Proclus Diadochus: Quaestiones naturales (Natural Questions)

Work

Proclus Diadochus, Quaestiones naturales (Masāʾil Fruqlīs fī l-ašyāʾ al-ṭabīʿīya)
English: Natural Questions

Text information

Type: Translation (Arabic)
Translator: Isḥāq ibn Ḥunayn
Translated from: Syriac
Date: between 865 and 910

Source

ʿAbd al-Raḥmān Badawī. Quaestiones Naturales. Dirāsāt islāmīyah 19. Cairo (Maktabat al-nahḍah al-miṣrīyah) 1955, 43-49

Download

procl_quaestionesnaturales-transl-ar1.xml [20.79 KB]

بسم اللّه الرحمن الرحيم ربّ أعن

مسائل فرقليس في الأشياء الطبيعيّة، نقلها إسحاق بن حنين

(١) المسألة الأولى: قال: ما الدليل على أنّ الحرارة والبرودة هما القوّتان الفاعلتان، والرطوبة واليبوسة هما القوّتان المفعول بهما؟ — فنقول: إنّا إذا وضعنا أيدينا على جسم حارّ يؤلمنا حرّه، وكذلك إذا وضعنا أيدينا على جسم بارد آذانا برده. وأمّا الجسم اليابس المفرط اليبس إذا وضعنا أيدينا عليه لم يؤلمنا، وذلك كحجر إذا وضعنا أيدينا عليه لم يؤلمنا يبسه كما يؤلمنا حرارة النار وبرودة الثلج. وكذلك الشيء النديّ الرطب إذا نحن وضعنا أيدينا عليه لم يؤثّر فينا كأثر الحرّ والبرد. فإن قال قائل: ما بال العفص قد يخشّن اليد ويقبضها؟ فنقول إنّه إنّما يفعل ذلك فينا ويقوى لمكان البرد، ولولا ذلك لم يظهر منه هذا الفعل. ونقول أيضاً قولاً آخر: إنّ الأشياء كلّها لو كانت فاعلة، كيف كان يحدث منها شيء؟ لأنّ الفاعل إنّما يستوجب أن يكون فاعلاً لمكان المفعول. ولو كان جميع الأشياء مفعولة، فمن أين حدثت أشكال الحيوان وهيئتها؟ كما أنّ البيت لا يكون إلّا بفاعل — الذي هو البنّاء، ولمفعول — الذي هو الحجر والكلس، كذلك لا تكون الأشياء إلّا من فاعل ومفعول؛ وليس يمكن أن يكون مع الفاعل والمفعول ثالث.

(٢) المسألة الثانية: ما بال الماء والنار إذا هما تلاقيا تنافرا وتضادّا، والهواء والأرض قد يماسّ أحدهما صاحبه ولا يتنافران بينهما ولا يتضادّان إذ هما متضادّان، وذلك أنّ الهواء حارّ رطب والأرض باردة يابسة؟ — فنقول: إنّ النار إذا لاقت الماء أو ماسّته نافرته منافرة شديدة؛ ولا يخلو إمّا أن يقهرها وإمّا أن تقهره. وأمّا الهواء والأرض وإن اختلفا وتضادّا،

فإنّهما لا يتنافران لأنّ الحرارة التي في النار قوّة فاعلة والبرد في الماء قوّة فاعلة أيضاً، واليبس في النار قوّة مفعولة، والرطوبة في الماء قوّة مفعولة أيضاً. فإذا لاقت الماء النار نافرت النار الماء لقوّة الحرارة الفاعلة فيهما، ولأنّ القوّتين الفاعلتين أعني الحرارة والبرودة أقوى في النار والماء من القوّة بين المنفعلتين، أعني الرطوبة واليبس التي في النار والماء، لذلك كانت منافرتهما ومضادّتهما شديدة، ولأنّ في الهواء والأرض القوّتين المفعولتين أكثر من القوّتين الفاعلتين أعني الحرّ والبرد، لذلك لم تكن منافرتهما كمنافرة النار والماء اللذين فيهما القوّتان الفاعلتان أغلب. ونقول أيضاً إنّ الهواء والأرض قد يتضادّان لمكان ما فيهما من القوّتين الفاعلتين أعني الحرّ والبرد، ولكن لأنّ هاتين القوّتين اللتين في الهواء والأرض ليستا بكثيرتين لذلك لم تظهر منافرتهما كمنافرة النار والماء. وقد يتنافر الهواء والأرض والأرض والهواء إذا حرّكهما محرّك من خارج فأضاف قوّة فعله إلى فعلهما، فإذا أضاف قوّة الفاعل الذي في الهواء والأرض تنازعا وتضادّا. وذلك لأنّ الهواء إذا دفعه دافع سمع له صوت وأزال الحجر. وكذلك الحجر إذا وقع في الهواء أثّر في الهواء فعلاً قويّاً وهرب كلّ واحد منهما من صاحبه.

(٣) المسألة الثالثة: ما بال الدغدغة إنّما تكون في الإبطين وتحت القدم؟ ولم يضحك الإنسان إذا دغدغ؟ — نقول: إنّ الدغدغة ليست في جميع الأعضاء، وإنّما تكون في المواضع الرقيقة العادمة اللحم الكثيرة العصب الحاسّ. فإذا مسّت اليد الجلد الحاسّ ضغطت العصب الحاسّ. فإذا ضغطت الأعضاء الحاسّة فكثر حسّها نمّ على الدغدغة. وقد يكون في الدغدغة لذّة ووجع: وقد تكون اللذّة لنفي اليد الفضول من الموضع بحركة الدغدغة، والحرارة المتولّدة من الدغدغة. وقد يكون الوجع لكثرة الحسّ بضغط اليد.

فاللذّة تهيج الضحك، ولكثرة الحسّ والضغط يألم الموضع وييجع. وإن كثرت الدغدغة وكثر التحليل، كثرت الحرارة وهاجت، وإذا كثرت الحرارة أهاجت الغضب، فيكون الغضب مكان الضحك لكثرة الدغدغة. وإنّ المواضع اللحميّة وما أشبهها لا تكون فيها الدغدغة لغلظ الجلد وكثرة اللحم وقلّة الحسّ.

(٤) المسألة الرابعة: كيف يكون النوم؟ ولم احتاجت الطبيعة إلى النوم؟ — نقول إنّ الإنسان مرغم عليه، والعلّة في ذلك أنّ الإنسان دائم الفكر، وحواسّه أيضاً دائمة الفعل، والحواسّ والفكر إنّما في الدماغ، فلذلك صار الدماغ أكثر تعباً من سائر الحيوان، ولكثرة التعب تحلّلت الرطوبة التي في الدماغ أكثر من تحلّلها من سائر الحيوان ولكثرة تحلّلها يجفّ الدماغ. فإذا جفّ الدماغ وتعب، احتاج إلى الراحة والترطيب، فاحتالت الطبيعة بالنوم للراحة والترطيب، وذلك لأنّ النوم هو سكون الحواسّ، وإذا سكنت الحواسّ استراحت ورطبت. والدليل على ذلك أنّا إذا عدمنا النوم احتجنا الرطوبة واستعملنا الأشياء الرطبة لتنيمنا، وإنّ الدماغ قد يحسّ بألم السهر وبلذّة النوم. فلهذه العلّة ولهذا السبب احتاجت طبيعة الإنسان النوم.

وأمّا كيف يكون فإنّا نقول: إنّ الأشياء الكائنة إنّما تكون بأربع جهات: بالفاعل والمفعول والأداة — كالقدوم والمنشار وغيرهما من الأشياء التي يستعين بهما النجّار فيما يعمل : كالباب والكرسيّ — والتمام؛ فكذلك أيضاً النوم يكون على هذه الجهات: فالفاعل النوم الطبيعة فينا، والمادّة أعني العنصر الذي يكون منه النوم 〈هو〉 الرطوبة المعتدلة التي في البدن ولذلك قلت معتدلة لأنّها إن تكن معتدلة لم يكن منها النوم، والأداة التي بها تعمل الطبيعة النوم الحرارة الغريزيّة التي فينا التي بها تصعد الرطوبة؛ فإذا صعدت هذه إلى الدماغ أنامت والنوم هو التمام والكمال. فالنوم إذا كان معتدلاً 〈كان〉 لذيذاً، وإذا كان غير

معتدل كان مؤلماً. فإذا نام الإنسان غابت الحواسّ التي داخل فذهبت وسكنت ويسكن البدن كلّه. فإن قال 〈قائل〉 إنّ البهائم أيضاً قد تنام — قلنا: إنّ نومها أقلّ من نوم الإنسان.

(٥) المسألة الخامسة: ما بال الإنسان، إذ هو مركّب من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبس، صار بعض جوهر الإنسان ذكراً وبعضه أنثى؟ — نقول إنّه وإن كان جميع جوهر الإنسان مركّباً من هذه الأخلاط الأربعة العناصر أعني الدم والمرّتين والبلغم، فإنّما يكون الإنسان باعتدالهما ولكن قد تختلف جواهر المذكورة، فللاختلاف كان الذكر والأنثى. فإذا غلبت الحرارة على جوهر الإنسان حدث العضو الناتئ، أعني الذكر إلى خارج، وذلك لأنّ من جوهريّة الحرارة دفع الأشياء إلى خارج فيخرج الذكر ويظهر وينتؤ إلى خارج. وإذا غلب البرد جمع العضو وجذبه إلى داخل فتصير الأنثى. والدليل على أنّ الرجل أحرّ من المرأة كثرة حركته وخشونة جلده وصلابة أعضائه. والمرأة على خلاف ذلك. فإن غلب على طبيعة المرأة الحرارة يصير مزاجها في الشعر والخشونة والعضو الناتئ كالضرب الذي يسمّى الخنثى. وقد يستدلّ من هذه الجهة على أنّ الحرارة هي الفاعلة لهذة الصفة.

(٦) المسألة السادسة: ما بال الشعر ينبت على رأس الرجل والمرأة جميعاً وقد يولدان على هذه الصفة، وما بالنا لا نجد الشعر على جميع البدن إلّا إذا انتهى الإنسان إلى قامة الشباب؟ وما بال اللحية لا تكون للنساء والصبيان لكن للرجال؟ وما بال صوت الرجل غليظ جهير، وصوت النساء والصبيان والخصيان رقيق ضعيف؟ فنقول إنّ 〈الشعر〉 ينبت للرجال والنساء على رؤسهم ويولدون جميعاً على هذه الصفة لأنّ الحرارة من جوهرها العلوّ والسموّ إلى فوق. فإذا غلبت، رفعت معها الرطوبة إلى أعلى المواضع كالقدر التي إذا غلى ما فيها من الماء ارتفعت الرطوبة كلّها إلى غطاء القدر. فإذا اجتمعت هذه الرطوبة

الصاعدة بالحرارة إلى الرأس كان الشعر منها وكالأرض الندية إذا حميت الشمس أنبتت عشباً كذلك فالحرارة 〈التي〉 فينا تنبت الشعر ولذلك صار الشعر يظهر في الرأس لاستقامة قامة الإنسان. 〈ولو〉 كان الإنسان كذوات الأربع القوائم لظهر في يديه كلّه من الشعر 〈كما〉 يظهر في ذوات الأربع قوائم لانتشار الحرارة في جميع البدن؛ فلمّا صار الإنسان مستوي القامة، والحرارة من جوهرها الصعود إلى فوق، عملت في الموضع الذي انتهت إليه وهو الرأس فأنبت الشعر. وأمّا الأطفال فكذلك لا ينبت على أجسادهم الشعر حتّى ينتهوا إلى قامة الشباب، لأنّ الأطفال رطوبتهم غالبة وحرارتهم ليست بحارّة حرّيفة كحدّة حرارة الشباب، فلذلك صار شعورهم زغباً ليّناً ضعيفاً. فكلّما انتقضت الرطوبة من أبدانهم وغلبت عليهم الحرارة الحادّة والحرّيفة، أظهرت الشعر وأنبتته كالأرض الرطبة جدّاً لا تنبت عشباً، كذلك أبدان الأطفال لا تنبت الشعر؛ وكالأرض الجافّة جدّاً لا تنبت عشباً بل يجفّ ما فيها من العشب، كذلك أبدان المشيخة لكثرة يبسها وقلّة غذائها يتساقط ما فيها من الشعر؛ 〈وليس〉 كذلك أبدان الشباب. وأوّل ما ينبت الشعر في الإبطين والعانة لسخافة هذين الموضعين. ثمّ كلّما انتشرت الحرارة في البدن كلّه أنبتت الشعر في البدن كلّه.

وقد تكون اللحية للرجال ولا تكون للنساء والصبيان والخصيان لهذة العلّة، لأنّ قامة الصبيان الرطوبة غالبة عليها كالذي ذكرنا وحرارتهم ليست حرّيفة حادّة، وكذلك أيضاً أبدان النساء وأبدان الخصيان ملائمة بعضها بعضاً وإن قد تختلف بالكثرة والقلّة. فإذا سخن البدن وعمل في الرطوبة التي في البدن ارتفع البخار إلى الجنبين فنبت الشعر. ولذا النساء والخصيان قد عدموا اللحية. وإذا قلّت الحرارة لم تكن أن تثور في جميع المواضع. وقد تثور في النساء عند العانة لحرارة الحيضة واجتماعها لاجتماع الدم في ذلك الموضع. فإذا

اجتمعت الحرارة في ذلك الموضع لاجتماع دم الحيضة، أنبت الشعر في العانة. والخصيان عدموا ذلك لأنّ الحرارة لا تجتمع بهم في هذا الموضع كاجتماعها في النساء عند وقت الحيضة. وقد تظهر السبلة أوّلاً لكثرة بخاره وقد يظهر الصدغ لسخافة موضعه ورطوبته. فكلّما انتشرت الحرارة أنبتت الشعر حتّى تتمّ اللحية.

وأمّا أصوات الرجال فإنّها صارت جهيرة وأصوات النساء والخصيان رقيقة — فنقول إنّ ذلك لخصلتين: الأولى أنّ الحرارة لمّا غلبت على المزاج وسّعت الحنجرة، ولأنّ الحرارة غلبت على مزاج الرجال احتاجوا إلى إدخال الهواء إلى أجوافهم في النفس أكثر من النساء وسائر الأبدان الباردة. فلمّا صارت الحنجرة واسعة، كثر دخول الهواء فيها إلى ما هو مادّة وعنصر الصوت 〈ولذلك〉 غلظ الصوت وصار جهيراً. وكما في المزمار الواسع 〈إذا نفخ نفخاً〉 شديداً: يسمع صوتاً شديداً لا تساع المزمار وكثرة الهواء الداخل فيه، فكذلك حنجرة الرجال أيضاً. وأمّا الصبيان والخصيان والنساء فلأنّهم عدموا هذه العلل صارت أصواتهم ضعيفة.

(٧) المسألة السابعة: ما بال الرجال إذا خصوا لم تنبت لهم لحية وعدموا الشعر في أبدانهم؟ — فنقول: إنّ الحرارة قد تجتمع عند العانة لمكان أعضاء المنيّ. وأيضاً لأنّ هذا الموضع قويّ وأيضاً حدّة البول وحرافته تلهب هذه المواضع. وأيضاً هذا الموضع أعني العانة قد تدبّره الأعضاء، كالشيء المدبّر، أعني الفخذ وغير ذلك. ولهذه الخصال كلّها اجتمعت الحرارة في هذا الموضع. ولأنّ الأعضاء محيطة بما ضبطها وأمسكها، فلمّا اجتمعت في هذا الموضع وضبطت أنبتت الشعر. فإذا أنعظت المذاكير تفرّقت أعضاء المنيّ وتفرّقت الحرارة لتفرّقها

وانقطعت مجاري المنيّ فيبرد هذا الموضع لهذه العلل لتفرّق الحرارة وأنّها عدمت المنيّ الذي كان يستحقّ هذا الموضع. فإذا عدمت الحرارة صارت كأبدان الصبيان ليّنة قليلة الشعر.

المسألة الثامنة: ما بال الشعر في الحاجب والأشفار؟ — فنقول: إنّ الرطوبة التي في الدماغ قد تنحدر إلى الحاجب والأشفار. وهذه المواضع، لأنّ موضعها موضع منعطف مجوّف، تقبل الرطوبة؛ فحركة العين تسخن تلك الرطوبة بالحرارة المتولّدة من حركة العين 〈ولذا〉 أنبت الشعر. ولذلك احتجنا إلى الأجفان والحاجب لنقي بهما العين من الآفات والعاهات 〈الناشئة〉 من الغبار أو القذر.

كيف الحلاوة والحموضة والمرارة والحرافة ... ... ...