة، ومنها غير مفارقة؛ فالتحرّك والسكون، وأن يصحّ الإنسان ويمرض، وما أشبه ذلك، فصول مفارقة. فأمّا أن يوجد أقنى أو أفطس، أو ناطق أو غير ناطق ففصول غير مفارقة؛ ومن غير المفارقة ما توجد بذاتها، ومنها على طريق العرض. وذلك أنّ الناطق موجود للإنسان بذاته، وكذلك المائت وقبول العلم. فأمّا أن يكون أقنى أو أفطس، فعلى طريق العرض لا بذاته. فالتي توجد لشيء بذاتها، فقد توجد في قول الجوهر، وتحدث آخر. فأمّا التي هي على طريق العرض، فليست توجد في حدّ قول الجوهر، ولا تحدث آخر، بل إنّما تحدث غيراً فقط. والتي توجد بذاتها لا تقبل الأكثر والأقلّ. فأمّا التي هي على طريق العرض، فإنّها تقبل الزيادة والنقصان، وإن كانت غير مفارقة، وذلك أنّ الجنس لا يحمل على ما هو له جنس بالأكثر والأقلّ، ولا فصول الجنس أيضاً التي بها يقسّم، لأنّ هذه الفصول هي المتمّمة لحدّ كلّ واحد. والوجود لكلّ واحد واحد بعينه غير قابل للزيادة والنقصان. فأمّا أن يكون أقنى، أو أفطس، أو ملوّناً بضرب من الألوان، فقد يزيد وينقص.
فإذ كنّا نجد أنواع الفصل ثلاثة، وكان منها ما هو مفارق، ومنها غير مفارق، ومن غير المفارق أيضاً منها ما هي بذاتها ومنها ما هي على طريق العرض، فالفصول
أيضاً التي هي بذاتها منها ما بها تقسّم الأجناس إلى الأنواع، ومنها ما بها تصير المنقسمة أنواعاً. مثال ذلك أنّه لمّا كانت الفصول الموجودة للحيّ بذاتها هي هذه: المتنفّس والحسّاس، والناطق وغير الناطق، والمائت وغير المائت، صار فصلاً المتنفّس والحسّاس مقوّمين لجوهر الحيّ؛ لأنّ الحيّ هو جوهر حسّاس متنفّس. فأمّا فصول المائت وغير المائت، والناطق وغير الناطق، فمقسّمة للحيّ لأنّها تقسّم الأجناس إلى الأنواع. غير أنّ هذه الفصول المقسّمة للأجناس قد تكون متمّمة ومقوّمة للأنواع، لأنّ الحيّ ينقسم بفصل الناطق وفصل غير الناطق، وبفصل الميّت أيضاً وغير الميّت. ولكن فصلي المائت والناطق مقوّمان للإنسان، وفصلي الناطق وغير المائت مقوّمان للملك، وفصلي غير الناطق والمائت مقوّمان للحيوانات غير الناطقة. وكذلك أيضاً الجوهر الأعلى، لمّا كانت له فصول تقسّمه، وهي المتنفّس وغير المتنفّس، والحسّاس وغير الحسّاس، صار فصلاً المتنفّس وغير المتنفّس، إذا حصلا مع الجوهر، أحدثا الحيّ.
فإنّ هذه الفصول بأعيانها إذا ما أخذت بنحو من الأنحاء تكون مقوّمة، وإذا أخذت بنحو آخر تصير مقسّمة، سمّيت بأجمعها محدثة الأنواع. والحاجة في قسمة الأجناس، والحاجة في الحدود، إنّما هي إلى هذه الفصول خاصّة، لا إلى الفصول غير المفارقة التي على طريق العرض، والحدود فأحرى ألّا تحتاج إلى المفارقة.
وقد يحدّون هذه الفصول ويقولون: إنّ الفصل هو الذي به يفضل النوع على الجنس. وذلك أنّ الإنسان له شيء يفضل به على الحيّ، وهو الناطق والمائت؛ لأنّ الحيّ ليس هو واحداً من هذين، وإلّا فمن أين اقتنت الأنواع فصولاً؟ ولا الفصول
أيضاً المتقابلة بأجمعها له، ولا صارت الفصول المتقابلة لشيء واحد بعينه معاً. ولكن الفصول التي تحته هي له بأجمعها بالقوّة، على حسب ما يعتقدون؛ فأمّا بالفعل فليس هي له، ولا واحد منها. وعلى هذه الجهة لا يكون شيء من أشياء غير موجودة، ولا تكون المتقابلات في شيء واحد بعينه معاً.
وقد يحدّون الفصل أيضاً على هذه الجهة: الفصل هو المحمول على كثير[ين] مختلفين بالنوع من طريق أيّ شيء هو. لأنّ الناطق والمائت محمولان على الإنسان، ويقال الإنسان بهما من طريق أيّ شيء هو، لا من طريق ما هو، وذلك إذا سئلنا عن الإنسان ما هو؟ فالأولى أن نقول إنّه حيوان. وإذا سئلنا عنه أيّ شيء هو؟ فإنّ الأولى أن نصفه بأنّه ناطق مائت؛ وذلك أنّ الأشياء مقوّمة من مادّة وصورة، أو من أشياء قوامها ممّا هو نظير للمادّة والصورة؛ فكما أنّ التمثال من مادّة أي من النحاس، ومن صورة أي من شكل التمثال، كذلك الإنسان أيضاً العامّ والنوعيّ فإنّه من شيء نظير المادّة وهو الجنس، ومن صورة وهي الفصل. وهذه الجملة، أعني حيّاً ناطقاً مائتاً، هي الإنسان، كما أنّ تلك هي التمثال.
وقد يرسمون أمثال هذه الفصول أيضاً هكذا: الفصل هو الذي من شأنه أن يفرق بين ما تحت جنس واحد بعينه؛ لأنّ الناطق وغير الناطق يفرقان بين الإنسان والفرس، اللذين هما تحت جنس واحد، أي الحيّ.
وقد يصفونه أيضاً بهذه الصفة: الفصل هو ما به تختلف أشياء ليست تختلف في الجنس. فإنّ الإنسان والفرس لا يختلفان في الجنس، لأنّا نحن وغير الناطقين حيوان، ولكن إذا أضيف إلى الحيوان الناطق، فصلنا منهم. ونحن والملائكة ناطقون، لكن إذا أضيف إلينا المائت، فصلنا منهم.
ولمّا زادوا في شرح أمر الفصل قالوا: إنّ الفصل ليس هو أيّ شيء اتّفق ممّا يفرق من أشياء تحت جنس واحد بعينه، لكن هو الشيء النافع في الإنّيّة، وفيما هو الشيء، والشيء الذي هو جزء من المعنى. لأنّ ليس قولنا في الإنسان: إنّ من شأنه استعمال الملاحة فصلاً له، وإن كان خاصّاً للإنسان. لأنّه لو كان فصلاً للإنسان، لقد كنّا نقول: إنّ من الحيوان ما من شأنه استعمال الملاحة، ومنه ما ليس من شأنه ذلك، فنفصله من سائر الحيوان. ولكن قولنا: إنّ من شأنه استعمال الملاحة لم يكن متمّماً للجوهر، ولا جزءاً له، ولكنّه تهيّؤ للجوهر فقط، بسبب أنّه ليس هو من الفصول التي توصف بأنّها محدثة للأنواع. فالفصول إذن المحدثة للأنواع هي التي تحدث نوعاً آخر، والتي توجد فيما هو الشيء.
وقد نكتفي في هذا الفصل بهذا المقدار.
القول في الخاصّة
(٤) وقد يقسمون الخاصّة على أربع جهات:
وذلك أنّ منها ما يعرض لنوع ما وحده، وإن لم يعرض لكلّه، كالطبّ والهندسة للإنسان.
ومنها ما يعرض للنوع كلّه، وإن لم يعرض له وحده، كذي الرجلين للإنسان.
ومنها ما يعرض للنوع وحده، ولجميعه، وفي بعض الأوقات، كالشمط لجميع الناس في وقت الشيخوخة.
والخاصّة الرابعة هي التي يجتمع فيها أنّها تعرض لجميع النوع، وله خاصّة، وفي كلّ وقت كالضحك للإنسان وإن لم يضحك دائماً؛ ولكن يقال له ضحّاك من طريق أنّ من شأنه أن يضحك، لا لأنّه يضحك دائماً. وهذه الخاصّة أبداً هي غريزته فيه، كالصهيل للفرس. ويسمّون هذه خواصّاً على الحقيقة لأنّها تنعكس؛ وذلك أنّه إن كان الفرس موجوداً، فالصهيل موجود، وإن كان الصهيل موجوداً، فالفرس موجود.
القول في العرض
(٥) والعرض هو ما يكون ويبطل من غير فساد الموضوع له.
وهو ينقسم قسمين: وذلك أنّ منه مفارقاً، ومنه غير مفارق. فإنّ النوم عرض مفارق، والسواد عرض غير مفارق للغراب والزنجيّ؛ وقد يمكن أن يتوهّم غراب أبيض، وزنجيّ قد ذهب عنه لونه، من غير فساد الموضوع.
وقد يحدّونه أيضاً بهذا الحدّ: العرض هو الذي يمكن فيه أن يوجد لشيء واحد بعينه وألّا يوجد.
أو هو الذي ليس بجنس، ولا فصل، ولا نوع، ولا خاصّة، وهو أبداً قائم في موضوع
الفصل الثاني من إيساغوجي وهو الكلام في الاشتراك والاختلاف الذي بين هذه الخمسة
فإذ قد حدّدت وميّزت جميع الأشياء التي قصدنا نحوها، أعني الجنس، والفصل، والنوع، والخاصّة، والعرض، فينبغي أن نقول ما الأشياء التي تعمّها، وما التي تخصّها.
(١) فالعامّ لها كلّها هو أنّها تحمل على كثيرين غير أنّ الجنس يحمل على الأنواع والأشخاص؛ والفصل أيضاً يحمل على ذلك المثال؛ والنوع يحمل على الأشخاص التي تحته؛ والخاصّة تحمل على النوع التي هي له خاصّة، وعلى الأشخاص التي تحت ذلك النوع؛ والعرض يحمل على الأنواع وعلى الأشخاص، وذلك أنّ الحيّ يحمل على الخيل وعلى الكلاب إذ هي أنواع وعلى الفرس المشار إليه، وعلى الكلب المشار إليه، إذ هما شخصان. وغير الناطق يحمل على الفرس والكلب، وعلى الجزئيّين منهم. فالنوع، كأنّك قلت الإنسان، يحمل على الجزئيّين من الناس فقط. والخاصّة كالضحك تحمل على الإنسان، وعلى الجزئيّين من الناس.
والأسود يحمل على نوع الغربان، وعلى الجزئيّين من الغربان، وهو عرض غير مفارق. والتحرّك [هو] يحمل على الإنسان، وعلى الفرس، وهو عرض غير مفارق؛ ولكنّه يحمل أوّلاً على الأشخاص، ويحمل ثانياً على الأشياء التي تحوي الأشخاص.
الاشتراك والاختلاف بين الجنس والفصل ثلاثة اشتراكات وستّة اختلافات
(٢) فالشيء العامّ للجنس والفصل هو أنّهما يحويان أنواعاً؛ وذلك أنّ الفصل أيضاً يحوي أنواعاً، وإن لم يكن يحوي جميع ما تحويه الأجناس. وذلك أنّ الناطق، وإن لم يكن يحوي غير الناطق كالحيوان، فإنّه يحوي الإنسان والملك اللذين هما أنواع.
وأيضاً فكلّ ما يحمل على الجنس من طريق ما هو جنس، فإنّه يحمل على ما تحته من الأنواع. وكلّ ما يحمل على الفصل من طريق ما هو فصل، فإنّه يحمل على النوع الذي عنه يحدث. فإنّ الحيّ، الذي هو جنس من طريق ما هو جنس، قد يحمل عليه الجوهر والمتنفّس، وهذان أيضاً قد يحملان على جميع الأنواع التي تحت الحيّ إلى أن نبلغ إلى الأشخاص. والناطق، إذ هو فصل، قد يحمل عليه من طريق ما هو فصل استعمال النطق. وليس إنّما يحمل استعمال النطق على الناطق فقط، لكنّه قد يحمل أيضاً على الأنواع التي تحت الناطق.
ويعمّ الجنس والفصل أنّهما أيضاً إذا ارتفعا، ارتفع ما تحتهما. فكما أنّه متى لم يوجد حيوان لم يوجد فرس ولا إنسان، كذلك متى لم يوجد ناطق، لم يوجد شيء من الحيوان المستعمل للنطق.
(٣) والشيء الذي يخصّ الجنس أنّه يحمل على أكثر ممّا يحمل عليه الفصل، والنوع والخاصّة، والعرض. وذلك أنّ الحيوان يحمل على الإنسان، وعلى الفرس، والطير،
والحيّة، وذيّ أربع. وذو أربع يحمل على ماله أربعة أرجل فقط. والإنسان يحمل على الأشخاص وحدها. والصهيل يحمل على الفرس، وعلى الجزئيّين. والعرض على ذلك المثال يحمل على أقلّ ممّا يحمل عليه الجنس. وينبغي أن تأخذ من الفصول الفصول التي بها ينقسم الجنس، لا المتمّمة لجوهر الجنس.
وأيضاً فإنّ الجنس يحوي الفصل بالقوّة؛ لأنّ الحيّ منه ناطق ومنه غير ناطق. والفصول ليست تحوي الأجناس.
وأيضاً فإنّ الأجناس أقدم من الفصول التي دونها، ولذلك ترفعها ولا ترتفع بارتفاعها؛ لأنّ الحيّ، متى ارتفع، ارتفع الناطق وغير الناطق. وأمّا الفصول فليست ترفع الجنس؛ وذلك أنّ الفصول، إن ارتفعت كلّها، بقي الجوهر المتنفّس الحسّاس متوهّماً، وقد كان ذلك الجوهر هو الحيّ.
وأيضاً فإنّ الجنس يحمل من طريق ما الشيء، والفصل يحمل من طريق أيّ شيء هو.
وأيضاً فإنّ الجنس في كلّ واحد من الأنواع واحد، بمنزلة الحيّ في الإنسان. فأمّا الفصول فأكثر من واحد، كأنّك قلت: ناطق مائت قابل للعلم والعقل، وهذه الفصول التي بها يخالف الإنسان سائر الحيوان.
وأيضاً فإنّ الجنس يشبه المادّة، والفصل يشبه الخلقة.
وقد يوجد للجنس والفصل أشياء أخر مع ما وصفنا تعمّها وتخصّها، غير أنّا نكتفي بهذه.
الاشتراك والاختلاف بين الجنس والنوع ثلاثة اشتراكات وستّة اختلافات
(٤) والجنس والنوع قد يعمّهما — كما وصفنا — أنّهما يقالان على كثيرين؛ وينبغي أن يستعمل النوع على أنّه نوع، لا على أنّه جنس، متى وجدنا الواحد بعينه نوعاً وجنساً. وممّا يعمّهما أيضاً أنّهما يتقدّمان الأشياء التي يحملان عليها. وأنّ كلّ واحد منهما أيضاً كلّ ما.
(٥) ويختلفان بأنّ الجنس يحوي الأنواع، والأنواع تحوي من الأجناس، ولا تحوي الأجناس. وذلك أنّ الجنس يفضل على النوع.
وأيضاً فإنّ الأجناس ينبغي أن تقدّم فتوضع، فإذا تصوّرت بالفصول أن تحدث الأنواع. ولذلك ما صارت الأجناس أقدم في الطبع، وترفع ولا ترتقع بارتفاع غيرها؛ ولذلك فمتى وجد نوع وجد الجنس، فأمّا متى وجد الجنس، فليس يوجد النوع لا محالة.
و أيضاً فإنّ الأجناس تحمل على الأنواع على طريق التواطؤ؛ فأمّا الأنواع فليست تحمل على الأجناس.
وأيضاً فإنّ الأجناس تفضل على الأنواع التي دونها باحتوائها عليها، والأنواع تفضل على الأجناس بالفصول التي تخصّها. وأيضاً فإنّه لا النوع يكون جنس الأجناس، ولا الجنس نوع الأنواع.
الاشتراك والاختلاف بين الجنس والخاصّة ثلاثة اشتراكات وخمسة اختلافات
(٦) والجنس والخاصّة يعمّهما أنّهما تابعان للأنواع؛ وذلك أنّه متى كان الإنسان موجوداً، فالحيّ موجود؛ ومتى كان الإنسان موجوداً، فالضحّاك موجود.
ويعمّهما أيضاً أنّ الجنس يحمل على الأنواع بالسويّة، وكذلك الخاصّة على الأشياء التي تشترك فيها، وذلك أنّ الإنسان والثور حيوان بالسويّة؛ وأنوطوس وميلوطس ضحّاكان بالسويّة
[ويعمّهما أيضاً أنّ الجنس يحمل على الأنواع التي دونه على طريق التواطؤ، وكذلك الخاصّة على الأشياء التي هي خاصّة لها.
(٧) ويختلفان بأنّ الجنس أقدم من الخاصّة، إذ الحيوان يوجد أوّلاً، ثمّ يقسم تبعاً لفصوله وخواصّه. وأنّ الجنس يحمل على أنواع كثيرة، والخاصّة لا تحمل إلّا على النوع الذي هي خاصّة له. وأيضاً فإنّ الخاصّة تحمل على الشيء الذي هي خاصّة له، فأمّا الجنس فلا ينعكس؛ فليس يجب إذا كان الحيوان موجوداً أن يوجد الإنسان، وكذلك ليس يجب إذا كان الحيوان موجوداً أن يوجد الضحّاك. أمّا إذا كان الإنسان موجوداً، فالضحّاك موجود. وأيضاً فإنّ الخاصّة توجد للنوع الذي هي خاصّة له، وحده، ودائماً، ولجميعه. أمّا الجنس فيوجد للنوع الذي هو جنس له، دائماً ولجميعه، ولكن لا للنوع وحده كالحال في الخاصّة. وأخيراً فإنّ الخواصّ إذا رفعت، فلا ترفع الأجناس برفعها؛ أمّا الأجناس فإنّها ترفع بارتفاعها الأنواع التي توجد فيها الخواصّ. فإذا رفعت الأشياء التي توجد فيها الخواصّ ارتفعت الخواصّ بارتفاعها.
الاشتراك والاختلاف بين الجنس والعرض
(٨) ويعمّ الجنس والعرض — كما قيل إنّهما يحملان على كثيرين، كانت الأعراض مفارقة أم غير مفارقة. فالتحرّك يحمل على كثيرين، والأسود يحمل على الغراب، والزنجيّ، وعلى أشياء كثيرة غير حيّة.
(٩) ويختلفان في أنّ الجنس أقدم من الأنواع، والأعراض لاحقة لها. لأنّك إذا أخذت عرضاً غير مفارق، كان الشيء الذي يوجد العرض له أقدم منه. وأيضاً فإنّ الأشياء التي تشترك في الجنس] تشترك فيه بالسويّة؛ فأمّا التي تشترك بالعرض فليست بالسويّة، لأنّ الاشتراك في العرض قد يقبل الزيادة والنقصان؛ فأمّا الاشتراك في الجنس فلا. وأنّ الأعراض توجد في الأشخاص على القصد الأوّل؛ وأمّا الأجناس والأنواع فإنّها أقدم من الأشخاص في الطبع. وأنّ الأجناس تحمل على ما تحتها من طريق ما الشيء؛ فأمّا الأعراض فتحمل من طريق أيّ شيء، أو كيف هو كلّ واحد. لأنّك متى سئلت عن الزنجيّ أيّ شيء هو؟ قلت: أسود. ومتى سئلت عن سقراط كيف هو؟ قلت: يمشي.
فقد وصفنا بماذا يخالف الجنس الأربعة الباقية؛ وقد يلزم أن يكون كلّ واحد من الباقية يخالف الأربعة. فيجب من ذلك إذ كانت خمسة، وكان واحد واحد منها يخالف الأربعة، أن يكون جميع مخالفاتها خمسة في أربعة، وذلك عشرون. غير أنّه لمّا كانت الأشياء التي تعدّ على الولاء، الثواني منها تنقص واحداً من قبل أنّه قد
حصل، والثوالث اثنين، والروابع ثلاثة، والخوامس أربعة، صارت المخالفات بأسرها عشراً: أربع، ثلاث، اثنتان، واحدة. وذلك أنّ الجنس يخالف الفصل والنوع والخاصّة والعرض، فمخالفاته إذن أربع. فأمّا الفصل فقد وصفنا بماذا يخالف الجنس حين وصفنا بماذا يخالفه الجنس؛ فقد بقي لنا إذن أن نصف بماذا يخالف الفصل النوع والخاصّة والعرض، فيكون من ذلك ثلاث مخالفات. وكذلك النوع أيضاً؛ أمّا بماذا يخالف الفصل فنكون قد وصفناه حيث وصفنا بماذا يخالف الفصل النوع. فأمّا بماذا يخالف الجنس، فحيث وصفنا بماذا يخالف الجنس النوع. فيبقى علينا أن نصف بماذا يخالف النوع الخاصّة والعرض؛ فيكون من ذلك مخالفتان. ويبقى علينا أن نصف بماذا تخالف الخاصّة والعرض، لأنّا قد تقدّمنا ووصفنا بماذا تخالف الخاصّة الفصل والنوع والجنس في وصفنا مخالفة هذه تلك. فلمّا كانت المخالفات بين الجنس وبين الباقية أربعاً، وبين الفصل وبينها ثلاثاً، وبين النوع وبينها اثنتين، وبين الخاصّة والعرض واحدة، صار جميع المخالفات عشر، أربع منها، وهي المخالفات بين الجنس وبين الباقية، قد بيّنّاها فيما قبل.
الاشتراك والاختلاف بين الفصل والنوع اشتراكان وأربعة اختلافات
(١٠) فالشيء العامّ للفصل والنوع هو أنّ الأشياء التي تشترك فيها تشترك بالسويّة. وذلك أنّ الناس الجزئيّين يشتركون في الإنسان، وفي فصل الناطق بالسويّة.
ويعمّهما أيضاً أنّهما يوجدان للأشياء التي تشترك فيها دائماً؛ فإنّ سقراط ناطق أبداً، وإنسان أبداً.
(١١) ويخصّ الفصل أنّه يحمل من طريق أيّ شيء؛ ويخصّ النوع أنّه يحمل على طريق ما الشيء. وذلك أنّ الإنسان، وإن كان قد يوجد من طريق أيّ شيء، غير أنّه ليس هو على الإطلاق أيّ شيء، لكن من قبل أنّ الفصول لما دخلت على الجنس قوّمته، [أي قوّمت النوع].
وأيضاً فإنّ الفصل في أكثر الأمر يوجد في أنواع أكثر من واحد، كذي أربعة أرجل في حيوانات كثيرة مختلفة بالنوع. والنوع إنّما هو في الأشخاص التي تحته فقط.
وأيضاً فإنّ الفصل أقدم من نوعه؛ وذلك أنّ الناطق يرفع الإنسان بارتفاعه، والإنسان لا يرفع الناطق بارتفاعه، عند وجود الملك.
وأيضاً فإنّ الفصول تأتلف مع فصل آخر، فإنّ الناطق والمائت قد ائتلفا لقوام الإنسان. فأمّا النوع فلا يأتلف مع نوع حتّى يحدث عنهما نوع آخر؛ فإنّ فرساً ما مع حمار ما قد يجتمعان لكون البغل، فأمّا فرس على الإطلاق فليس يجتمع مع حمار، فيحدث عنهما بغل.
الاشتراك والاختلاف بين الفصل والخاصّة اشتراكين واختلافين
(١٢) ويعمّ الفصل والخاصّة أنّ الأشياء التي تشترك فيهما تشترك بالسويّة، فإنّ الناطقين ناطقون بالسويّة، والضحّاكين ضحّاكون بالسويّة.
ويعمّهما أيضاً أنّهما يوجدان للشيء دائماً، ولجميعه. ذلك أنّ ذا الرجلين، وإن عدم رجليه، فقد يوصف بأنّه ذو رجلين دائماً، من قبل أنّه مطبوع على ذلك. ذلك لأنّ الضحّاك أيضاً إنّما يوصف بأنّه ضحّاك أبداً من قبل أنّه مفطور على ذلك، لا من قبل أنّه يضحك أبداً.
(١٣) ويخصّ الفصل أنّه يقال على أنواع كثيرة في أكثر الأمر، بمنزلة الناطق؛ فإنّه يقال على الملك، وعلى الإنسان؛ والخاصّة إنّما تقال على نوع واحد، وهو النوع الذي هي له خاصّة.
والفصل يتبع أبداً تلك الأشياء التي هو لها فصل؛ إلّا أنّه لا ينعكس. فأمّا الخواصّ فإنّها تكافئ في الحمل الأشياء التي هي لها خواصّ، من قبل أنّها تنعكس عليها.
الاشتراك والاختلاف بين الفصل والعرض اشتراك واحد وثلاثة اختلافات
(١٤) ويعمّ الفصل والأعراض غير المفارقة أنّهما يوجدان فيه دائماً، وجميعه. وذلك أنّ ذا الرجلين يوجد دائماً للغربان، وعلى ذلك المثال يوجد لها السواد.
(١٥) ويختلفان في أنّ الفصل يحوي ولا يحوى، وذلك أنّ الناطق يحوي الإنسان؛ فأمّا الأعراض فإنّها من وجه تحوي من قبل أنّها في كثيرين، ومن وجه تحوى، أعني من قبل أنّ الموضوعات ليست قابلة لعرض واحد، بل لأعراض كثيرة
والفصل فلا يقبل الزيادة والنقصان، والأعراض تقبل الزيادة والنقصان. والفصول المتضادّة فغير مختلطة، والأعراض المتضادّة قد تختلط.
فهذه هي الأشياء التي تعمّ الفصل وسائر الباقية، وتخصّها.
إنّه يخبرنا ويفيدنا بهذا القول ما بقي أن يعرّفنا من الاشتراكات والاختلافات
فأمّا النوع فقد وصفنا بماذا يخالف الفصل والجنس، حيث وصفنا بماذا يخالف الجنس الباقية، وبماذا يخالفها الفصل.
(١٦) ويعمّ النوع والخاصّة أنّ أحدهما يكافئ الآخر في الحمل؛ وذلك أنّ الإنسان إذا كان موجوداً، فالضاحك موجود، والضاحك إذا كان موجوداً، فالإنسان موجود. والضاحك، فقد وصفنا غير مرّة أنّه ينبغي أن يستعمل على أنّه بالقوّة؛ [ويعمّهما أنّهما يشتركان في موضوعاتهما بالسويّة]. والأنواع فتوجد دائماً للأشياء التي تشترك فيها، وكذلك توجد الخواصّ للأشياء التي هي لها خواصّ.
(١٧) ويخالف النوع الخاصّة في أنّ النوع يمكن أن يكون جنساً لآخرين، والخاصّة فليس يمكن أن تكون خاصّة لآخرين. والنوع يتقدّم وجوده وجود الخاصّة، والخاصّة يتبع وجودها وجود النوع؛ وذلك أنّه ينبغي أن يوجد الإنسان، ثمّ يكون ضاحكاً. وأيضاً فإنّ النوع يوجد للموضوع دائماً بالفعل، والخاصّة إنّما توجد في بعض الأوقات وبالقوّة؛ فإنّ سقراط أبداً إنسان وبالفعل، وليس يضحك أبداً بالفعل، وإن كان ضاحكاً أبداً بالقوّة. وأيضاً فإنّ الأشياء التي حدودها مختلفة، فهي مختلفة.
وحدّ النوع: هو المرتّب تحت الجنس، والمحمول على كثيرين مختلفين بالعدد من طريق ما الشيء، وما أشبه ذلك. وحدّ الخاصّة أنّها التي توجد للشيء وحده، ولجميعه، ودائماً.
(١٨) ويعمّ النوع والعرض أنّهما يحملان على كثيرين. وما يعمّهما فيسير جدّاً، وذلك لكثرة التباعد بين العرض والشيء الذي يعرض له.
(١٩) ويخصّ كلّ واحد منهما أنّ النوع يحمل على ما هو له نوع من طريق ما هو ويخصّ العرض أنّه يحمل من طريق أيّ شيء أو كيف هو. وأنّ كلّ واحد من الجواهر إنّما له نوع واحد، وله أعراض كثيرة مفارقة وغير مفارقة. وأنّ الأنواع تقع في الوهم قبل الأعراض، وإن كانت غير مفارقة؛ وذلك أنّه ينبغي أن يوجد الموضوع حتّى يعرض له شيء من الأشياء. فأمّا الأعراض فحدوثها بعد الأنواع، وطبيعتها دخيلة. والاشتراك في النوع بالسويّة، والاشتراك في العرض ليس بالسويّة، وإن كان غير مفارق. وذلك أنّه قد يكون لون زنجيّ أكثر أو أقلّ من لون زنجيّ في السواد.
وقد بقي علينا أن نصف أمر الخاصّة والعرض؛ وذلك أنّا قد وصفنا بماذا تخالف الخاصّة النوع والفصل والجنس.
(٢٠) فالشيء الذي يعمّ الخاصّة والعرض غير المفارق، أنّ من دونها ليس يمكن أن توجد تلك الاشياء التي يوجدان فيها؛ وذلك أنّه كما أنّ الإنسان لا يوجد دون الضاحك، كذلك لا يمكن أن يوجد الزنجيّ من دون السواد. وكما أنّ الخاصّة توجد للشيء كلّه، ودائماً، كذلك العرض غير المفارق.
(٢١) ويختلفان في أنّ الخاصّة توجد للنوع وحده فقط، كالضاحك للإنسان؛ والعرض غير المفارق كأنّك قلت: السواد، فليس يوجد للزنجيّ وحده، بل قد يوجد أيضاً للغراب، والفحمة، والأبنوس، ولأشياء غير متنفّسة. وذلك أنّ الخاصّة قد تكافئ في الحمل الشيء الذي توجد له. ولمّا كانت الخاصّة لنوع واحد ولجميعه، صارت تنعكس وتحمل بالسويّة. والاشتراك في الخواصّ بالسويّة؛ فأمّا الاشتراك في الأعراض، فقد يكون بالأكثر والأقلّ.
وقد توجد لها أشياء أخر تعمّها وتخصّها، غير التي وصفنا؛ ولكن هذه كافية في التمييز بينها، والوقوف على اشتراكها.
تمّ مدخل فرفريوس الموسوم بإيساغوجي، نقل أبي عثمان الدمشقيّ.
قوبل به نسخة مقروءة على يحيى بن عديّ فكان موافقاً.