ps-Plutarch: Placita philosophorum (On the Opinions of the Philosophers)
Work
ps-Plutarch, Placita philosophorum
(Περὶ τῶν ἀρεσκόντων τοῖς φιλοσόφοις)
English: On the Opinions of the Philosophers
Text information
Type: Translation (Arabic)
Translator: Qusṭā ibn Lūqā
Translated from: n/a
Date:
between 850 and 912
Source
ʿAbd al-Raḥmān Badawī. Arisṭūṭālīs fi l-nafs. "al-Ārāʾ al-ṭabīʿīyah" al-mansūb ilā Flūṭarḫas. "al-Ḥāss wa-l-maḥsūs" li-Ibn Rušd. "al-Nabāt" al-mansūb ilā Arisṭūṭālīs. Dirāsāt islāmīyah 16. Cairo (Maktabat al-nahḍah al-miṣrīyah) 1954, 91-188
Download
psplut_placita-transl-ar1.xml [201.90 KB]
بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين
هذا كتاب فلوطرخس فى الآراء الطبيعية التى ترضى بها الفلاسفة وهى خمس مقالات:
المقالة الأولى — ثلاثون باباً: ا. ما الطبيعة؟ ب. ما الفصل بين المبدأ والاسطقس؟ ج. فى المبادئ. د. كيف كان قوام العالم؟ ه. هل الكل واحد؟ و. كيف وقع فى أفكار الناس وجدان الله؟ ز. ما الإله؟ ح. فى القوة العالية التى يسميها اليونانيون ذامريس واراس. ط. فى العنصر. ى. فى الصورة يا. فى العلل. يب. فى الأجسام. يجـ. فى أصغر الأشياء. يد. فى الأشكال. يه. فى الألوان. يو. فى تجزئة الأجسام. يز. فى الاجتماع والامتزاج. يح. فى الخلاء. يط. فى المكان. ك. فى الفضاء. كا. فى الزمان. كب. فى جوهر الزمان. كجـ. فى الحركة. كد. فى الكون والفساد. كه. فى الضرورة. كو. فى جوهر الصورة. كز. فى البخت. كح. فى جوهر البخت. كط. فى الاتفاق. ل. فى الطبيعة.
المقالة الثانية — أحد وثلاثون باباً: ا. فى العالم. ب. فى شكل العالم. جـ. هل العالم ذو نفس، وهل هو مدبر بالسياسة؟ د. هل العالم غير فاسد؟ ه. من أى الأشياء يغتذى العالم؟ و. من أى اسطقس أول ابتدأ الله جل وعز خلق العالم؟ ز. فى ترتيب العالم. ح. ما العلة التى صار العالم لها مائلا؟ ط. هل خارج 〈العالم〉 خلاء؟ ى. ما اليمين والشمال من العالم؟ يآ. فى جوهر السماء. يب. فى قسمة السماء. يجـ. ما جوهر الكواكب؟ يد. فى أشكال الكواكب. يه. فى مراتب
الكواكب. يو. فى حركة الكواكب الانتقالية. يز. من أين تستبين الكواكب. يح. فى التى تسمى ديسقروا يط. فى أنواء الفصول. ك. فى جوهر الشمس. كا. فى عظم الشمس. كب. فى شكل الشمس. كجـ. فى انقلاب الشمس. كد. فى كسوف الشمس. كه. فى جوهر القمر. كو. فى مقدار القمر. كز. فى شكل القمر واستنارته. كح. فى كسوف القمر. كط. فى رؤية القمر ولم 〈يرى〉 ارضيا. ل. فى أبعاد القمر. لا. فى السنين، وكم زمان كل واحد من الكواكب المتحيرة.
المقالة الثالثة — ثمانية عشر باباً: آ. فى الفلك النير. ب. فى الكواكب ذوات الأذناب حـ. فى البرق والرعد والصواعق والتى تسمى فريسطر والتى تسمى طوفن. د. فى السحاب والأمطار والثلج والبرد. ه. فى قوس قزح. و. فيما يعرض فى الضياء الذى يسمى قصاب. ز. فى الرياح.
ح. فى الشتاء والصيف ط. فى الأرض. ى. فى شكل الأرض. يا. فى وضع الأرض. يب. فى ميل الأرض. يج. فى حركة الأرض. يد. فى قسمة الأرض. يه. فى الزلازل. يو. فى البحر كيف كان قوامه وكيف صار مراً. يز. كيف يكون المد والجزر. يح. كيف تكون الهالة.
المقالة الرابعة — ثلاثة وعشرون باباً: آ. فى زيادة النيل. ب. حد النفس. جـ. هل النفس جسم؟ وما جوهرها؟ د. فى أجزاء النفس ه. فى الجزء الرئيسى من أجزاء النفس. و. فى حركة النفس. ز. فى بقاء النفس. ح. فى الحواس والمحسوسات. ط. هل الحواس والتخيلات حق؟ ى. كم الحواس؟ يا. كيف تكون الحواس والفكر والنطق الفكرى. يب. ما الفصل بين التخيل والمخيل. يجـ. كيف يبصر البصر. يد. فى التماثيل التى تبصر فى المرايا. يه. هل الظلمة مبصرة. يو. فى السمع. يز. فى الشم. يح. فى الذوق. يط. فى الصوت. ك. هل الصوت جسم؟ وكيف يكون الصدى؟ كا. كيف تحس النفس، وما جوهرها الرئيسى؟ كب. فى التنفس. كجـ. فى الأعراض الجسمانية وهل تعلم النفس بها.
المقالة الخامسة — ثلاثون باباً: آ. فى الكهانة ب. كيف تكون الرؤيا. حـ. ما جوهر المنى؟ د. هل المنى جسم؟ ه. هل ينبعث من الإناث منى؟ و. كيف يكون الحبل؟ ز. وكيف يولد الذكر والأنثى؟ ح. كيف يكون الممسوخون. ط. لماذا لا تحبل المرأة على كثرة الغشيان. ى. كيف يكون التوأمان
والثلاثة. يا. كيف تكون المشابهة بالآباء والأجداد. يب. كيف صار كثير من المولودين يشبهون قوماً آخرين ولا يشبهون آباءهم. يجـ. كيف تكون النساء عقراً والرجال عقماً. يد. لماذا صارت البغال عقراً. يه. هل الجنين حيوان. يو. كيف تغتذى الأجنة. يز. ما أول ما يخلق فى البطن. يح. لماذا صار المولودون لسبعة أشهر يتربون وثمانية أشهر لا يتربون. يط. فى كون الحيوانات وفسادها ك. فى أجناس الحيوان، وهل هى كلها حساسة ناطقة. كا. فى كم من الزمان تتصور الحيوانات إذا كانت فى البطن. كب. من أى الاسطقسات كل واحد من الأجزاء الجنسية التى فينا. كج. كيف يبتدئ الإنسان بالكمال. كد. كيف يكون النوم وهل هو [موت] للنفس والبدن. كه. هل النوم موت للنفس أو للبدن. كو. كيف يربى النبات وهل هو حيوان. كز. فى الغذاء والنماء. كح. كيف تكون الشهوات واللذات فى الحيوانات. كط. كيف تكون الحمى وهل هى توليد. ل. فى الصحة والمرض والشيخوخة.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال: ١ — لما كنا مزمعين على أن نشرح المعانى الطبيعية، رأينا أنه يجب اضطراراً أن نقدم أولاً قسمة صناعة الفلسفة ليعلم أى جزء من أجزائها هو العلم الطبيعى وكم مقدار صلتها. فنقول ٢ — 〈الرواقيون〉 قالوا فى الفلسفة إنها العلم بالأمور الإلهية والانسانية وإن العلم هو المعرفة الفاضلة وهى ثلاث: طبيعى، وخلقى، ومنطقى. ٣ — فالطبيعى هو الذى يبحث عن العالم، والخلقى هو الذى يصرف الإنسان فى أموره، والمنطقى هو الذى يعنى بمنطق الانسان وهو الذى يسمونه الخطابة. ٤ — فأما أرسطوطاليس وثاوفرسطس، وبالجملة جميع الفلاسفة المشاؤون، فانهم قسموا الفلسفة فقالوا فيها إن الانسان الكامل يحتاج اضطراراً أن يكون ناظراً فى الموجودات، عاملا بالجميل — وقد يمكن أن نبين ذلك بما أصف. أقول: إن طالباً لو طلب أن يعلم هل الشمس أعظم من المقدار الذى يراها فيه: فاذا طلب هذا المعنى كان نظرياً، لأنه يطلب شيئاً غير النظر فى هذا الموجود. وكذلك إذا طلب أن يعلم هل العالم غير متناه، وهل خارج العالم شئ ما من الحيوان والنبات. فهذه المطالب كلها نظرية. ٥ — فاذا طلب الطالب كيف ينبغى أن يكون تصرفه وسيرته، وكيف ينبغى أن تكون الرياسة، وكيف ينبغى أن يكون وضع النواميس، كانت هذه المطالب كلها لما يعمل به. ويكون المطالب لها عملياً
(١) ما الطبيعة: ١ — من أجل أن غرضنا النظر فى الأشياء الطبيعية، رأيت أنه يجب اضطراراً أن 〈تخبر أولاً ما الطبيعة، لأنه لا معنى للخوض فى الأمور الطبيعية〉 [الأخير ما الطبيعة] من غير أن نعلم ما الطبيعة وما قوتها ٢ — فأقول إن الطبيعة على رأى أرسطاطاليس مبدأ الحركة والسكون فيما ذلك فيه على الأمر الأول لا بعرض. فان كل المبصرات التى لم تكن باتفاق، ولا بالضرورة، ولم تكن إلاهية، ولم تكن لها علة — مثل هذه يقال إنها طبيعية، وإن لها طبيعة خصتها: مثل الأرض، والماء، والنار، والهواء، والنبات، والحيوان، وكذلك ما يكون فى الجو مثل: المطر، والبرد، والرعد، والصواعق، والرياح. ٣ — فان هذه كلها طبيعية، ولها مبدأ ما، إذ كل واحد منها لم يكن مبدأ الدهر، لكن كان له مبدأ ما. وكذلك الحيوان والنبات لها مبدأ فى الكون. والطبيعة هى المبدأ الأول لكونها. وهى مبدأ للحركة؛ وليس للحركة فقط، لكن للسكون أيضاً. فان كل ما لزمته الحركة، فقد يمكن أن يكون لحركته نهاية؛ ولذلك صارت الطبيعة مبدأ الحركة والسكون.
(٢) ما الفصل بين المبدأ والاسطقس: ١ — أما شيعة أرسطاطاليس وفلاطن فانهم يرون أن بين المبدأ والأسطقس فصلا. وأما ثاليس الذى من أهل ملطيه فانه يرى أن المبدأ والأسطقس شىء واحد. والفصل بينهما كبير ٢ — وذلك أن الأسطقسات 〈مركبة؛ بينما المبادئ ليست مركبة أبداً. والأسطقسات مثل〉: الأرض والماء والهواء والنار. ويسمى مبدأ ما لم يكن شىء قبله، ولا كان عن شىء غيره. وما لم يكن كذلك لم يكن مبدأ، لكن يكون المبدأ ذلك الآخر الذى عنه كان ٣ — الأرض والماء والهواء والنار، وهو الله؛ لم يكن لها شىء
قبلها عنه كانت؛ وهو أن الله خلق العنصر الذى ليس مصوراً أو الصورة التى نسميها كمالا، وعدماً. فظاهر إذن أن ثاليس قد أخطأ لما قال إن المبدأ هو الأسطقس.
(٣) فى المبادئ وما هى: ١ — أما ثاليس الملطى فانه قال إن الماء أول الموجودات. وقد يظن أن هذا الرجل أول من ابتدأ بالفلسفة، وبه سميت فرقة اليونانيين. فقد كان للفلسفة انتقال كثير، وهذا الرجل تفلسف بمصر، وصار إلى ملطية، وهو شيخ. ٢ — وهو يرى أن الكون كله من الماء، وينحل إلى الماء. ودعا〈ه〉 إلى أن توهم هذا أنه وجد مبدأ جميع الحيوان من الجوهر الرطب الذى هو المنى، فأوجب أن مبدأ جميع الأشياء من رطوبة. ٣ — ودليل ثان أيضاً أنه وجد النبات بالرطوبة يغتذى ويثمر، وإنه إن عدمت الرطوبة جفت وبطلت. ودليل ثالث أن النار نفسها، أعنى حرارة الشمس والكواكب، تغتذى ببخار المياه، وكذلك العالم بأسره. وقد يرى أمرس الشاعر هذا الرأى إذ يقول إن: «أوقا آنوس كأنه عمل مولداً للكل».
وهو العلة الفاعلة؛ والعنصر وهو المنفعل. وأن الأسطقسات أربعة. [وفرقتهم سميت إيطاليقى لأن فوثاغورس كان مقيما بايطالية لأنه انتقل من سامس التى كانت موطنه لسبب تغلب بولوقراطيس المتغلب فانه لم يرض بذلك منه].
(٤) كيف قوام العالم: ١ — إن قوام العالم فى شكله كان على هذه الجهة: لما كانت حركة الأجساد التى لا تتجزأ غير مدبرة وعلى ما يخرج من الاتفاق، وكانت حركتها حركة سريعة متصلة إلى شىء واحد، فاجتمع أجسام ما كثيرة فى موضع واحد، وصار لها أشكال ومقادير مختلفة. ٢ — ولما اجتمع بعضها إلى بعض، 〈فان ما كان منها كبيراً ثقيلا سقط إلى أسفل و〉 ما كان منها صغيراً مقوساً أملس سريع التقلب عند اجتماعها فارتفع إلى فوق. ٣ — ولما ضعفت القوة الجاذبة إلى فوق، وكانت هذه الأجسام بمبلغ من الانحدار إلى أسفل، اجتمعت إلى المواضع التى تتهيأ لها أن تقبلها. وهذه المواضع هى التى فى الجوانب المستديرة، فاستدارت جملة الأجسام، وانعطف بعضها إلى بعض، فكان من ذلك جرم السماء. ٤ — والأجرام التى لا تتجزأ لما كانت من هذه الطبيعة وكان فيها اختلاف كثير، حدث عنها طبيعة الكواكب، وذلك عند ارتفاعها إلى فوق واشتمال بعضها لبعض. وكان بخار الأجرام التى تتجزأ يفرغ الهواء ويعصره، فيحدث عنه روح بالحركة، واشتمل على الكواكب فأدارها وحفظ دورانها فى العلو على صورته. ٥ — ثم من بعد ذلك تكورت الأرض من الأجزاء التى رسبت، فصار السماء والنار والهواء من الأجزاء التى ارتفعت. ٦ — ولما اجتمع كثير فى الأرض والتف بعضها ببعض وتكاثفت بالقرع الذى ينالها من الهواء وشعاعات الكواكب انعصرت منها الأجزاء اللطيفة وتولدت عنها الطبيعة الرطبة سيالةً — انتصبت إلى المواضع المقعرات من الأرض التى يمكنها أن تحتوى على الماء وأن تصير على ثباته فيها. والماء أيضاً بثباته فيه زاد فى تقعرها وبقية المواضع التى تحتها. وعلى هذه الجهة كان كون أعظم أجزاء العالم.
(٥) هل الكل واحد: ١ — أما الرواقيون فانهم ذكروا أن العالم 〈واحد〉 وقالوا إنه الكل وقالوا إنه مجسم. ٢ — وأما أنبادقليس فانه كان يرى أن العالم واحد، إلا أن الكل ليس هو العالم وحده فقط، لكن جزء يسير من الكل، وباقى الكل عنصر معطل. ٣ — وأما أفلاطن فانه استدل على أن العالم واحد وأن الكل واحد من ثلاث جهات وهى: أنه لا يكون كاملا إن لم يشتمل على الكل؛ وأنه لا يكون متشابهاً للميل الذى له إن لم يكن واحداً، وانه لا يكون غير فاسد إن كان شىء خارج عنه. ٤ — وقد يتهيأ أن يقال لفلاطن إن العالم ليس 〈بكامل〉 وأنه لا يشتمل على الكل 〈على أنه يلاحظ من جهة أخرى أن الشىء يمكن أن يكون كاملا دون أن يشتمل على الكل: لأن الإنسان يقال عنه إنه كامل، ومع ذلك فانه لا يشتمل على الكل〉 وأن المثالات قد توجد كثيرة كالتى توجد للأصنام 〈والمنازل〉 وفق التزاويق وكيف يمكن أن يكون 〈كاملا، إذا كان〉 خارجه شىء يربطه! وليس هو غير فاسد ولا يمكن أن يكون كذلك، إذ كان مكوناً. ٥ — وأما مطرودرس فانه كان يقول إنه من المنكرات 〈أن〉 تنبت سنـ〈ـبلة〉 واحدة فى صحراء واسعة، وأن يكون عالم واحد فيها لا نهاية له. ٦ — وأما أن تكون الكثرة 〈فى العالم لا〉 نهاية لها، فذلك ظاهر، وذلك أنه 〈توجد علل لا نهاية لها؛ لأنه إذا كان العالم لا متناهياً وكانت العلل المركب منها لا نهاية لها فلا بد أن تكون ثمت كثرة من اللامتناهيات لأنه حيثما كانت العلل كلها، تكون المعلولات كلها〉 وأن كان العالم متناهياً فإن العلل هى إما الأجزاء التى لا تتجزأ، 〈أو العناصر〉.
(٦) كيف وقع فى أفكار الناس وجدان الله عز وجل: ١ — إن الرواقيين يحدون الجوهر 〈الإلهى〉 بأنه روح عقلى، نارى، ليس له صورة، وأنه يقدر أن يتصور بأى صورة أراد، ويتشبه بالكل. ٢ — ووقع ذلك فى أفكارهم: أما أولا فمن قبل جنس الظاهرات، إذ كان عندهم أنه ليس شىء من الحيوان باطلا، ولا بالاتفاق، ولكن بعلة ما صانعة له. وقد يظهر أن العالم حسن فى شكله وفى لونه وفى عظمه وفى اختلاف رتبة الكواكب. ٣ — وذلك أن شكل العالم كرى، والشكل الكرى يتقدم على جميع الأشكال، لأنه وحده تتشابه أجزاؤه وذلك أنه مستدير وأجزاءه مستديرة: ولذلك على رأى أفلاطن صار العقل الرئيسى فى الرأس. ٤ — ولون العالم أيضاً اسمانجونى وهو صقيل فى كيفيته، ولذلك يرى لونه فى الهواء على بعد مسافة. وهو أيضاً عظيم 〈فى جماله〉 جداً، وذلك أن الأشياء المتجانسة أفضلها ما كان محتوى عليها. وجمال العالم ظاهر أيضاً فيما يرى فيه من الحيوانات والنبات والأشجار وغير ذلك. ٦ — 〈ومما يزيد فى بهاء العالم ما يبدو لنا فيه〉. وأما الفلك المائل الذى فى السماء فمن البين أنه زين بصور مختلفة. فان فيه، على ما قال الشاعر: صورة السرطان، ويتلوه الأسد، وبعده الجارية البكر، ثم العقرب، والرامى بالقوس، وبعده الجدى، 〈و〉مسكب الماء، ويتلوه سمكتان لكوكبين، وبعدهما كبش، وبعده ثور، وبعد الثور توأمان
ومثل ديونسيس وذكروا أنهم فى صورة الناس، إلا أن الجواهر الإلهية أعلى وأفضل من جميع الأشياء. والإنسان أفضل جميع الحيوان لأنه مزين بالفضائل زينة كبيرة مختلفة. فرأوا أن الأجود أن يشبه من كانت له السابقة فى فضل الجزء أفضل الحيوان.
(٧) ما الاله: ١ — إن بعض الأولين مثل دياغورس الذى من أهل ملطية وثادورس الذى من قورينى واويمارس من تيجيا ينكرون وجود الآلهة
تنتهى إلى العقل؛ فهو عقل مفارق الصور، غير مخالط العنصر ألبتة، ولا مشارك شيئاً، ولا مما يقبل التأثير. ١٦ — وأما أرسطوطاليس فانه يرى أن الإله الأعلى مفارق للصور، يحوى كرة الكل، التى هى جسم أثير، وهى العنصر الخامس الذى نسميه الأعظم، وهو مقسوم بالأكر. وهذه الأكر أما بالطبع فهى متصلة متحدة، وأما بالعقل والفكر فانها منفصلة. وإن كل واحداً من هذه الأكر حى مركب من نفس وجسم؛ فالجسم منها هو الأثير. فتحركه حركة دورية. وأما النفس فانها نطق عقل غير متحرك، وهى علة الحركة بالفعل. ١٧ — وأما الرواقيون فانهم على الأمر المشترك يقولون إنه نار صناعى يسلك طريق كون العالم ويحتوى على المناسبات التى للدرع التى بها يكون كل واحد على مجرى التجسيم. وأنه روح ينفذ فى كل العالم. وكانوا ينقلون الأسماء إلى العنصر الذى ينفذ فيه. وكانوا يسمون العالم والكواكب والأثير بهذا الاسم؛ والذى هو أعلى من ذلك أجمع وهو فى الأثير كانوا يسمونه العقل. ١٨ — وأما ابيقرس فانه يرى أن الآلهة فى صورة الناس، وأنهم مبصرون بالعقل للطافة طبيعة جواهرهم. وكان يقول بأربع طبائع أخر غير قابلة للفساد فى جنسها وهى هذه: الأجزاء التى لا تتجزأ، والحلاء، وما لا نهاية له، والمتشابهات، وهى تسمى متشابهات الأجزاء وتسمى اسطقسات.
(٨) فى القوة العالية التى يسميها اليونانيون دامونن وايراون: ١ — وقد يتبع القول فى الإله القول فى الذين يسمون دامونن والذى يسمون ايراون. ٢ — فان ثاليس وفوثاغورس وفلاطن والرواقيون يقولون إن دامونن هى جواهر نفسانية، وايراون هى الأنفس المفارقة للأبدان. فالخيرة منها هى الأنفس الفاضلة، والشريرة منها هى الأنفس الرديئة. ٣ — وأما أبيقورس فانه لا يقول بشئ من هذا.
(٩) فى العنصر: ١ — العنصر هو الموضوع لأول كون وفساد وللتغييرات الأخر. ٢ — وأصحاب ثاليس وفوثاغورس والرواقيون يقولون فى العنصر إنه بأجمعه متغير مستحيل سيال متنقل. ٣ — وأما أصحاب ديمقريطس فانهم يقولون إن العنصر الأول غير قابل للتأثير وهو: التى لا تتجزأ، والخلاء، وما ليس بجسم. ٤ — وأما أرسطوطاليس وأفلاطن وأصحابهما فأنهم يقولون فى العنصر إنه مجسم، لا صورة له، ولا مثال، ولا شكل ولا هو فى 〈طبيعته توجد〉 كيفية له: فاذا قبل الصورة كان كالحاضنة والأم والطينة للأشياء. ٥ — وأما الذين يقولون فى العنصر إنه ماء، أو نار، أو أرض، أو هواء فليس يقولون إنه ليس بذى صورة، لكن يقولون إنه جسم. فأما الذين يقولون إنه ما لا جزء له، وإنه غير متجزئ فهم يوجبون أنه لا صورة له.
(١٠) فى الصورة: ١ — الصورة هى جوهر لا جسم له، وهى فى ذاتها لا قوام لها، لكنها تعطى العناصر التى لا صورة لها صوراً، وتكون علة لتصييرها مبصرة. ٢ — فأما سقراط وأفلاطن فانهما كانا يريان الصور جواهر
مفارقة للعنصر ثابتة فى الفكر فى التخييلات المنسوبة إلى الإله، أعنى العقل. ٣ — وأما أرسطوطاليس فانه كان يرى وجود الأنواع والصور، إلا إنها لم تكن عنده مفارقة للعنصر الذى عنه كان ما يحويه الإله. ٤ — وأما الرواقيون الذين من شيعة زينون فانهم كانوا يرون أن الصورة هى شىء يقع فى أفكارنا نحن وتخيلاتنا.
(١١) فى العلل: ١ — العلة هى التمام الذى يعرض منه شىء ما. ٢ — وأفلاطن يقول إن العلة تكون على ثلاثة جهات وهى: الذى به، والذى منه، والذى إليه. وأحراها بذلك: هو «الذى به»، وهو العلة التى هى العقل. ٣ — وأما فوثاغورس وأرسطاطاليس فانهما يريان 〈أن〉 العلل الأول 〈ليست بـ〉ـأجسام. وأما الذى بمشاركة أو بعرض فإنها أجسام. وعلى هذا الطريق صار العالم جسما. ٤ — وأما الرواقيون فانهم يرون أن جميع العلل جسمانية، لأنها أرواح.
(١٢) فى الاجسام: ١ — الجسم هو ذو الثلاثة أبعاد التى هى الطول والعرض والعمق. وأيضاً الجسم هو عظيم ذو ثخن فى ذاته، مدرك باللمس. وأيضاً الجسم هو ما ملأ مكاناً. ٢ — وأفلاطن يرى أن الجسم فى طبيعته إذا كان فى المكان الذى يخصه فهو لا ثقيل ولا خفيف. فأما إذا كان فى غير المكان الذى يخصه فانه يكون مائلا ما، وبهذا الميل يتحرك. ٣ — وأما أرسطو فيرى أن أثقل الأشياء الأرض بالقول المطلق، وأخفها النار. وأما الهواء والماء
فأحوالهما مختلفة. ٤ — أما الرواقيون فانهم يرون أن اثنتين من الاسطقسات الأربعة خفيفتان، وهما النار والهواء؛ واثنتين ثقيلتان، وهى الماء والأرض؛ وأن الحفيف هو الذى يرتفع على الموضع، وأن الثقيل هو الذى يميل إلى الأوسط، وأن الأوسط بنفسه لا ثقيل ولا خفيف. ٥ — وأما أفيقورس فانه كان يرى أن الأجسام 〈ليست〉 مدركة؛ وأن الأولى منها بسيطة. فأما الممتزجة من تلك الأول فان كلها 〈لها〉 ثقل؛ وأن الذى لا يتجزأ يتحرك تارة على استقامة وقيام، وتارة على ميل وانعطاف. فأما المتحركة علواً فان حركتها بدفع وارتعاش.
(١٣) فى الاصاغر: ١ — إن أنباذقليس يرى أن قبل الأسطقسات الأربعة أربعة أسطقسات أخر أصاغر، متشابهة الأجزاء 〈كلها مستديرة. ٢ — وأيراقليطوس قال بنوع من〉 أصاغر غير متجزئة فى غاية الصغر.
(١٤) فى الاشكال: ١ — الشكل هو بسيط ورسم ونهاية لجسم. ٢ — وأصحاب بوثاغورس يرون أن أشكال الأسطقسات الأربعة كرية، خلا النار العليا، وأنها فى شكلها صنوبرية.
(١٥) فى الالوان: ١ — اللون هو كيفية للجسم، مدركة بحس البصر. ٢ — وكان البوثاغوريون 〈يسمون〉 بسيط الجسم لوناً. ٣ — وأما أنباذقليس فكان يرى أن اللون هو الشىء الذى يقع على شعاعات البصر. ٤ — وأما أفلاطن فانه كان يرى أن اللون هو التهاب فى الأجسام له أجزاء مشاركة البصر. ٥ — وأما زينون الرواقى فكان يقول إن الألوان هى أول أشكال العنصر. ٦ — وشيعة بوثاغورس تقول إن أجناس الألوان: الأبيض، والأسود، والأصفر، والأحمر؛ وإن فصول الألوان تحدث عن تكاثف امتزاج الأسطقسات، وإن اختلافها فى الحيوانات على قدر اختلاف الأمكنة والهواء.
(١٦) فى تجزئة الاجسام: ١ — إن شيعة ثاليس وبوثاغورس يرون أن الأجسام قائمة الانفصال وأنها تتجزأ دائماً بلا نهاية. ٢ — وأما الذين يقولون إنها لا تتجزأ فأنهم يقولون ويوجبون للتجزئ وقوفاً، وإنه لا يكون بلا نهاية. ٣ — وأما أرسطو فانه يرى أن التجزئة: أما بالقوة فبلا نهاية، وأما بالفعل فليست بلا نهاية.
(١٧) فى الاجتماع والامتزاج: ١ — أما الأولون فأنهم كانوا يرون أن اجتماع الأسطقسات كان باستحالة. ٢ — وأما شيعة انقساغورس و〈د〉مقرطس فكانوا يرون أن ذلك على المجاورة فى الوضع. ٣ — وأما أنباذفليس فكان يرى أن امتزاج الأسطقسات من أجزاء صغار هى أصغر الأشياء، وكأنها أسطقسات للاستقصات. ٤ — وأما أفلاطن فإنه يرى أن الأجسام الثلاثة هى: النار والهواء والماء، يستحيل بعضها إلى بعض، وأن الأرض لا تستحيل إلى شىء منها، وهو يسميها أجساماً ولا يرى أن يسميها الأسطقسات.
(١٨) فى الخلاء: ١ — إن الطبيعيين جميعاً أصحاب ثاليس إلى أفلاطن، كانوا 〈لا〉 يعترفون بالخلاء. ٢ — وأما أنباذقليس فانه كان يرى أنه ليس فى العالم شىء خال ولا زائد. ٣ — وأما لوقبس ودمقرطس وديمطريس ومطرودورس وأبيقورس فانهم كانوا يرون أن التى لا تتجزأ غير متناهية فى الكثرة، وأن الخلاء غير متناه فى العظم. ٤ — وأما الرواقيون فكانوا يرون أن داخل العالم لا خلاء فيه، وأن خارج العالم خلاء لا نهاية له.
٥ — وأما أرسطو فانه يرى أن خارج العلام من الخلاء بمقدار ما تتنفس السماء إذا كانت نارية.
(١٩) فى المكان: ١ — أما أفلاطن فانه يرى أن المكان هو القابل للصور الذى نسميه على المجاز عنصراً، وهو عنده كالشىء القابل المختصر. ٢ — و〈أما〉 أرسطوطالس فانه يرى أن المكان هو نهاية المحتوى الذى يماس ما يحتوى عليه.
(٢٠) فى الفضاء: ١ — أما الرواقيون وأبيقورس فانهم يرون أن 〈بين〉 الخلاء والمكان والفضاء فصلا، وأن الخلاء هو الفراغ من جسم، وأن المكان هو المحتوى على الجسم، وأن الفضاء هو المحتوى فى جزء ما مثل خابية النبيذ.
(٢١) فى الزمان: ١ — فوثاغورس يرى أن الزمان هو الكرة المحيطة. ٢ — وأما أفلاطون فيرى أن الزمان هو مثال للدهر متحركاً 〈أو〉 فترة لحركة العالم. ٣ — وأما أرسطوطاليس فانه يرى أنه عدد حركة الفلك. ٤ — وأما اراطوستانيس فانه يرى أن الزمان هو طريق العالم.
(٢٢) فى جوهر الزمان: ١ — أفلاطون يرى أن جوهر الزمان هو حركة السماء. ٢ — أما أكثر الرواقيين فانهم يرون أن جوهر الزمان هو الحركة نفسها. وأكثرهم يرون أن الزمان لا كون له: وأما أفلاطون فانه يرى للزمان كوناً فى الوهم.
(٢٣) فى الحركة: ١ — أما فوثاغورس وأفلاطن فانهما يريان 〈أن〉 الحركة هى اختلاف وتغيير يعرض فى العنصر. ٢ — وأما أرسطوطالس فانه يرى أن الحركة تمامية المتحرك. ٣ — وأما ديمقرطس فانه يرى نوعاً واحداً من الحركة هو الحركة التى تكون تبعاً للدفع والتصادم. ٤ — وأما أبيقورس فيقول بنوعين 〈و〉 أن أحد أجناس الحركة 〈هى〉 التى تكون على الاستواء 〈والأخرى هى التى تكون〉 على الميل. ٤ — وأما أيروفليس فانه يرى أن من الحركة ما يدرك عقلا، ومنها ما يدرك حساً. ٥ — وأما أرفليطس فانه كان يبطل الوقوف والسكون من الشكل. وكان يرى أن ذلك من شأن الموات. وكان يرى أن الحركة السرمدية هى للجواهر السرمدية، وأن الحركة الزمانية للجواهر الفاسدة.
(٢٤) فى الكون والفساد: ١ — إن برمانيدس وما لسس وزينون كانوا يبلطون الكون والفساد، لأنهم كانوا يرون أن الكل غير متحرك. ٢ — وأما أنباذقليس
وأبيقرس وجماعة الذين يرون أن العالم كان باجتماع الأجسام اللطيفة فانهم يوجبون اجتماعاً وتفرقاً، لأنهم لا يوجبون كوناً وفساداً، وذلك أنهم يرون أن الكون لم يكن باستحالة بالكيفية، لكن باجتماع فى الكمية. ٣ — وأما فوثاغورس وجماعة الذين أوجبوا العنصر أنه منفعل، فأنهم أوجبوا كوناً وفساداً على الحقيقة. وذلك أنهم رأوا أن الكون إنما يكون من تغير الأسطقصات وانتقالها.
(٢٥) فى الضرورة: ١ — أما ثاليس فانه يرى أن الضرورة هى من الأشياء التى فى غاية القوة، لأنها تقوى على الكل. ٢ — وأما بوثاغورس فانه يقول إن الضرورة شىء موضوع فى العالم. ٣ — وأما برمانيدس وديمقريطس فانهما كانا يريان كل الأشياء فبالضرورة كانت، وأن الضرورة هى البخت، وهى الانتقام، وهى السياسة وهى فاعل الكل.
(٢٦) فى جوهر الضرورة: ١ — وأما أفلاطون فانه ينسب بعض الاشياء
إلى السياسة، وبعضها إلى الضرورة. ٢ — وأما أنباذقليس فانه يرى أن جوهر الضرورة علة تستعمل المبادئ والأسطقسات. ٣ — وأما ديمقرطس فانه يرى أنه الصلابة والفساد وقرع العنصر 〈٤ — وأما أفلاطن فانه يرى أن جوهر الضرورة هو مرةً العنصر، ومرة الوصلة التى بين الفاعل وبين العنصر〉.
(٢٧) فى البخت: ١ — إن ايراقليطس يرى أن الأشياء بالبخت وأن البخت هو الضرورة. ٢ — وأما أفلاطون فانه يوجب البخت فى الأمور الانسانية والسير ويدخل مع ذلك العلل التى من قبلنا. ٣ — وأما الرواقيون فانهم يوافقون أفلاطون ويقولون بعلة قاهرة غير مغلوبة. وأما البخت فانه تساتل علل مرتبة؛ وفى هذا الترتيب يدخل ما يكون من جهتنا، فيكون بعض الأشياء على مجرى البخت، وبعضها تابعاً لما يكون على مجرى البخت.
(٢٨) فى جوهر البخت: ١ — ان أيرقليطس يرى أن جوهر البخت هو النطق العقلى الذى ينفذ فى جوهر الكل وهو الجسم الأثيرى الذى هو زرع لتكوين الكل. ٢ — وأما أفلاطن فانه يرى أنه نطق عقلى سرمدى وناموس سرمدى بالطبيعة للكل. ٣ — وأما خريسبس فانه يرى أن ذلك قوة روحانية وترتيب مدبر للكل وإنما يقول فى «الحدود» إن البحث هو نطق عقلى لما فى العالم مدبراً بالسياسة، ونطق عقلى به كان ما كان وبه يكون ما يكون وبه هو ما هو. ٣ — وأما الرواقيون فانهم يقولون إنه نظام العلل، أعنى ترتيبها
وما يتبع ترتيبها. ٥ — وأما بوسيدونيوس فان يرى أنه معنى ثالث، وذلك أنه يجعل الأول زاوس، والثانى الطبيعة، والثالث البخت.
(٢٩) فى الاتفاق: ١ — أفلاطن يرى فى الاتفاق أنه علة فى المختارين يعرض باتباع. ٢ — وأما ارسطوطاليس فيرى أنه علة تعرض خفية لاثبات لها، تعرض فى الأشياء التى تكون بالبخت لسبب ما. ٣ — وبين الشىء الذى يكون باتفاق، والشىء الذى يكون من ذاته — فصل، وذلك أن الشىء الذى يكون باتفاق 〈إنما يقع فى الأفعال وحدها〉 وقد يكون بذاته؛ 〈أما ما يكون بذاته〉 فانه لا يكون بالاتفاق، وذلك أنه خارج عن الأفعال. والاتفاق يكون فى الحيوان الناطق 〈لا فى〉 الحيوان غير الناطق 〈أو〉 فيما لا نفس له. وأما ما يكون من ذاته فان كونه فى الحيوان الذى ليس بناطق وفى الأجسام التى لا نفس لها. ٤ — وأما أبيقورس فيرى أن الاتفاق علة لاثبات 〈لها〉 لا فى الوجه ولا فى الزمان ولا فى المكان. ٥ — وأما أنكساغورس والرواقيون فانهم يقولون فى الاتفاق إنه علة غير معروفة عند الأفكار [و]الانسانية؛ وذلك أن المكونات منها ما هو بالضرورة، ومنها ما هو بالبخت، ومنها ما هو باختيار، ومنها ما هو بالاتفاق، ومنها ما بذاته فقط.
(٣٠) فى الطبيعة: ١ — أما أنباذقليس فانه لا يقول بطبيعة ألبتة، لكنه يرى أن الكون بالاجتماع والافتراق، وذلك أنه فى كتابه الموسوم بالأول من «الطبيعيات» 〈أورد〉 هذا القول بهذا اللفظ، وأما قوله نصاً فهو هذا: «إنه ليس لشىء من الموات طبيعة، ولا نهاية للموت المكروه، ولكن اختلاط فقط وابتدال الأشياء المختلفة؛ وهذا هو المسمى عند الناس طبيعة». ٢ — وأما أنقساغورس فانه يوافق أنباذقليس فى هذا الباب ويرى فى الطبيعة أنها امتزاج، يعنى كوناً وفساداً.
][تمت المقالة الأولى][
بسم الله الرحمن الرحيم
المقالة الثانية من كتاب فولوطرخس فيما برضاه الفلاسفة من 〈الآراء الطبيعية〉
إنى لما أتممت القول فى المبادئ والاسطقسات وما يتبعها، انتقلت إلى ما كون عنها وجعلت 〈ابتدائى〉 من الشىء المحدق الذى هو فى غاية السمو.
(١) فى العالم: ١ — إن بوثاغورس أول من سمى الشىء المحيط 〈بالكل〉 عالماً، ومعناه فى لغة اليونانيين رتبة، وسماه بهذا الاسم لما فيه من الترتيب. ٢ — فأما ثاليس وشيعته فانهم يرون أن العالم 〈واحد فقط. ٣ — وأما ديمقريطس وأبيقورس وتلميذه مطرودورس فيرون أن ثمت عوالم〉 بلا نهاية فيما لا نهاية له، فى كل قوام. ٤ — وأما انباذقليس فانه يرى أن مسير الشمس يحيط بنهاية العالم. ٥ — وأما سالوقس فانه يرى أن العالم لا نهاية له. ٦ — وأما ذيوجانس فانه يرى أن الكل لامتناه. ٧ — وأما الرواقيون فانهم يرون أن بين أن يقال
الكل، وبين أن يقال الجميع، فصلا؛ وأن الجميع هو ما لا نهاية له مع الخلاء، وأن الكل هو العالم بغير خلاء، فيكون العالم والكل شيئاً واحداً.
(٢) فى شكل العالم: ١ — أما الرواقيون فانهم يرون أن العالم كرى، وغيرهم يرى أنه صنوبرى، وغيرهم يرى أنه فى شكل البيضة. ٢ — وأما أبيوقورس فانه يرى أن العالم قد يمكن أن يكون كرياً، ويمكن أن يكون له أشكال أخرى.
(٣) هل العالم متنفس وهل هو مدبر بالسياسة: ١ — أما الآخرون كلهم فانهم يرون أن العالم يتنفس، وأنه مدبر بالسياسة. ٢ — وأما دمقرطس وأبيقورس وكل الذين يقولون بالتى لا تتجزأ وبالخلاء فانهم لا يرون أنه متنفس، ولا أنه مدبر بالسياسة لكنه مدبر بطبيعة غير ناطقة. ٣ — وأما أرسطوطاليس فانه لا يرى أنه بجملته لا متنفس، ولا حساس، ولا عقلى، ولا مدبر بالسياسة؛ ويرى أن الأجرام السماوية لها ذلك أجمع، وأنها متنفسة ذات حياة. وأما الأرضية فان ذلك ليس لها. وأن الترتيب لها أيضاً هو على سبيل العرض، لا على الأمر الأول.
(٤) هل العالم غير فاسد: ١ — بوثاغورس والرواقيون يرون أن العالم مكون والله [عز وجل] كونه وأنه: أما من قبل الطبيعة ففاسد لأنه محسوس، من قبل أنه جسم؛ وأنه لا يفسد، بسياسة الله إياه، وحفظه له. ٢ — وأما أبيقورس فيرى أنه فاسد من قبل أنه مكون، فانه مثل الحيوان والنبات. ٣ — واما كسنوفانس فانه يرى أن العالم غير مكون، وأنه سرمدى، وأنه
غير فاسد ٥ — وأما أرسطوطاليس فانه يرى أن جزء العلام تحت القمر منفعل، وأن فيه يمتزج ما كان فوق الأرض.
(٥) من أى شىء يغتذى العالم: ١ — أما أرسطوطالس فانه يرى أن العالم إن كان يغتذى فانه يفسد؛ ولكنه لا يحتاج إلى غذاء ألبتة؛ ولذلك هو سرمدى ٢ — وأما أفلاطن فانه يرى أن المغتذى من العالم يغتذى من الذى ينحل منه. ٣ — وأما فيلالاوس فانه يرى أن فناء العالم على طريقين: أحدهما من السماء بنار تسيل منه، والآخر بماء قمرى بانقلاب القمر وبانسكاب الماء، وأن البخارات هى غذاء العالم.
(٦) من أى اسطقس ابتدأ الله عز وجل العالم: ١ — أما الطبيعيون فيقولون إن كون العالم ابتدأ به من الأرض، الذى بدأ به من المركز، وإن المركز ابتداء الكرة. ٢ — وأما بوثاغورس فانه يرى أن ابتداء العالم من النار، ومن العنصر الخامس. ٣ — وأما أنباذقليس فيرى أن أول ما يميز من الاسطقسات هو الأثير، وبعده النار، وبعده الأرض، وإن بانقباض الأرض وانعصارها نبع الماء، وأن من الماء تبخر الهواء، وأن السماء كونت من الهواء، والشمس من النار، وأن من الاسطقسات الأخر انجبل كل ما على وجه الأرض. ٤ — وأما أفلاطن فانه يرى أن العنصر المبصر عمل على مثال العالم العقلى. وأول ما عمل من العالم المبصر هو النفس، وبعدها الشكل الجسمانى الذى هو: أما أولا فمن النار أو الأرض، وأما ثانياً فمن ماء وهواء. ٥ — وأما بوثاغورس فانه كان يرى أنه لما كانت الأشكال خمسة، وهى التى نسميها أجراماً، ونسميها تعليمية، كان من المكعب الأرض، ومن الشكل النارى نار، ومن ذى الثمانية قواعد الهواء، ومن ذى الاثنى عشر قاعدة كرة الكل. ٦ — وأفلاطن يقول فى ذلك بقول بوثاغورس.
(٧) فى ترتيب العالم: ١ — برمنيدس يرى أن ترتيب العالم مثل أكلة مضفورة مركب بعضها على بعض، وأن منها ما هو من جسم مخلخل، ومنها ما هو من جسم متكاثف، وأن منها ما هو مجتمع من نور وظلمة بين تلك، وأن الذى يحتوى على الترتيب كالحائط هو الصلب. ٢ — وأما لوقبس ودمقرطيس فانهما يريان أن العالم لباس كالقميص يدور به كالغشاء ممدود عليه. ٣ — وأما ابيقورس فانه يرى أن بعض العالم نهايتها مخلخلة، وبعضها نهايتها متكاثفة وأن منها متحرك، وغير متحرك. ٤ — وأما أفلاطن فانه يرى أن الأول هو النار، وبعده الأثير، وبعده الهواء، ويتلوه الماء، وآخرها كلها الأرض وربما جمع الأثير مع النار. وأما أرسطاطالس فانه جعل الأول أثيراً لا يقبل الانفعال وهو الحس الخامس، وبعده منفعلات: وهى النار والهواء والماء وآخر ذلك الأرض، وأن السماوية من ذلك أعطيت الحركة الدورية، وأن المرتبة بعد السماوية: ما كان منها خفيفاً جعل له الحركة إلى العلو، وما كان منها ثقيلا جعل له الحركة إلى السفل. ٦ — وأما أنباذقليس فانه يرى أن الاسطقسات ليست واقعة ولا أماكنها محدودة، ولكن يستبدل بعضها مكان بعض.
(٨) ما العلة التى لها العالم مائل: ١ — ديوجانس وأنقساغورس يريان 〈أنه بعد أن تكون العالم ونشأت من الأرض الحيوانات، فا〉ن قوام العالم قد مال من ذاته إلى جهة الجنوب؛ ولعل ذلك بالسياسة ليكون بعضه مسكوناً. 〈وبعضه غير مسكون〉، لعلة الحر والبرد، والاعتدال. ٢ — وأما أنباذقليس فيرى أن الهواء دافع الشمس، فارتفع الشمال، وانقض الجنوب؛ وكذلك العالم كله بأسره.
(٩) فيما خارج العالم: ١ — أما شيعة بوثاغورس فانهم يرون أن خارج العالم خلاء، وفيه يتنفس العالم ومنه. ٢ — وأما الرواقيون فانهم يرون أن خارج العالم خال يتخلخل فيه ما لا نهاية له. ٣ — وأما فوسيدونيوس فانه يرى أنه ليس له نهاية لكن مقدار ما يحتاج اليه للتحليل. وأما أفلاطن وأرسطاطاليس فانهما يريان أنه ليس خلاء ألبتة، لا خارج العالم ولا داخله.
(١٠) ما اليمين واليسار من العالم: ١ — بوثاغورس وأفلاطون وأرسطوطاليس يرون أن يمين العالم هو أجزاؤه الشرقية التى منها ابتدأ حركته، وأن يساره أجزاؤه الغربية. ٢ — وأما أنباذقليس فانه يرى أن يمين العالم ما يلى المنقلب الصيفى، وأن يساره ما يلى المنقلب الشتوى.
(١١) فى جوهر السماء: ١ — انقسامنس يرى أن جوهر السماء والحركة التى هى خارج حد أقصى. ٢ — وأما انباذقليس فانه يرى أن السماء جوهر صلب جمد حتى صار كالجليد، وأن جوهر النارى والهوائى يحيط به كل واحد من نصفى كرتها. ٣ — وأما أرسطوطاليس فانه يرى أن السماء من جسم خامس نارى أو من مركب من اجتماع الحار والبارد.
(١٢) فى قسمة السماء: ١ — إن ثاليس وبوثاغورس وشيعته يرون أن كرة السماء تنقسم بخمسة أفلاك، ويسمونها مناطق: وأحدها يسمى شمالياً وأبدى الظهور، والآخر يسمى منقلباً صيفياً والآخر يسمى معدل النهار، والآخر بطن الفلك الشمالى وأبدى الخفاء. ٢ — فأما المائل المسمى فلك البروج فانه يحيط بالثلاثة الأفلاك المتوسطة، فيقاطع الأوسط منها ويماس الأخرى. وأما فلك نصف
النهار فانه يقطعها على زوايا قائمة ويأخذ من الشمال إلى الجنوب. ٣ — ويقال إن أول من وقف على ميل فلك البروج بوثاغورس، على أن أونيدس الذى من أهل شيوس يرى أن ذلك موجود له خاصة.
(١٣) ما جوهر الكواكب: ١ — أما ثاليس فانه يرى أن جوهر الكواكب أرضى، ولكنه مستدير. ٢ — وأما أنباذقليس فانه يرى أنها نارية، من الجواهر النارية التى انعصرت من الهواء فى التمييز الأول. ٣ — وأما أنقسغورس فانه يرى أن المحيط فى جوهره نارى، وأنه بقوة دورانه اختطف صخوراً من الأرض فأنارها، وذلك حين تنجذب به. ٤ — وأما ديوجانس فانه يرى أن الكواكب من جسم يشابه الحجر الذى يسمى قيسيور، وأن تنفس العالم يتقدمها. وهو يرى أيضاً أن هذه الأحجار لا تظهر، إلا أنها كثيراً 〈ما〉 تقع على الأرض فتنطفئ مثل الكوكب الصخرى الذى يقال إنه سقط فى نهر أجس، وصورته صورة النار. ٥ — وأما أنباذقليس فيرى أن الكواكب الثابتة مربوطة
بالجوهر البردى، وأما الكواكب المتحيرة فانها متحركة بذاتها. ٦ — وأما أفلاطون فانه يرى أن الكواكب فى أكثر أجزائها نارية، وأن فيها مع ذلك من الاسطقسات الأخر ما يقوم منها مقام القذى اللاصق. ٧ — وأما اكسانوفانس فانه يرى أن السماء من غيم استنار وأنها تنطفئ فى كل يوم. وتستنير فى الليل؛ وذلك فيها مثل الفحم الذى يشتعل وينطفئ. ٨ — وأما إرقليطس والبوثاغوربون فانهم يرون أن كل واحد من الكواكب عالم يحيط بأرض وهو بأثير فى الأثير الذى لا نهاية له. وهذه الآراء موجودة فى الكتب المنسوبة إلى أرفاوس، فانه يوجد فيها أن كل واحد من الكواكب عالم بأسره. وأما أبيقرس فانه لا يدعى فى شىء من ذلك أنه يشمله، لكنه يرى فى جميعه أنه ممكن.
(١٤) فى اشكال الكواكب: ١ — أما الرواقيون فيرون أن الكواكب كرية، كما أن العالم كرى، وكذلك الشمس والقمر. وأما قلانتس فيرى أن أشكالها صنوبرية. وأما أنقسيمانيس فانه يرى أنها تقوم مقام المسامير فى المسمرة المثبتة فى الجوهر الجليدى، وبعضهم يرى أن الكواكب صفائح رقاق كالتزاويق.
(١٥) فى مراتب الكواكب: ١ — كسانوقراطس يرى أن الكواكب إنما تتحرك على بسيط واحد. ٢ — وأما الرواقيون الأخر فانهم يرون أن الكواكب تتحرك فى العلو والعمق. ٣ — وأما دمقرطس فيرى أن الكواكب الثابتة أعلى الكواكب، وبعدها الكواكب المتحيرة، وبعدها الشمس والكواكب التى
تسمى فسفورس والقمر. ٤ — وأما أفلاطون فيرى أن وضع الكواكب الثابتة أعلى الكواكب، وبعدها الكوكب المسمى بزحل وهو الأول، ويسمى فانين، والثانى كوكب المشترى، والثالث كوكب المريخ، ويسمى بوريوس، والرابع كوكب الزهرة ويسمى فسفورس، والخامس كوكب عطارد ويسمى أيستلين والسادس الشمس، والسابع القمر.٥ — وأما أصحاب التعاليم فبعضهم يرى رأى أفلاطن، ويرى بعضهم أن الشمس فى وسط الكل. ٦ — وأما أنقسمندرس ومطردورس الذى يسمى شيوسى وقراطس فيرون أن 〈الشمس〉 وضع أعلا جميع الأشياء، وبعده القمر، وبعدها الكواكب المتحيرة والثابتة.
(١٦) فى حركة الكواكب الانتقالية: ١ — أنكسغورس ودمقرطس وقليانتس يرون أن الكواكب كلها تتحرك حركة الانتقال من المشرق إلى المغرب. ٢ — وأما ألقمايون وأصحاب التعاليم فيرون أن 〈حركة الكواكب الانتقالية
ضد〉 حركة الكواكب الثابتة، وأن حركتها من المغرب إلى المشرق. ٣ — وأما أنقسمندرس فانه يرى أن حركة كل واحد من الكواكب إنما هى بالأفلاك والأكر التى كل واحد منها ثابت عليها. ٤ — وأما أنقسمانس فيرى أن الكواكب تتحرك فوق الأرض وتحتها. ٥ — وأما أفلاطن وأصحاب التعاليم فانهم يرون أن حركة الشمس والزهرة وعطارد متساوية.
(١٧) من أين تستنير الكواكب: ١ — أما مطرودرس فيرى ان الكواكب الثابتة كلها تستنير من الشمس. ٢ — وأما ارقلطس وأصحاب الرواق فانهم يرون أن الكواكب تغتذى من البخارات الأرضية. ٣ — وأما أرسطاطاليس فانه يرى أن الكواكب لا تغتذى، لأنها ليست فاسدة لكنها سرمدية. ٤ — وأما أفلاطن 〈والرواقية〉 فيرى أن العالم بالجملة والكواكب تغتذى منه.
(١٨) فى الذى يسمى ديسقروا: ١ — أكسانفانس يرى أن الأنوار التى تظهر على السفن كأنها الكوكب هى سحابات تستنير بتكيف الحركة. ٢ — وأما مطرودرس فانه يرى أنها استنارة تظهر للبصر المحسوس على سبيل 〈الرهبة والذهول〉
(١٩) فى أنواء الفصول: ١ — إن أفلاطون يرى أن الأنواء، الشتوية منها والصيفية، تكون على قدر طلوع الكواكب وغروبها، أعنى الشمس والقمر وباقى الكواكب الثابتة 〈والمتحيرة〉. ٢ — وأما أنقسمانس فانه يرى أن ذلك
لا يكون بالكواكب وإنما يكون بالشمس وحدها. ٣ — وأما وأودقسيس وأراطيس فيريان أن ذلك بكل الكواكب إذ يقول فى شعره: «إنه هو بينهما فى السماء، وحولها أعلام، ولذا ممر الكواكب صيرها سنوية، وكواكب تعمل فى أكثر أمر الأنواء».
(٢٠) فى جوهر الشمس: ١ — أنقسمندرس يرى أن الشمس دائرة مثل الأرض ثمانية عشر مرة، وأن استدارتها كاستدارة فلك المجرة، وأنها مقعرة، وأنها ممتلئة ناراً، وأن النار تظهر من فم لها كما تظهر الصواعق؛ وهذه عند صورة الشمس. ٢ — وأما اكسنوفانس فانه يرى ان جوهر الشمس من أجرام صغار نارية تجتمع من البخار، ويكون من اجتماعها الشمس أو سحاب يستنير. ٣ — وأما أصحاب الرواق فانهم يرون أن جسم الشمس جوهر عقلى يرتفع من البحر. ٤ — وأما أفلاطن فانه يرى أن أكثر جوهر الشمس هو النار. ٥ — وأما أنقساغورس ودمقرطيس ومطرودورس فانهم يرون أن جرم الشمس كالصخرة المستنيرة.
٦ — وأما أرسطوطاليس فانه يرى أن جرم الشمس كرة من العنصر الخامس ٧ — وأما فيلولاوس الفوثاغورى فانه يرى أن جرم الشمس [النفس] كالزجاجى، يقبل استنارة النار التى فى العالم ويبعث الضوء إلينا، فتكون الشموس ثلاثاً: أحدها التى فى السماء وهى نارية، والثانية التى تكون منه على سبيل المرآة، والثالثة الانعكاس الذى ينعكس الينا 〈لأننا نسمى هذا الضياء باسم الشمس، لأنه صورة الصورة. ٨ — وأنباذقليس يقول بشمسين: الأولى هى النار الأصلية التى تملأ النصف الآخر من العالم، وتملأ هذا النصف لأنها تقع دائماً فى مواجهة النور المنعكس إلينا〉. والنور الذى يسطع بشعاعه فيملأ النصف الآخر، وينعكس فيملأ الحل الذى يسمى أوبلس وأنها إذا تحركت استنارت وأنارت النار التى تلى الأرض. ٩ — وأما ابيقرس فيرى أن الشمس جوهر أرضى يتخلخل، شبيه بالقيصور والفم، ومن التخلخل الذى يلتهب فيصير ناراً.
(٢١) فى عظم الشمس: ١ — أما أنقسماندرس فانه يرى أن الشمس مساوية فى عظمها الأرض، وأن الدائرة التى تصير عليها هى مثل الأرض سبعاً وعشرين مرة. ٢ — وأما أنقسغورس فيرى أضعاف ذلك.
٣ — وأما [بيقرس و]ارقلطس وابيقرس فانهم يرون أن كل ما قيل فى ذلك ممكن، وأنها قد يمكن أن تكون فى مقدارها الذى نراها به، أو أعظم منه قليلا 〈، أو أقل〉.
(٢٢) فى شكل الشمس: ١ — أما أنقسمانس فانه يرى أن الشمس فى شكلها مثل الصفيحة الرقيقة. ٢ — وأما ارقلطس فانه يرى أن شكلها فى شكل السفينة، وأنها مقعرة. ٣ — وأما أصحاب الرواق فانهم يرون أنها كرية، وأن كما أن العالم كرى، كذلك الكواكب كرية. ٤ — وأما أبيقرس فانه يرى أن كل ما قيل فى ذلك ممكن أن يكون.
(٢٣) 〈فى انقلاب الشمس: ١ — يرى أنكسمانس أن الكواكب يدفعها الهواء الكثيف المقاوم. ٢ — وأنكساجورس يرى أن الدفع يأتى من الهواء الذى حول القطبين، وأن الشمس بدفعها له تجعله أقوى. ٣ — وأما أنباذقليس فيرى أن الفلك الذى يحتوى الشمس يمنعها من تجاوز حدها، وكذلك دائرتا المدارين، ٤ — وذيوجانس يرى أن تعارض البرودة مع الحرارة ينجم عنه انطفاء الشمس. ٥ — ويرى الرواقيون أن الشمس تسير خلال مجال غذائها الذى هو تحتها وهى تتغذى من الأبخرة المتصاعدة من البحر المحيط والأرض. ٦ — ويرى أفلاطون وفيثاغورس وأرسطو أن ذلك يحدث نتيجة ميل دائرة البروج الذى تتحرك الشمس فيه بميل، وكذلك فى دائرتى المدارين اللتين تحيطان بها: وكل هذا تظهره الكرة أمام الناظر〉.
(٢٤) فى كسوف الشمس: ١ — إن ثاليس أول من قال إن الشمس تنكسف بمسير القمر 〈سفلياً عمودرياً، إذ كان〉 فى طبيعته أرضياً فيستر ما فوقه.
كما يستر الجام. ٢ — وأما أنقسماندرس فيرى أن كسوف الشمس يكون بانغلاق الفم الذى كانت تخرج منه من النارية. ٣ — وأما ارقلطس فيرى أن ذلك لانفتال جسم الشمس الذى 〈هو〉 شبيه بالسفينة فتصير مقعرة إلى فوق ومحدودبة إلى أسفل 〈ما〉 يلى أبصارنا. ٤ — 〈وأما〉 اكسنوفانس فيرى أن ذلك يكون على سبيل الانطفاء، وأنه بعد مدة يستنير. وقد ذكر أنه وجد 〈فى〉 الأخبار 〈أن〉 كسوفاً أقام شهراً تاماً حتى كانت الأيام كلها فيه ليلا. ٥ — وبعض الفلاسفة يرى أن ذلك بقبض واجتماع بعض الأجزاء إلى بعض 〈مما〉 يمنع الخروج إلى الاستنارة. ٦ — وأما أرسطرخس فانه يضع الشمس مع الكواكب الثابتة، وأن الأرض تتحرك فى فلك الشمس، وأنها تستر الشمس بما فيها من الميل. ٧ — وأما أقسنوفانس فيرى أن الشمس شموس فى كل إقليم من أقاليم الأرض، وفى كل قطعة ومنطقة، وفى كل زمان تغمر الشمس فى قطع من تلك القطوع من قطوع الأرض التى ليست مسكونة. فإذا سترت، ظهر الانكساف 〈وهو يقول أيضاً إن الشمس تسير قدماً إلى اللانهاية؛ ولكنها تتراءى لنا أنها تدور، نظراً لبعد المسافة〉.
(٢٥) فى جوهر القمر: ١ — أنقسمندرس يرى أن جوهر القمر دائرة مقدارها تسعة عشر ميلا للأرض مثل ما جسم الشمس، وأنه ممتلئ ناراً،
وأنه ينكسف من قبل استدارة فلكية، وذلك أنها مقعرة وهى مملوءة ناراً، وإنما لها متنفس واحد. ٢ — وأما كسانفانس فانه يرى أن القمر سحاب مستنير. ٣ — وأما الرواقيون فانهم يرون أن جسم القمر مركب من نار وهواء. ٤ — وأما أفلاطون فانه يرى أن الجواهر النارية فى تركيبه أكثر. ٥ — وأما أنقسغورس وديمقرطس فانهما يريان أن جسم القمر صلب مستنير فيه سطوح وجبال وأودية. ٦ — وأما ارقليطس فانه يرى أن جسم القمر أرضى، قد التف عليها سحاب. ٧ — وأما فوثاغورس فانه يرى أن جسم القمر مستنير مشابه النار.
(٢٦) فى مقدار القمر: ١ — أما الرواقيون فانهم يرون أن القمر أعظم من الأرض، كما أن الشمس أعظم من الأرض. ٢ — وأما فرمانيدس فانه يرى أن القمر مساوى عظمة الشمس، وأنه يستنير منها.
(٢٧) 〈فى شكل القمر: ١ — يرى الرواقيون أن القمر كروى، مثل الشمس. ٢ — ويرى أنباذقليس أنه مثل القرص. ٣ — ويرى ارقليطس أنه كالزورق. ٤ — ويرى آخرون أن شكله مثل الأساطين〉.
(٢٨) فى استنارة القمر: ١ — أما أنقسمندرس فإنه يرى أن القمر يستنير بنور خاص له لكنه نادر. ٢ — وأنطيفون يرى أنه يضئ من نور ذاته وأن استتاره إنما هو بسبب ملاقاة الشمس إياه، وذلك أن النار الأقوى تبطل النار الأضعف. وكذلك يعرض فى الكواكب الأخر. ٣ — وأما ثاليس وشيعته فيرون أن استنارة القمر من الشمس. ٤ — وأما ارقلطس فانه يرى أن الذى يعرض للشمس والقمر هو عرض واحد؛ وذلك أن الكواكب لما كانت فى أشكالها شبيهة بالسفن، صارت إذا قبلت ما يرفع إليها من بخار الرطوبات
التى تبخر إليها تستنير فيما يظهر بالتخييل. والشمس تستنير استنارة أكثر لأنها تسلك فى هواء أصفى. وأما القمر فانه يسلك فى هواء أغلظ، ولذلك يظهر كمدأ.
(٢٩) فى كسوف القمر: ١ — أما أنقسمندرس فيرى أن كسوف القمر يكون بانسداد الفم الذى يكون فى تقوسه. ٢ — وأما بيروسس فيرى أن كسوف القمر يكون بسبب محاذاة جزئه الذى ليس يستنير — إيانا. ٣ — وأما إرقلطس فيرى أن كسوفه قد يكون بدوران جسمه حتى يعرض أن يسامتنا الجزء منه المقعر تقعير السفينة. ٤ — وأما قوم من البوثاغوريين فيرون أن كسوفه يكون من قبل استتاره: تستره عنا مرةً الأرض، ومرةً ما يقوم مقام الأرض. وأما المحدثون فيرون أن القمر يلتهب كالتهاب النار رويداً رويداً على ترتيب إلى أن يصير بدراً، ثم يأخذ فى الانطفاء على تلك المناسبة إلى أن ينتهى إلى الاجتماع فينطفئ ألبتة. ٥ — و〈أما〉 أرسطوطاليس وأفلاطون والرواقيون والتعليميون فانهم متفقون على أن حقيقة القمر التى تكون فى أوائل ألاهلة باجتماعه مع الشمس واستنارته بها ومسامتة المستنير منها الشمس. وأما الكسوفات فتعرض لها بدخولها فى ظل الأرض إذا كانت الأرض بين الكواكب أو كانت سداً بينهما.
(٣٠) فى رؤية القمر ولم ير ارضيا: ١ — إن البوثاغوريين يرون أن القمر يرى أرضياً لما يسكن فيه، كما يسكن هذه الأرض التى عندنا حيوان له عظم، ونبات؛ وذلك أنهم يعتقدون أن الحيوانات التى عليها خمسة عشر ضعفاً لهذه الحيوانات؛ وأنه لا يخرج منها فضل بنقصه ألبتة؛ وأن اليوم عندها فى هذا المقدار من الطول. ٢ — وأما أنقسغورس فيرى فى جنسه اختلافاً لسبب الامتزاج لأنه ميت ممتزج من جوهر بارد أرضى؛ وأن جوهر الأرض قد خالط الجوهر النارى. وكذلك تسمى هذه الكواكب دريئة الكواكب. ٣ — وأما الرواقيون فانهم يرون — من قبل أن جوهر هذه الكواكب هو متابين — أن امتزاجها ليس بمستكمل.
(٣١) فى أبعاد القمر: ١ — أما أنباذقليس فيرى أن بعد القمر من الشمس ضعف بعده من الأرض. 〈٢ — وأما التعليميون (= الرياضيون ) فيرون أن بعد القمر من الشمس ضعف بعده من الأرض〉 ثمانية عشر ضعفاً. وأما أريطوستا〈نس〉 فيرى أن بعد الشمس من الأرض أربع مائة ألف وثمانية آلاف اسطادية، وأن بعد القمر من الشمس ثمانية وسبعين ألف اسطادية.
(٣٢) فى السنين وكم زمان كل واحد من الكواكب المتحيرة: ١ — إن دورة زحل تتم فى ثلاثين سنة؛ ودورة المشترى فى اثنتى عشرة سنة؛ والمريخ فى سنتين؛ والشمس فى اثنى عشر شهراً، وكذلك دورة عطارد والزهرة لأنهما يساويان.
الشمس فى المسير؛ وأما دورة القمر فانها تتم فى ثلاثين يوماً، وهو زمان الشهر الذى من رؤيته إلى اجتماعه. ٢ — وأما السنة العظمى فان بعض الناس يجعلها فى ثمانى سنين، وبعضهم يجعلها فى تسع عشرة سنة، وبعض يجعلها فى سنتين منقوص منها سنة واحدة. وأما ارقلطس فانه يرى أن السنة العظمى من ثمانية عشر ألف سنة شمسية. وأما ذيوجانس فيرى أن السنة الشمسية هى ثلاثمائة وخمسة وستين دوراً من أدوار سنة ارقلطس. وقوم آخرون يرون أن السنة العظمى تتم فى سبعة آلاف وسبعة وسبعين سنة.
][تمت المقالة الثانية بحمد الله ومنه][
بسم الله الرحمن الرحيم
المقالة الثالثة من كتاب فلوطرخس فيما يرضاه الفلاسفة من الآراء الطبيعية
قال: إنى لما أتيت فى القولين الأولين باختصار على القول فى الأجرام السماوية، فكان حدها القمر الذى تنتهى إليه، فانى رأيت أن أنتقل فى المقالة الثالثة إلى الأشياء العلوية، وهذه الأشياء هى وإن كانت من فلك القمر منحدراً إلى موضع الأرض، فقد ظن بها فى الرتبة أنها تقوم مقام المركز عن محيط الكرة. ولنبتدئ من ههنا.
(١) فى المجرة: ١ — المجرة هى فلك ذو سحاب يرى فى الجو أبداً دائماً، ويسمى من قبل بياض لونه لبنياً. ٢ — والبوثاغوريون: منهم من قال إنه من احتراق كوكب سقط من الموضع الذى كان فى زمن فياثن. ٣ — ومنهم من قال: مسير الشمس كان أولا عليه. ٤ — وقوم قالوا إنه يخيل لقوم مقام تخييلات المرايا تعكس الشمس شعاعاتها إليه، مثل الذى يعرض فى قوس قزح من تأثير فى السحاب. ٥ — وأما مطرودرس فانه يرى أن كونه بسبب مسير الشمس ومرورها، وذلك أنه يرى أن هذا الفلك من فلك الشمس.
٦ — وأما برمانيدس فيرى أن اختلاط الكثيف والسخيف أحدث اللون اللبنى. ٧ — و〈أما〉 أنقساغورس فيرى أن ظل الأرض على هذا الوضع يقف من السماء إذا كانت الشمس تحت الأرض ولم يتبين الكل بالنار التى هى فيها. ٨ — وأما دمقرطس فيرى أنها استنارة كواكب كثيرة متصلة صغار يستنير بعضها ببعض. ٩ — وأما أرسطوطاليس فيرى أن التهاب بخار كثير يابس متصل يكون فيه كالذؤابة فى صورة النار تحت الكواكب المتحيرة. ١٠ — وأما فوسيدونيوس فيرى أنها نار قائمة أقوى من الكواكب، وأكثر تكاثفاً من الضياء.
(٢) فى الكواكب الاذناب وانقضاض الكواكب والمجرة المستطيلة التى ترى فى السماء وكأنها قضيب: ١ — أما شيعة فوثاغورس فانهم يرون أن كوكب الذؤابة هو كوكب من الكواكب التى لا يكون ظهورها أبداً، لكنها تظهر فى زمن محدود على سبيل الأدوار. ٢ — وآخرون يرون أنه انعكاس شعاع أبصارنا عن الشمس قريباً مما نرى فى المرايا. ٣ — وأما أنكساغورس ودمقرطس فانهما يريان أنه اجتماع كواكب كثيرة وأكثر، على سبيل اتصال النور واستنارة كل واحد بالأجزاء. ٤ — وأما أرسطوطاليس فيرى أنه بخار ثابت مستنير من البخار اليابس. ٥ — وأما اسطراطن فيرى أنه كوكب قد احتوى عليه سحاب كثيف كما يكون فى المصابيح. ٦ — وأما ارقليدس الذى من بنطس
فيرى أنه سحاب متعال يستنير بكوكب متعال. وهو مع ذلك يذكر أن هذا علة الذؤابة والذى يسمى هالة والتى تسمى قيون وما شابه هذه، وكذلك كل المشائين يرون أن كون هذه كلها من أشكال السحاب. ٧ — وأما أبيجانس فيرى أنه من ارتفاع هواء قد خالطه جوهر أرضى مستنير. ٨ — وأما بويتس فيرى أنه تخييل هواء يرتفع. ٩ — وأما ذيوجانس فيرى أن الكواكب ذوات الأذناب هى كواكب على الحقيقة. ١٠ — وأما أنقساغورس فيرى أن الكواكب التى تنقض إنما تسقط من الأثير بمنزلة الشرارة، وكذلك تطفأ على المكان. ١١ — وأما مطرودرس فيرى أنه غرب سقط من الشمس فى السحاب الذى يكون على طريق الصعوبة والشدة مثل الشرارة. ١٢ — وأما كسانوفانس فانه يرى أن كون جميع ذلك عن سحاب مستنير أو متحرك.
(٣) فى البرق والرعد والصواعق والتى تسمى فريسطير والتى تسمى طوفن: ١ — أما أنقسمندرس فيرى أن جميع ذلك إنما يحدث عن الهواء: فانه إذا التف على سحاب غليظ وقهره حتى يسقط بالقهر لدقنه وخفته — عند ذلك يحدث. وأما الصوت فمن قبل الانخراق والفرجة التى يتفرج بها السحاب الأسود يحدث
عنه الاستنارة. ٢ — وأما مطرودرس فيرى أنه إذا سقط هواء 〈فى〉 سحاب جامد بالتكاثف يحدث: أما الصوت فمن قبل التصادم، والاستنارة فمن قبل الخرق والفرج تحدث 〈و〉الحركة إذا اجتمع إليها حر الشمس تحدث عن ذلك الصاعقة، وإذا ضعفت الصاعقة صار عنها المسمى فرسطير. ٣ — وأما أنقسغورس فيرى أن ذلك يحدث إذا سقط البارد فى الحار، وذلك هو أن يسقط جزء من الأثير إلى الهواء، فان التصادم والتضريب يحدث الرعد، ولون السواد الذى يحدث فى السواد يكون عنه البرق، وعلى مقدار عظم النور فى كثرته وعظمه يحدث الذى يسمى كارونوس 〈و〉التى هى أكثر فى الجسمية يكون عنها المسمى توفن، وأن النار المخالط للسحاب يسمى فرسطير. ٤ — وأما الرواقيون فيرون أن الرعد يكون من قبل 〈اصطدام〉 السحاب، وأما البرق فمن قبل استنارة بالحك؛ وأما الصاعقة فمن استنارة مفرطة؛ وأما المسمى فرسطير فمن استنارة ضعيفة. ٥ — وأما أرسطوطاليس فيرى أن ذلك كله من البخار اليابس، فاذا لاقى بخاراً رطباً فمانعه الخروج، كان صوت الرعد عن احتكاك وحرق ويكون البرق مع ظهور اليبوسة. وأما الأفرسطير والطوفون فيحدثان من قبل كثرة العنصر الذى يجتذبه كل واحد إليه: فاذا كان أكثر حرارة كان عنه الأفرسطير، وإذا كان أوله غلظ كان عنها طوفون.
(٤) فى السحاب والامطار والثلج والبرد: ١ — أما أنقسمانس فيرى أن السحاب يكون إذا غلظ الهواء، بل إذا اجتمع اجتماعاً أكثر. فاذا انعصر كان عن العصارة المطر. وأما الثلج فانه يكون إذا جمد الماء الذى ينحدر من السحاب. وأما البرد فيكون إذا خالط الماء ومازجه هواء. ٢ — وأما مطرودرس فيرى أن السحاب من الجوهر اللطيف الذى يرتفع من الماء. ٣ — وأما أبيقرس فيرى أن
السحاب من البخار ويرى أن البرد يستدير يطول المسافة فى انحداره، وكذلك قطرات المطر.
(٥) فى قوس قزح: ١ — الآثار التى تكون فى الجو منها ما له فى ذاته قوام مثل المطر والبرد، ومنها ما يكون له ظهور فقط وليس له قوام فى نفسه: من ذلك أنا إذا سرنا فى السفن تخيل لنا أن أرض البر تتحرك، ومن ذلك ما يظهر لنا فى قوس قزح. ٢ — وأفلاطون يقول: إن الناس تخيلوا أن أباه هو ثوماس، وهذا لأنهم أعجبوا به: ففى اليونانى: ثومساى θαυμάσαι معناه: أعجب بكذا. قال هوميروس: لما تبدى قوس قزح الأرجوانى أمام أعين الناس. ولهذا فان بعض القوم تخيلوه ذا رأس ثور تلتهم ἀυαεεωφειυ أزهاراً. ٣ — كيف نشأ قوس قزح〉 وبصرنا يكون: إما على خطوط مستقيمة، وإما على خطوط منحنية، وإما على خطوط منعكسة. وهذه الخطوط ليست بمحسوسة بل مدركة عقلا، إذ لا أجسام لها. ٤ — والأشياء التى نراها على خطوط مستقيمة هى ما نبصره فى الهواء وفى الحجارة الصقيلة، إذا كان ما جرى هذا المجرى لطيف الأجزاء أثيرها. ٥ — وأما الأشياء التى نراها على خطوط منحنية فهى ما نبصره فى الماء. وذلك أن البصر ينحنى لتكاثف عنصر الماء، ولذلك يرى المدرى فى البحر منحنياً إذا رأيناه من بعد. ٦ — والجهة الثالثة من جهات النفس يكون بالانعكاس، مثل الأشياء التى ترى فى المرايا. وما يظهر فى قوس قزح من الأثر يجرى هذا المجرى. وقد ينبغى أن نضع فى أوهامنا أن البخار الرطب إذا استحال إلى السحاب، ثم صار رويداً إلى أن ينتقل إلى قطرات كأنها رشح حدث عن ذلك قوس قزح محاذياً لها. وذلك أن الشعاع يلقى تلك القطرات فينعكس، ويكون عن ذلك الانعكاس
قوس قزح. ٧ — وهذه القطرات ليس يظهر عنها ما هو مشابه لها، لكن يرى أجزاء الأول منه محمراً، والثانى مائلا إلى الحضرة. ٨ — وذلك أن ضياء الشمس ونورها إذا لاقى الجسم الذى يعكبسه، انعكس عنه محمراً صافياً. وأما ما يلى ذلك، فانه يكون مكدراً، لما يعرض فى الجسم الذى ينعكس عنه 〈ثم يستحيل إلى أخضر إذ〉 يكون أكثر كدراً. ٩ — وقد يمكن أن يمتحن ذلك بالعقل: فانه إن وقف واقف بحذاء الشمس 〈وعرض〉 ماء يدر به فيما بينهما وفعل ذلك متصلا حتى يكون عنه انعكاس، وجد من ذلك قوس قزح ظاهراً ظهوراً بيناً. وقد يعرض مثل ذلك لمن كان به رمد إذا نظر إلى السراج. ١٠ — وأما أنقسمانس فانه يرى أن قوس قزح يكون من استنارة الشمس ومحاذاتها سحاباً متكاثفاً أسود، وذلك من قبل أن شعاع الشمس فى هذه الحال لا يقدر أن ينفذ، لكنها تنقطع عند ذلك الجسم الكثيف. ١١ — وأما أنكساغورس فانه يرى أن قوس قزح يكون من انعكاس شعاع الشمس عن سحاب كثيف، وأنه 〈يكون〉 بحذاء ما يلاقيه كوكب ثابت أبداً. وكذلك يكون فى غير الآثار الشمسية التى تكون فى المواضع التى يقال لها بونطس. ١٢ — وأما مطرودرس فيرى أن الشمس إذا سطع شعاعها على سحاب يصير لون السحاب أصفر، ويصير الشعاع نفسه أحمر.
(٦) فى القصاب: ما يعرض فى الضياء الذى يسمى قصاب والذى
ينسب إلى مضافته الشمس، هو مجتمع من شىء له حقيقة؛ فهو ما يرى من السحاب. وأما ما ليس له حقيقة فما يظهر فيه من الألوان، لأن الألوان التى تظهر فى هذه التأثيرات إنما هى فى التخييل فقط؛ وما يظهر فى هذه المعانى من الأشياء التى تجرى على مجرى الطبيعية ومن الأشياء التى تستعاد وتستعمل، فالأعراض فيها متشابهة.
(٧) فى الرياح: ١ — أما أنقسماندرس فيرى أن الرياح هى السيلان، سيلان الهواء، وأن هذا يحدث إذا حركته الشمس، وأذابت الأجزاء اللطيفة الرطبة التى فى الهواء. ٢ — وأما أصحاب الرواق فيقولون فى الريح إنه سيلان الهواء وإن اسمه يختلف على قدر اختلاف الأمكنة التى يسيل فيها. فاذا كان ذلك من هواء مظلم وفى المغرب سمى زافرس وهذا الاسم فى لغة اليونانيين مشتق من الظلام ومن السيلان. وإذا كان ذلك فى المشرق سمى أفيليوطس، وإذا كان فى الشمال سمى بورياس، وإذا كان فى الجنوب سمى ليبا. ٣ — وأما مطرودرس فيرى أن الرياح تحدث من انبعاث الهواء الذى يكون عن البخار الكائن عن إحراق الشمس، وأن الرياح الشتوية التى تهب من الشمال يكون هبوبها إذا غلظ الهواء لاجتماعه عند توسيعه بالشمس إذا كانت فى المنقلب الصيفى وسيلان الهواء بهذا السبب.
(٨) فى الشتاء والصيف: ١ — إن أنباذقليس والرواقيين يقولون فى الشتاء والصيف إنه يكون إذا قوى الهواء فتكاثف وانحرف إلى فوق، وأن الصيف يكون
إذا انحرف النار من فوق إلى أسفل. ٢ — وإذ قد ذكرت الآثار التى تظهر فى أعالى الجو، فانى الآن آخذ فى ذكر الأرض.
(٩) فى الارض: ١ — أما ثاليس وأصحابه فيرون أن الأرض واحدة. ٢ — وأما اكاتس الذى من شيعة بوثاغورس فانه يقول بأرض وشىء آخر يسميه انتخثون يعاقب الأرض. ٣ — وأما الرواقيون فانهم يرون أن الأرض واحدة متناهية. ٤ — وأما كسنوفانس فيرى أن الأرض أسفلها 〈فى عمق لا متناه و〉أعلاها متكاثف، وأن جوهرها من هواء ونار تكاثفا. ٥ — وأما مطرودرس فيرى أن الأرض هى دردى الماء وما كان من الماء ذا قوام، وأن الشمس عند الهواء تجرى هذا المجرى.
(١٠) فى شكل الأرض: ١ — أما ثاليس والرواقيون ومن أخذوا عنهم فانهم يرون أن الأرض كرية. ٢ — وأما انقسماندرس فيرى أن شكلها
كأشكال الأساطين الحجرية، وإن بسائطها مقوسة. ٣ — وأما أنقسمانس فيرى أنها فى صورة المائدة. ٤ — وأما لوقبس فانه يرى أنها فى صورة الطبل. ٥ — وأما ديمقرطس فيرى أنه فى صورة الجام بعرضه و〈من〉 وسطها مقعرة.
(١١) فى وضع الأرض: ١ — أما شيعة ثاليس فانهم يرون أن الأرض فى الوسط. ٢ — وأما أكسنوفانس فانه يرى أن الأرض أول الأشياء، وأنها قد وضعت أصلا لا نهاية له. ٣ — وأما فيلولاوس الفوثاغورى فانه يرى أن النار فى الوسط، وأنه كالمستوقد للكل، وبعده الأرض التى يسميها أنطخثون، والثالث الأرض التى نسكنها، وهى مقابلة الأرض التى تسمى أنطخثون وهذه الأرض مترجحة عليها، ولذلك لا يراها الذين يسكنون هذه. ٤ — وبرمنيدس أول من ذكر أن المسكون من الأرض ما تحت منطقى المنقلبين.
(١٢) فى ميل الأرض: ١ — لوقبس يرى أن الأرض مائلة إلى الجهة الجنوبية، لما فى الجهة الجنوبية من التخلخل؛ ولأن الجهة الشمالية متكاثفة جامدة لأنها قوية البرد بالثلوج، والجهة المقابلة لها محرقة. ٢ — وأما ديمقرطس فانه يرى أن الجهة الجنوبية من الكل لما كان ضعيفاً مالت الأرض إليها، وذلك أن الجهة الشمالية لأنها فى مزاجها غير معتدلة، ولذلك صار جزؤ الأرض الذى فيها ثقيلا، لأنه زائد بالنماء والنشؤ.
(١٣) فى حركة الأرض: ١ — إن جل الفلاسفة يرون أن الأرض ثابتة. ٢ — وأما فيلولاوس البوثاغورى فانه يرى أنها متحركة حركة دورية على دائرة مائلة مشابهة لحركة الشمس والقمر. ٣ — وأما أورقليدس الذى من
بنطس واقفنطس البوثاغورى فانهما يريان أن للأرض حركة، لكنها حركة ميل ورجوع مثل حركة الدواليب، وأنها حركة من المغرب إلى المشرق وعلى مركزها. ٤ — وأما ديمقرطس فانه يرى أن الأرض كانت فى الابتداء تتكفأ لصغرها وخفتها، وعلى طول الزمان تكاثفت وثقلت فثبتت.
(١٤) فى قسمة الارض: إن بوثاغورس يرى فى الأرض أنها مقسومة قسمة متناسبة بقسمة السماء بخمس مناطق، وهى: المنطقة الشمالية، والجنوبية، والصيفية، والشتوية، والمعتدلة، والوسطى منها تفصل وسط الأرض، ولذلك سميت متحرقة، وأما المسكون منها فهو الوسط من الصيفية والشتوية لأنهما معتدلان.
(١٥) فى الزلازل: ١ — أما ثاليس ودمقرطس فانهما يريان وينسبان علة الزلازل إلى الماء. ٢ — وأما الرواقيون فانهم يرون أن الزلزلة تكون إذا استحالت الرطوبة التى فى الأرض إلى الهواء وطلبت الخروج. ٣ — وأما أنقسمانس فيرى أن علة الزلازل هى سير الأرض وتخلخلها، وأحد هذين المعنيين يتولد عن التيبس، والمعنى الآخر يتولد عن الأمطار. ٤ — وأما أنقساغورس فانه يرى أن الزلازل تكون إذا غار الهواء ولم يقدر 〈أن〉 ينفذ من بسيط الأرض لكثافته وتلبده، فيتراجع ويتلاقى، فيحدث عن ذلك فيه مثل الرعد. ٥ — وأما أرسطوطاليس فيرى أن ذلك لشمول البرودة على الأرض من كل الجهات من فوق ومن أسفل، وعند ذلك يبادر الحار إلى فوق الأرض إذا كان خفيفاً؛ ولذلك إذا
تكاثف البخار اليابس تلجلج وتنجى فتحدث عنه الزلزلة فى الأرض. ٦ — وأما مطرودرس فانه كان يقول: كيف يمكن أن يتحرك جسم فى مكانه إن لم يدفعه دافع ويجذبه جاذب؟! ولذلك يرى أن الأرض لما كان ليس لها فى طبيعتها أن تتحرك لكن تثبت فى مكانها، فانها لا تتحرك لكن مواضع منها توهم ذلك. ٧ — وأما برمانيدس ودمقرطس فانهما يريان أن الأرض لما كان بعدها من الجهات كلها مستوياً، ولم تكن لها علة تدعوها إلى أن تميل إلى جهة من الجهات، لذلك صارت تتموج فقط، ولا تتحرك. ٨ — وأما أنقسمانس فانه يرى فى الأرض أنها من قبل عرضها تسبح فى الهواء. ٩ — ومنهم من قال إن الأرض تتحرك على الماء كما يتحرك على الألواح والخشب فى الأنهار. ١٠ — وأما أفلاطن فيرى أن كل حركة لها ستة أبعاد: فوق، وتحت، ويمين، وشمال، وقدام، وخلف. وغير ممكن أن تتحرك الأرض فى بعد من هذه الأبعاد إذ كان وضعها يوجب أن ليس لها أن تميل وتخص بالميل جهة من الجهات، إلا أن مواضع منها تتحرك بسبب التخلخل. ١١ — وأما أبيقرس فيرى أنه قد يمكن أن يصفقها هواء غليظ وما لا تحت الهواء. فبذلك الصفق والصدم يمكن أن تتحرك. وقد يمكن أن تتحرك بما فى أجزائها السفلية من الطبيعة السياسية فيكون ذلك بالهواء المسحبش فيها، ولاسيما فى المواضع المقعرة التى تقوم مقام الكهوف والمغاور.
(١٦) فى البحر وكيف صار مرا: ١ — أما أنقسماندرس فيقول إن البحر هو بقية من الرطوبة الأولى التى جفف أكثرها، وما بقى منه استحال إلى الاحتراق. ٢ — وأما أنقساغورس فانه كان يرى أن الرطوبة الأولى المجتمعة لما احترقت بدوران الشمس وانعصر الشىء الدسم منه، استحال الباقى إلى ملوحة ومرارة. ٣ — وأما أنباذقلس فيرى أن البحر عرق تعرفه الأرض لما ينالها من إحراق الشمس لاتصال دورها. ٤ — وأما أنطفن فيرى أن البحر هو عرق تحدر عن الحرارة التى انعصر عنها الجوهر الرطب، وذلك يحدث عن كل عرق. ٥ — وأما مطرودرس فيرى أن البحر هو ما بقى مما صفته الأرض من الرطوبة المائية لغلظ جسسمها كما يعرض فيما يصفى بالرماد. ٦ — و〈أما〉 أصحاب أفلاطن فيرون أن الماء الذى 〈هو〉 أسطقس: ما كان منه عن الهواء وما يعرض فيه من البرد كان حلواً، وما كان منه فى الأرض لما يناله من الاحتراق والحرارة يكون مراً.
(١٧) كيف يكون المد والجزر: ١ — أرسطوطاليس وأرقليدس يريان أن المد والجزر يحدثان عن الشمس ان حركت الشمس الرياح، وأزجتها. فاذا انتهى ذلك إلى البحر الذى يسمى الاطلنطيقى كان عنه المد. وإذا صارت هذه الرياح فى النقصان والرجوع كان عنه الجزر. ٢ — وأما فوثأياس
الذى ينسب إلى مساليوطس فانه يرى أن المد يكون بامتلاء القمر وزيادته، وأن الجزر يكون بنقصانه. ٣ — وأما طيماوس فانه يرى أن علة المد 〈هى الأنهار التى تصب فى البحر الأطلنطى، منحدرة من (جبال) الغال، فبانصبابها بشدة ودفعها مياه البحر يحدث المد〉 ويحدث أيضاً [عند] سكونها، فيحدث الجزر. ٤ — وأما سالوقس صاحب التعاليم فيرى أن الأرض تتحرك وتسكن، وأن حركتها وسكونها على قدر دوران القمر والهواء الذى بين الجسمين إذا حدث وصار إلى البحر الذى يسمى أتلنطقوس حدث معه.
(١٨) كيف تكون الهالة: أما تكون الهالة 〈فهو〉 على ما أصف: إن بين القمر والبصر وبين البصر والكوكب آخر هو أغلظ من جنس الضباب والبصر، ينعكس عن هذا الهواء ويتسع ويتهيأ إلى الكواكب فيظهر للبصر أنه دائرة لما ينعكس من الشعاع إلى ذلك الكوكب، فيظهر للبصر أنه مستدير ويسمى هالة؛ ويكون ظهور الدائرة على ما يتخيل فى المواضع الذى منه ينعكس الشعاع 〈الذى〉 عنه كان التأثير فيه.
][ تمت المقالة الثالثة ][
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب المقالة الرابعة من كتاب فلوطرخس فى الآراء الطبيعية
〈بعد أن تجولنا فى أقسام العالم، ها نحن أولاء نصل إلى جزئياته:〉
(١) فى زيادة النيل: ١ — ثاليس يرى أن الرياح الشتوية إذا هبت بمصر من أمامها تزيد فى عظم النيل وسيلانه وانتفاخه بما ينصب إليه من الملح الذى يجرفه. ٢ — وأما أوثامنس المنسوب إلى مصالوطس فانه يرى أن النيل يمتلئ من يجرفه أوقيانوس والبحر الخارج وهو بحر حلو. ٣ — وأما أنقساغورس فيرى أن زيادة النيل من الثلوج التى فى أرض الحبشة: تجمد فى الشتاء، وتذوب فى الصيف. ٤ — وأما ديمقرطس فانه يرى أن الثلوج التى فى آخر الأرض الشمالية تذوب بعد الانقلاب الصيفى وتسيل إلى ناحية الجنوب وإلى مضرب الرياح الشتوية، فيكون منها أمطار شديدة وتمتلئ منها البقايع والبرك ونيل
مصر. ٥ — وأما اردوطس مؤلف الكتب فيرى أن الأنهار تسيل إلى النيل سيلانا متساوياً فى الصيف والشتاء، إلا أن سيلانها يظهر فى الشتاء ظهوراً أقل، لأن فى هذا الزمان تقرب الشمس من الأرض سيما من أرض مصر فينتزع 〈من〉 النيل بخار تنقص به المياه. ٦ — وأما فورس صاحب الاخبار فيرى أن مصر كلها تذوب عرقاً بفعل الصيف فيفيض منها ماء غزير، وأن أرض أرابيا وأرض لوبيه 〈تساعد على هذا نظراً إلى كون التربة مسامية ورملية〉. ٧ — وأما أودقس فانه يحكى عن الكهنة أنهم يقولون إن مياه الأمطار وفصول السنة إذا كان عندنا الصيف ونحن نسكن فيما يلى المنقلب الصيفى، كان عند الذى يسكنون فيما يلى المنقلب الشتوى شتاء، فتجتمع المياه هنالك وتسيل إلى النيل، فتلك زيادة النيل ونقصانه.
(٢) ما حد النفس: ١ — ثاليس أول من قال إن النفس طبيعة دائمة الحركة أو محركة ذاتها. ٢ — وأما بوثاغورس فيرى أن النفس عدد يحرك ذاته،
ويعنى بقوله العدد: العقل. ٣ — وأما أفلاطن فيرى أن النفس جوهر عقلى متحرك من ذاته على عدد ذى تأليف. ٤ — وأما أرسطوطاليس فيرى أن النفس كمال أول لجسم طبيعى آلى ذى حياة بالقوة، ويعنى بقوله: كمالا، الشىء الذى يكون فعلا. ٥ — وأما ديكارخس فانه يرى أن النفس تأليف الأربعة الأسطقصات. ٦ — وأما أسقلبيادس الطبيب فيرى أن النفس هو شىء مع تدرب 〈الحواس〉 وارتياضها.
(٣) هل النفس 〈جسم〉 وما جوهرها: ١ — إن هؤلاء الذين ذكرناهم كلهم يضعون أن النفس ليست بجسم، ويقولون إنها طبيعة محركة ذاتها، وإنها جوهر عقلى، وإنها كمال للجسم الطبيعى الآلى الذى هو 〈حى〉 بالقوة ٢ — وأما أصحاب أنكساغورس فانهم يرون أن النفس هوائية، ويقولون فى البدن أيضاً إنه مثل ذلك. ٣ — وأما أصحاب الرواق فانهم يرون أن النفس روح. ٤ — وأما دمقرطس فيرى أن النفس امتزاج بين الأركان المدركة عقلا التى شكلها كرى وقوتها نارية وهى أجسام. ٥ — وأما أفيقورس فيرى أن النفس تمزج من كيفيات أربع: من كيفية هوائية، وكيفية روحية،
وكيفية أرضية رابعة لا اسم لها. ٦ — وأما أروقليطس فيرى أن نفس العالم بخار من الرطوبات التى فيه، وأما نفس الحيوانات فمن البخار الذى من خارج والبخار الذى من داخل المجانس له.
(٤) فى أجزاء النفس: ١ — إن فوثاغورس وأفلاطون كانا يقولان على القول الأول إن النفس 〈ذات〉 جزئين: أحدهما نطقى، والآخر لا نطق له. فأما على القول الأقرب الذى هو أكثر استقصاءاً فانهما يريان أن النفس ذات ثلاثة أجزاء؛ وذلك أنهما يقسمان جزء النفس الذى لا نطق له قسمين: وهما الحرد، والشهوة. ٢ — وأما أصحاب الرواق فانهم يرون أن أجزاء النفس ثمانية: خمس منها الحواس الخمس: وهى البصر والسمع والشم والذوق واللمس؛ والصوت، والتوليد، والرئيس الذى يرتب هذه كلها على الآلات التى تخصها مثل انتساج رجل الحيوان المسمى كثير الأرجل. ٣ — وأما دمقرطس وأفيقرس فانهما يريان أن النفس ذات جزئين، وأن جزءها المنطقى مركوز فى الصدر، وجزءها الذى لا نطق له منبث فى جميع امتزاج البدن. ٤ — وأما دمقرطس فانه يرى أن النفس موجودة فى جميع الأشياء حتى وفى الأجسام الميتة، ولذلك فيها شىء مضىء حار حساس بعد أن قدانفش منها أكثر ذلك.
(٥) فى الجزء الرئيس من اجزاء النفس: ١ — أما أفلاطن ودمقرطس فانهما يريان أن الجزء الرئيس فى الكل الرأس. ٢ — وأما أسطراطن فانه يرى أنه فيما بين الحاجبين ٣ — وأما إرسسطرطس فانه يرى أنه فى الأماكن التى نسميها إيقرنيدا. ٤ — وأما إروفلس فانه يرى أن الجزء الرئيسى فى التجويف الذى فى الدماغ الذى هو قاعدة له. وأما ٥ — برمنيدس وأفيقرس فيريان أنه فى كل الصدر. ٦ — وأما أصحاب الرواق كلهم فيرون أنه فى كل القلب أو فى الروح الذى فى القلب. ٧ — وأما ذيوجانس فيرى أنه فى التجويف الأيسر من تجويفى القلب، وهو التجويف الذى يسمى روحى. ٨ — وأما أنباذقليس فيرى أن ذلك فى الدم 〈ومنهم من يرى أنه فى عمق القلب؛ ومنهم من يرى أنه فى الغشاء الذى على القلب〉. ومنهم من يرى أنه فى الحجاب.
نفسه. وقوم من الحدث يرون أنه ينبعث من الدماغ إلى الحجاب. ١٠— وأما بوثاغورس فيرى أن قوة الحياة فى القلب، وقوة النطق والعقل فى الدماغ.
(٦) فى حركة النفس: ١ — أما أفلاطون فيرى أن النفس دائمة الحركة، وأن العقل غير متحرك حركة الانتقال. ٢ — وأما أرسطوطاليس فيرى أن النفس غير متحركة، وأنها تتقدم كل حركة، ولها من الحركة العرضية مثل ما للأجسام من الصور.
(٧) فى بقاء النفس: ١ — بوثاغورس وأفلاطون يريان أن النفس غير فاسدة، وأنها إذا فارقت البدن تصير إلى النفس الكلية المجانسة لها. ٢ — وأما الرواقيون فيرون أن النفس إذا فارقت البدن: أما الضعيفة فتبقى مع الأشياء التى تعلق بها، وهذه هى أنفس من لا أدب له؛ وأما النفوس القوية، وهى أنفس العلماء، فانها تصير إلى الجوهر المستدير. ٣ — وأما دمقرطس وأفيقرس فيريان أن النفس فاسدة تفسد مع البدن. ٤ — وأما بوثاغورس وأفلاطون فيريان أن الحى والناطق من النفس غير فاسد وأن النفس ليست الإله ولكنها فعل الإله السرمدى. وأما جزؤها الذى ليس بناطق فانه فاسد.
(٨) فى الحواس والمحسوسات: ١ — إن أصحاب الرواق يحدون الحواس بهذا الحد: إن الحس هو إدراك المحسوسة أو انطباعها. فان العقل والتخييل هى إدراك يكون بالحواس وبالعضو الرئيسى نفسه؛ ومن هذه الجهة قيل فى الروح المنبعث من العضو الرئيسى إلى الآلات إنه حواس. ٢ — وأما أصحاب أفيقرس فيرون أن الحواس اشتراك النفس والبدن فى إدراك الأشياء التى من خارج، وأن القوة للنفس والآلة للبدن؛ وأن جميعهما بالتخييل يدركان الأشياء الخارجة. 〈٣— وقال أفلاطون إن الحواس اشتراك النفس والبدن فى إدراك الشىء الذى من خارج: وإن القوة للنفس والآلة للبدن؛ وكلاهما يدرك الشىء الذى من خارج عن طريق الفنطاسيا، أى الخيال〉. ٤ — وأما لوقبس ودمقرطس فيريان أن الوهم والحس يكونان بصور تصير إلينا من خارج، وأنه لا يقع فى أنفسنا شىء إلا ما صارت إلينا صورته من خارج.
(٩) هل الحواس والتخيلات حق: ١ — أما أصحاب الرواق فيرون أن الحواس حق، وأن التخيلات منها حق ومنها باطل. ٢ — وأما أفيقرس فيرى أن كل حواس وكل تخيل حق، وأن من الآراء ما هو حق ومنها ما هو باطل، وأن الحواس يقع لها الخطأ من جهتين: وذلك أن التخييل قد يكون فى الأشياء
المحسوسة والأشياء العقلية. ٣ — وأما أنباذقليس وأرقليدس فيريان أن الحواس تكون من اعتدال القوى الجزئية وتركيب كل واحد من المحسوسات فيها.
(١٠) كم الحواس: ١ — الرواقيون يرون أن الحواس الخاص خمس، وهى: البصر، والسمع، والشم، والذوق، واللمس. ٢ — وأما أرسطوطاليس فانه لا يوجد حاسة سادسة لكنه يقول بحاسة مشتركة مميزة الصورة المركبة تؤدى إليها الحواس البسائط كلها تخييلات كل واحد منها، ويميل أحدها إلى الآخر ميل السفل الذى فى الأشكال والحركات. ٣ — وأما دمقرطس فيرى أن الحواس كثيرة، وأنها موجودة فى الحيوان الحكيم والإله.
(١١) كيف تكون الحواس والفكر والنطق الفكرى: ١ — إن الرواقيين يرون أنه إذا ولد الإنسان كان له جزء النفس الرئيس، ويكون كالقرطاس المحكم الصناعة المهيأ الذى فيه تهيؤ لقبول الكتابة فليكتب فيه كل واحد من الأفكار. ٢ — وأول طريق الكتابة فيه هو ما فيه من الحواس. فانا إذا رأينا إنساناً أسود ثم غاب عنا، كان ذكره باقياً عندنا. وإذا اجتمعت لنا تذاكير كثيرة متشابهة فى النوع، عند ذلك يكون لنا حنكة. والحنكة هى التدرى من كثرة ملابسة الأشياء فى النوع. ٣ — والأفكار منها ما يكون طبيعياً على الجهات التى ذكرنا بلا احتيال، ومنها ما يكون بالتعليم والتقليد، وهذه تسمى أفكاراً فقط، وتلك تسمى إدراكاً وتصويرات. ٤ — والنطق الذى به سمينا ناطقاً إنما يتم بهذه التصويرات التى تتم فى الأسبوع الأول من أسابيع الشهر؛ وأما الفكر فهو تخييل عقل موجود فى حيوان ناطق، فان التخييل إذا كان فى نفس ناطقة سمى فهماً. ٥ — فكان هذا الاسم مشتقاً فى لغة اليونانيين من العقل، وذلك أن الحيوان الذى ليس بناطق تقع له تخييلات. فأما الناس فقد تقع لهم تخييلات
من الأجناس والأنواع وهى أفكار. وكذلك مثل الدنانير والدراهم، فانها فى أنفسها تسمى دنانير ودراهم، فمتى دفعت إلى ملاح فى كرى سفينة سميت — مع ما تسمى دنانير ودراهم — أجرة السفينة.
(١٢) ما الفصل بين التخيل والمخيل: ١ — خروسبس يرى أن بين التخيل والمخيل والخيال فصولا، والتخيل هو تأثير واقع فى النفس، بين فى ذاته، الفاعل له مثل ما إنا إذا رأينا ألا نبصر بأعيننا، كان بصرنا له تأثيراً فى النفس نبصر إليها بالبصر. وهذا التأثير له موضوع يحركنا وهو الأبيض؛ وكذلك فى النفس وفى الشم. ٢ — وسمى التخيل تخييلا فى اللغة اليونانية من الضياء، فانه مشتق فيها منه. وكما أن الضياء يرى كل ما فيه وكل ما يحتوى عليه، كذلك يرى التخييل ذاته والفاعل له. ٣ — وأما المخيل فهو الفاعل للتخييل مثل الأبيض والبارد وكل ما يقدر 〈أن〉 يحرك النفس. ٤ — وأما المخيل فانه تحدث إلى النفس يجرى مجرى الأباطيل، يصير إليها من التخيل مثل الذى يصارع الأظلال ويروم أن يمسكها بيده، والمخيل له موضوع ما وهو المتخيل وأما التخيل فلا موضوع له. ٥ — وأما الخيال فهو الشىء الذى ينجلب إليه بالتخيل الباطل، وهذا يكون فى الذين بهم الوسواس السوداوى والجنون والذين بهم جنون. وقد شهد على ذلك أرسطس المنسوب إلى طراغيقوس لما قال فى شعره:
«يا أماه! أتضرع إليك فى أن أسلم من العذارى الدموية الأفعوانية فانها حولى تكاد أن تبتلعنى». وهو يقول هذا القول على أنه عند نفسه صحيح لا علة به وهو لا يبصر شيئا من ذلك، لكنه يظن ظناً فقط. ولذلك قالت له ايلقطرا «يأيها الشقى! اسكن فى جنانك، فانك لا تبصر شيئا مما تظن أنك تراه رؤية بينة». وكذلك عرض للرجل الذى يقال له ثاوقلومانس الذى ذكره أوميروس الشاعر.
(١٣) فى البصر: ١ — دمقرطس وأبيقرس يريان أن القوة البصرية 〈تكون بتخيلات تنبعث وتتلقى فى الشعاع البصرى ثم ترتد إلى العين بعد أن يثبت الموضوع المبصر. ٢ — أما أنباذقليس فيقول إنه〉 يكون بتخيلات تتصور فى الشعاع البصرى وتخالط الأمثلة التى تتصور فيه. وسمى المجتمع من ذلك: ذو تماثيل. ٣ — وأما ابرخس فيرى أن الشعاعات تخرج من كل واحد من العينين وتنبسط فتلقى المبصرات على نهاياتها، فيكون كالأيدى التى تلمس ما كان خارجاً عن البدن وتؤدى إلى القوة البصرية. ٤ — وأما أفلاطن
فيرى أن البصر يكون باشتراك الضوء البصرى بالضوء الهوائى وسيلانه فيه بالمجانسة التى بينهما، وأن الضوء الذى ينعكس عن الأجسام ينبسط فى الهواء لسيلانه وسرعة استحالته، فيلقى الضياء النارى البصرى. وهذا الرأى يسمى اجتماع الضياء الأفلاطونى.
(١٤) فى التماثيل التى تبصر فى المرائى: ١ — أنباذقليس يرى أن التماثيل التى تبصر فى المرآئى تكون بسيلان شعاع من البصر إلى بسيط المرآة، ويظهر بسيلان ذلك الشعاع من بسيط المرآة فى الهواء ورجوعه إلى البصر. ٢ — وأما 〈ديمقريطس〉 وأبيقرس فيرى أن التخييلات التى ترى فى المرايا تظهر فيها على صورة انطباع التماثيل فى الأشياء التى تنطبع فيها، وذلك يكون فى المرآة على سبيل الرجوع إليها. ٣ — وأما أصحاب بوثاغورس فيرون أن ما يرى فى المرايا إنما يرى فى الانعكاس وأن البصر يمتد إلى المرآة وهى متكاثفة ملساء فيرجع على ذاته مثل رجوع الساعد على العضد بعد امتداده. ٤ — وقد يجوز أن تستعمل هذه الأقاويل كلها فى الجواب عن مسئلة السائل إذا سأل فقال: كيف يكون البصر؟
(١٥) هل الظلمة مبصرة: ١ — يرى الرواقيون أن الظلمة مبصرة لأنه يخرج من البصر شعاع لا يكذب فانه قد نبصر شيئاً نعلم أنه ظلام. ٢ — أما خروسبس فيرى أن البصر بمشاركة الهواء المنبسط المتوسط بين الناظر والمبصر وانبعاث الروح الذى يسمى الرئيس الذى ينتهى إلى الحدقة ويبسط فى الهواء الذى يلقى بصورة الصنوبرة إذ كان الهواء مشابه بعضه ببعض. وقد ينبعث بكون الظلام مبصراً.
(١٦) فى السمع: ١ — أنباذقليس يرى أن السمع يكون بتصادم يكون بين الهواء والجزء العنصر وفى مؤخر الأذن، وأن ذلك الهواء يدخل الأذن فى صورة الصنوبرة ويصادمها. ٢ — وأما ألقماون فيرى أن سمعنا يكون بالخلاء الذى
يكون فى داخل الأذن، وأن الدوى الذى ربما سمعناه فى الأذن إنما نسمعه لهذه العلة فان كان خلاء، يكون فيه دوى. ٣ — وأما ديوجانس فيرى أن الهواء الذى فى الرأس إذا صدمه الصوت تحرك فكان منه السمع. ٤ — وأما أفلاطون وشيعته فيرون أن الهواء الذى فى الرأس يصدمه الهواء الخارج، فان عطف إلى العضو الرئيس كان من ذلك حس السمع.
(١٧) فى الشم: ١ — ألقماون يرى أن العضو الرئيس يكون فى الدماغ، وأنه يكون به الشم وأنه يجذب الروائح بالتنفس. ٢ — وأما أنباذقليس فيرى أن الحركة تكون بممازجة هواء التنفس ببخار الشىء المشموم. فاذا كان التنفس غليظاً لسبب ثخنها لم نحس بالرائحة، كالذى يعرض فى المزكوم إذا لم يحس بالأراييح.
(١٨) فى الذوق: ١ — ألقماون يرى أن الذوق يكون بممازجة الجوهر الرطب والفاتر الذى فى اللسان بالجوهر الرطب الذى فى الشىء الذى يذاق. ٢ — وأما ديوجانس فيرى أن الذوق يكون بالتخلخل واللين الذى فى اللسان بالعروق التى تنبعث إليه من الفم، وبالرطوبات التى تبسط منه، فانها تنجذب إلى آلات الحس والعضو الرئيس كما تنجذب الرطوبة بالاسفنج.
(١٩) فى الصوت: ١ — إن أفلاطن يرى ويحد الصوت بأنه روح يخرج من الفم ينبعث عن الفكر يحركة تقرع الهواء وتصير إلى الأذنين والدماغ وتنهى إلى النفس.وقد يقال الصوت أيضاً باشتباه على الحويان الذى لا نطق له.
وعلى ما لا نفس له مثل الصهيل والقعقعة والنهيق والنباح. فأما الصوت الحقيقى فهو الصوت المفهوم الذى يستبين به الفم. واشتقاق الصوت فى لغة اليونانيين من الاستنارة. ٢ — وأما أبيقرس فيرى أن الصوت هو سيلان المتشابهة الأشكال وتصادمها. ويعنى بقوله: «متشابهة الأشكال»: المستديرة مع المستديرة، والمعوجة مع المعوجة، والمثلثة مع المشابهة لها. فاذا انتهت هذه إلى السمع كان منها حس الصوت. ويرى أن الدليل على ذلك فى نفخ الزقاق ونفخ القصارين الماء على الثياب التى يدقونها. ٣ — وأما دمقرطس فيرى أن الهواء أيضاً يتشكل بأشكال الأجزاء التى لا تتجزأ بالصوت حتى يكون عنه. فانه يقال فى ذلك: «إن العقعق يستند إلى العقعق حتى كل يقعد إلى شبهه». وقد يوجد على شاطئ البحر الحصى المتشابهة مجتمعة فى مكان واحد وكذلك فى الغربال فان الأشياء المختلفة إذا غربلت تميز بعضها من بعض حتى يصير الباقلاء على حدته والحمص على حدته. ٤ — ولقائل أن يقول لقولى: كيف يتهيأ أن تكون أجزاء يسيرة من الهواء تملأ مسافة ألوف من الناس. ٥ — وأما أصحاب الرواق فيرون أن الهواء ليس مؤلفاً جزءاً جزءاً، لكنه متصل مختلف ولا خلاء فيه. فاذا صدمه الروح تموج وكانت أمواجه مستديرة قائمة لا نهاية لها، ملأ الهواء المحتمل عليها، مثل البركة التى يلقى فيها حجر فتتحرك حركة استدارية ويتحرك الهواء حركة كرية. ٦ — وأما أنقساغورس فيرى أن الصوت يكون عن روح تصدم هواء غليظاً، فترجع الصدمة إلى المسامع عن هذا الصدر، فيكون الصدى.
(٢٠) كيف الصدى وما الصوت: ١ — بوثاغورس وفلاطن وأرسطاطاليس يرون كلهم أن الصوت ليس بجسم، وأنه عرض فى الهواء؛ وأن الشكل الذى
يعرض فى الهواء ويبسط بتكثف الصدمة، يكون عنه الصوت: فكل بسيط فهو لا محالة لا جسم، مثل العصا التى تنحنى. فان البسيط لا يعرض له شىء، ولكن العنصر ينحنى. ٢ — وأما الرواقيون فيرون أن الصوت جسم، لأنهم يقولون إن كل فاعل وكل منفعل فهو جسم فان الصوت يفعل، فانا نسمعه ونحس بملاقاته السمع وقرعه إياه كالتقصار التى يصوت بها على الشمع. ٣ — وأيضاً يقولون إن كل محرك ومؤذ فهو جسم، وألحان الموسيقى وأيضاً كل متحرك فهو جسم، والصوت يتحرك ويصدم المواضع اللينة ويرجع عنها مثل الكرة التى يضربها الحائط. ويقال إن الأشكال النارية التى بمصر إذا صوت فى داخلها صوت واحد حدث عنه ألحان أربعة أو خمسة.
(٢١) كيف تحس النفس وما جوهرها النفىس: ١ — الرواقيون يقولون إن جزء النفس الرئيسى هو أعلى أجزائها، وهو الذى يفعل التخييلات والتواطؤ والانبعاث؛ ويسمونه فكراً. ٢ — ولهذا الجزء الرئيسى سبعة أجزاء تنبعث من النفس وتنبسط فى البدن، كما ينبعث من الحيوان الذى يسمى كثير الأرجل أرجله التى تسمى ضفائر. وأجزاء النفس السبعة: خمسة منها هى الحواس الخمس وهى البصر والسمع والشم والذوق واللمس. ٣ — فالبصر هو روح ينبسط من الجزء الرئيسى إلى العينين، والسمع هو روح ينبعث من هذا الجزء إلى الأذنين، والشم هو روح ينبعث من هذا الجزء إلى المتخزين، والذوق هو روح ينبعث
من هذا الجزء إلى بسيط البدن. ٤ — وأما أجزاء النفس الباقية فمنها ما يسمى منباً وهو أيضاً روح ينبعث من الجزء المدبر إلى الأوعية التى تسمى باراسطاطن. ومنها ما يسميه زينون المصوت وهو الذى يسمونه صوت، وهو روح ينبسط من العضو الرئيس إلى الحنك واللسان والآلات التى تخصه. ٥ — وهذا الجزء كما أنه فى هذا العالم فى شكل كرى؛ كذلك هو فى ابتدائنا فى شكل كرى.
(٢٢) فى النفس: ١ — أنباذقليس يرى أن أول تنفس الحيوان يكون للجنين إذا زالت الرطوبة عن أعضاء التنفس بعض الزولان حتى يصير للهواء الخارج طريق فيما يفتح من الأوعية. وما بعد ذلك فهو خروج الحرارة الغريزية إلى خارج. والجوهر الهوائى يعصر للخروج، فينقبض للتجديد والدخول. ٢ — ويكون مع ذلك انبساط الدم، ومثله إلى نسبة البدن وعصره ما يدخل، ودفعه الفضل إلى خارج، وانعطافه فى الخلل الذى فى الدم؛ فمن هذا يكون التنفس. ويذكرنا فى ذلك ما نراه فى القطرات يقطر عنها الماء. ٣ — وأما أسقلبيادس فيقيم الروح مقام القمع، ويرى أن علة التنفس هى اللطاقة التى فى الصدر التى يسيل فيها الهواء من خارج ويفسد إذا غلظ. وأىضاً يندفع إذا لم يقدر الصدر على أن يقبل شيئاً ولا يصبر لإمساك شىء. فاذا بقى فى الصدر جوهر لطيف يسير، لأنه لا يقدر أن يحل كل ما يصير إليه من خارج ما يمده. ٤ — وذلك شبيه بما يعرض فى المحاجم. وأما التنفس الذى يكون باختيار فيقول إنه يكون إذا اجتمعت أعضاء الصدر وضاقت حلق قصبة الرئة 〈لأنها طوع إرادتنا. ٥ — أما هيروفيلوس Herophilus فهو يرى أن القوى المحركة للأجسام هى فى الأعصاب والشرأيين والعضلات؛ إذ يقول
إن الرئة هى التى تحتاج وحدها إلى الانبساط والانقباض، ومن ثم بقية الأجزاء. ٦ — لكنه من شأن الرئة أن تستمد الهواء من الخارج مما امتلأ به الصدر، ثم تنقبض باشهاء آخر مستنشقة الهواء؛ وكذلك لما أن تمتلئ به بكل ما فى طاقتها، فانها تصب فى داخل الرئة كل ما يزيد عن حاجتها، فيطلق إلى الخارج نافذاً فى أجزاء البدن. ٧ — لأنه حينما يحدث انبساط فى الرئة، يحدث انقباض فى الصدر〉 فيكافئان فى الفعل، وينوب كل واحد عن الآخر فيه، وعند الامتلاء والتفرغ؛ فيكون للرئة أربع حركات الأولى منها هى التى بها تقبل الهواء الخارج، والثانية هى التى بها توجه ما دخل إليها من المنافذ واثنان من هذه الحركات هما انبساط إحداهما التى من خارج، والأخرى التى من الصدر؛ واثنان هما انقباض أحدهما إذا جذب الصدر من الرئة، والأخرى إذا خرج عنه. واثنان من هذه تكون فى الصدر: إحداهما انبساط فذلك يكون إذا جذب من الرئة، والأخرى انقباض فهى إذا خرج ما كان جذب.
(٢٣) فى الاعراض الجسمانية وهل تعلم النفس بها: ١ — أما الرواقيون فيرون أن الانفعالات والآلام تكون فى المواضع التى تأتيها التأثيرات. وأما الحواس فانها تكون فى الجزء الرئيس. 〈٢ — أما أبيقورس فيرى أن كلا من الانفعالات والحواس تكون فى المواضع التى تأتيها التأثيرات. لأن الجزء الرئيسى من النفس〉 لا يقبل الانفعالات. ٣ — وأما أسطراطون فانه يرى أن الانفعالات التى للنفس والحس جميعاً فى العضو الرئيس، لا فى الأعضاء المنفعلة؛ وأن الضيق والاجتماع بها يكون مثل الذى يعرض فى الأشياء المؤلمة المؤذية، ومثل الذى يعرض فى القوم الذين معهم حدة وجلد، وفى الذين معهم خير وجود.
تمت المقالة الرابعة وتليها المقالة الخامسة
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب المقالة الخامسة من كتاب فلوطرخس فى الآراء الطبيعية
(١) فى كالكهانة: [والكهانة عندهم هى العلم الذى لا يتعلم مثل الإلهام، وكذلك العرافة والوحى]. ١ — إن أصحاب الرواق وأفلاطن يقولون بالكهانة من قبل الجوهر الإلهى الخامس الذى هو مبصر، ومن قبل الإلهية النفس وهو الذى يسمى الوحى. ومنها ما يكون بالرؤيا، ومنها ما يكون بزجر الطير. وهذه أجزاء العرافة كلها. ٢ — أما كسنوفانس وأبيقورس فانهما يبطلان العرافة ألبتة. ٣ — وأما بوثاغورس فانه لا يرى أمر الذبائح وحده. ٤ — وأما أرسطوطاليس وديفارخس فانهما يقبلان ما كان على طريق الوحى وحده وعلى طريق الرؤيا، ولا يرون أن النفس ليست ميتة، لكن منها شىء من الأمر الإلهى.
(٢) فى الرؤيا: ١ — دمقرطس يرى أن الرؤيا تكون بحضور أمثلة الأشياء. ٢ — وأما اسطراطون فيرى أن ذلك من طبيعة الفكر التى تكون فى النوم، فانها تكون فى النوم أقوى حساً وتتحرك حركة علمية. ٣ — وأما أروفلس فيرى أن من الرؤيا ما هى على طريق الوحى من الإله وأنها ضرورية؛ وأن منها طبيعية، وذلك إذا تصورت النفس ما لها فيه من الصلاح، وما يتبع ذلك منها يكون الشىء
من تلقائه وتخلقه فى النفس مثل رؤيتنا ما نشتهى، كالذين يرون معشوقهم فى النوم.
(٣) ما جوهر المنى: ١ — أما أرسطوطاليس فيرى أن المنى هو الشىء الذى يقدر أن يحرك ذاته ليعمل شيئاً مثل الذى عنه انبعث. ٢ — وأما بوثاغورس فيرى أن المنى رغوة من الذى هو فى غاية الجودة، فانه فضل عن الغذاء؛ ويجرى فى العضل مجرى الدم والمخ. ٣ — وأما ألقماون فيرى أنه جزء من الدماغ. ٤ — وأما أفلاطن فيرى أن سيلان من النخاع. ٥ — وأما أبيقرس فيرى أنه شىء منتزع من النفس والبدن. ٦ — وأما دمقرطس فانه يرى أن المنى من البدن كله، والأعضاء الرئيسة من اللحم والليف.
(٤) هل المنى جسم: ١ — أما لوقبس وزينون فيريان أن المنى جسم، وهو منتزع من النفس. ٢ — وأما بوثاغورس وأفلاطن وأرسطاطاليس فيرون أن قوة المنى ليست بجسم، لكنها بالفعل متحرك، وأن العنصر السائل جسم. ٣ — وأما اسطراطون ودمقرطس فانهما يريان أن القوة أيضاً جسم، لأنها روحانية.
(٥) هل ينبعث من الاناث منى: ١ — بوثاغورس وأبيقرس ودمقرطس يرون أن للأناث منياً ينبعث، لأن لهن آلات تسمى بارسطاطس، وأنها منقطعة إلى داخل؛ ولذلك صار لهن شهوة فى الاستعمال. ٢ — وأما أرسطوطاليس وزينون فيريان أنه ينبعث من الإناث عنصر رطب كالعرق الذى يسيل من الرياضة، وأما منى منهضم نضج — فلا. وأما إبون فانه يرى أن
الإناث لهن منى ليس بدون 〈ما〉 للذكورة، لكنه لا ينتفع به فى الحياة، لأنه يسيل خارج الرحم، ولذلك بعض النساء سراً ما يخرج منهن من غير ملاقاة الرجال، ولا سيما الأرامل منهن؛ وأن العظام من منى الرجال، واللحم من منى المرأة.
(٦) كيف يكون الحبل: ١ — أما أرسطوطاليس فيرى أن الحبل يكون إذا كان الرحم متحدياً بالتنقية، وكان دم الحيض قد حدث من جملة البدن المقدار الموافق، فخالط الدم النقى، حتى يقوم مقام منى الذكر. ٢ — وأن الحبل لا يكون إذا لم يكن الرحم نقياً، أو كان فيه رياح أو عرض فرح أو حزن أو ضعف من النساء وتحلل من الرجال.
(٧) كيف يكون تولد الذكر والأنثى: ١ — أنباذقليس يرى أن كون الذكر والإناث عن الحرارة والبرودة. ولذلك يقول فى الأخبار: إن فى القديم كان تولد الذكر فى الشرق والجنوب أكثر، وتولد الإناث فى الشمال. ٢ — وأما برمانيدس فكان يقول بعكس ذلك، وهو أن فى الشمال تولد الذكورة أكثر، لأن التكاثف فيها أشد، وولادة الإناث فى الجنوب أكثر للتخلخل. ٣ — وأما إيون فيرى أن ذلك يكون عن قوام المنى وصلابته وسيلانه وضعفه. ٤ — وأما أنقساغورس وبرمانيدس فيريان أن ما يأتى من الناحية اليمنى من الرحم ينصب إلى الناحية اليسرى من الرحن، وما يأتى من الناحية اليسرى ينصب إلى الناحية اليمنى؛ وإن تغير ذلك وانبدل كان عن ذلك توليد الإناث. ٥ — وأما فلوفانيوس الذى ذكره أرسطوطاليس فيرى أن ذلك بانصباب المنى من البيضة اليمنى والبيضة اليسرى.
٦ — وأما لوقبس 〈فيرى أن ذلك يكون تبعاً لتبادل الأعضاء، فالذكر له القضيب، والأنثى لها الفرج؛ ولكنه لا يقول أكثر من ذلك. ٧ — وأما ديمقريطس〉 فيرى أن الأعضاء المشتركة تكون عن أى شىء اتفق، وأما الأعضاء الخاصة فعلى قدر القوة الغالبة. ٨ — وأما ابون فيرى أنه إن غلب المنى كان عن ذلك الذكر وإن غلب الغذاء كان عن ذلك الأنثى.
(٨) كيف يكون الممسوخون: ١ — أما أنباذقليس فيرى أن الممسوخين تكون من زيادة المنى أو من نقصانه، أو من اضطراب الحركة، أو من انقسامه إلى أجزاء كثيرة أو من مثله إلى جزؤ واحد. فعلى هذا الطريق يأتى الجواب فى أمر الممسوخين كله. ٢ — وأما اسطراطون فيرى أن ذلك من زيادة، أو نقصان، أو من انتقال وضع، أو من رياح. ٣ — وقوم من الأطباء يرون أن ذلك يكون من انقلاب الرحم بالرياح.
(٩) لماذا يتهيأ (للمرأة) أن تواقع كثيرا فلا تحبل: ١ — أما ديقلس الطبيب فيرى أن ذلك: إما من قبل بعض الناس لأنه لا يبدو منه منى، وأن بعضهم يكون الذى يبدو منه يسيراً أقل مما يحتاج إليه؛ وإما من قبل القوة المحيية لا تكون فيه؛ 〈و〉إما من قبل نقصان حرارة أو برودة أو رطوبة أو يبوسة؛ وإما من قبل تخلخل الأعضاء. ٢ — وأما الرواقيون فيرون أن ذلك من قبل ميلان القضيب، فلا يقدر أن يخرج المنى على استقامة؛ وإما من قبل اختلاف فى المزاج 〈بين〉 الأعضاء، وبعد بعضها من بعض. ٣ — وأما أرسطراطوس.
فيرى أن ذلك من قبل الرحم إذا كان فيه تكتل ولحم نابت، أو كان أكثر تخلخلا من المقدار الطبيعى، أو كان أصغر مما يحتاج إليه.
(١٠) كيف التوأمان والثلاثة: ١ — أما أنباذقليس فيرى أن التوأمين والثلاثة يكونان من قبل زيادة المنى وقوته. ٢ — وأما اسقلبيادس فيرى أن ذلك من قبل جودة المنى كما هى الحال فى سنابل الشعير قد يوجد منها الزوج والثلاثة معاً، حينما تكون البذور فائقة الجودة. ٣ — وأما ارسطراطوس فيرى أن ذلك من قبل الحبل الذى يعرض فى الحيوان الذى لا نطق له، وأن الرحم إذا كان نقياً صار فيه حبل بعد حبل. ٤ — وأما الرواقيون فيرون أن ذلك من قبل مواضع الرحم: فاذا تفرق فى تلك المواضع المتفرقة صار فى الأول منها والثانى — عن ذلك — حبل يتوأمين أو ثلاثة.
(١١) كيف تكون المشابهة بالآباء والاجداد: ١ — أنباذقليس يرى أن المشابهة تكون على قدر غلبة منى الأبوين؛ وخلاف المشابهة متكون من قبل انحلال الحرارة التى فى المنى وانفساساتها. ٢ — وأما برمانيدس فيرى أن المنى إذا كان فى الجهة اليمنيى من الرحم كانت المشابهة بالآباء؛ وإذا كان فى الجهة اليسرى كانت المشابهات بالأمهات. ٣ — وأما الرواقيون فيرون أن المنى والمشابهة للآخر تأتى من البدن كله، وتخلق بصورة الآباء ومثالاتهم، مثل مصور يصور بأصباغ بأعيانها صوراً مشابهة للصور التى ترى. ٤ — وإن النساء ينبعث منهن منى، فان غلب منى المرأة كانت المشابهة بالأم، وإن غلب منى الرجل كانت المشابهة بالأب.
(١٢) كيف صار كثير من المولودين يشبهون قوما آخرين ولا يشبهون آباءهم: ١ — أما كثير من الأطباء فيرون ذلك بالاتفاق، ويكون الشىء من تلقائه، وذلك أنه إذا جف منى الرجل والمرأة وبرد — كان أولادهم لا تشبههم. ٢ — وأما أنباذقليس
فيرى أن تصوير الأجنة بعد أن تحمل والصورة التى تقع لها فى الحبل، فان كثيراً ما هو فى النساء صور تماثيل وأصنام فولدن أولاداً مشابهة لصورها. ٣ — وأما أصحاب الرواق فيرون أن ذلك لمشاركة بين الفكر وبين المادة المنصبة، وأن مشابهة بعضهم ببعض تكون على قدر انبعاث الشعاعات لا انبعاث الصور.
(١٣) كيف يكون الرجال عقماء والنساء عقرا: ١ — إن الأطباء يقولون إن النساء يصرن عقراً من حلقة الرحم إما بأن يكون كثير التخلخل، وإما بأن يكون كثير التكاثف، وإما من قبل صلابة فيه، وإما من قبل زوائد تتولد فيه، وإما من قبل صغر مقداره، وإما من قبل فساد غذائه، وإما من قبل اضطراب فيه. ٢ — وأما دوقليس فيرى أن الرجال يكونون عقماء إما من قبل بعضهم أنه لا ينزل شيئاً ألبتة، وإما من قبل أن المنى قليل أقل من المقدار الذى يحتاج إليه، وإما من قبل أن المنى غير منجب، وإما من قبل انحلال الأعضاء، وإما من قبل ميلان فى القضيب فلا يقدر أن يؤديه على استقامة، وإما من قبل أن آلة الرجل تتخالف، لأن الرحم بعيد عنه. ٣ — وأما الرواقيون فرأيهم فى ذلك تخالف المجتمعين فى ميولهم وكيفياتهم، فاذا عرض أن
يفترق بعضهم من بعض ويجتمعون مع آخرين مشابهين لهم فى المزاج، يصير إلى حال طبيعية فينفعل منهم الجنين.
(١٤) لم صار البغال عقرا: ١ — أن ألقماون يرى أن الذكور من البغال لا ينتجون من قبل رقة منيهم وبرد فيه. وأما الإناث فمن قبل 〈أن〉 أرحامهن تكون غير متفتحة، فانه كذا قال. ٢ — وأما أنبا ذقليس فيرى أن ذلك من صغر أرحامهن وانخماصها وضيقها واعوجاجها، وأن وضعها فكالوضع للبطن، وأن المنى لا يصير إليها على استقامة ولا يبلغ الموضع الذى يحتاج إليه فيه. — ٣ — وديوقلس يشهد بأنه قد رأى فى تشريح البغال أرحاماً على هذه الصورة. وقد يمكن أن تكون النساء عقراً لمثل هذه العلة.
(١٥) هل الجنين حيوان: ١ — أما أفلاطن فيرى أن الجنين حيوان، لأنه لا يتحرك فى الجوف ويغتذى. ٢ — وأما الرواقيون فيرون أنه جزء من البطن، وأنه ليس حيواناً. ويقولون: كما أن الثمار هى أجزاء من النبات، فإذا نضجت تنتثر عن الأشجار، فكذلك الأجنة. ٣ — وأما أنباذقليس فليس يرى أن الجنين حيوان، لكنه متنفس فى الجزء، وأن أول تنفسه فى وقت الولادة، وذلك إذا فارقته رطوبة، وخالطه هواء من خارج فى الأعضاء التى قد تفتحت. ٤ — وأما ذيوجانس فيرى أن الأجنة تولد ولا نفس لها، لكن فيها حرارة ولذلك إذا انبسطت الحرارة الغريزية حتى تصير إلى الرئة فعلى المكان يجتذب الهواء. وأما ايروفيلس فيوجب للأجنة حركة طبيعية لا روحانية، ويجد لحركتها علة وتكون حيوانات إذا انبسطت الحرارة فيها وجذبت الهواء.
(١٦) كيف تغتذى الأجنة: ١ — دمقرطس وأفيقرس يريان أن الجنين
فى الرحم يغتذى بفمه؛ ولذلك إذا ولد فعلى المكان يصير بفمه إلى الثدى، ويرى أن فى الرحم شبيهاً بحلم الثديين وقواه مثلها، يغتذى منها الجنين. ٢ — وأما الرواقيون فيرون أن الجنين يغتذى بالمشيمة والسرة، ولذلك يربطونها القوابل رباطاً وتبقى حتى يكون طريق الغذاء من موضع آخر. ٣ — وأما ألقماون فيرى أن الغذاء يكون بجميع البدن، وأنه يأخذ أجزاء الغذاء كما يأخذ الإسفنج الرطوبات.
(١٧) ما أول ما يخلق فى البطن: ١ — أما الرواقيون فيرون أن الجنين يخلق معاً. ٢ — وأما أرسطاطاليس فيرى أن أول ما يخلق هو الصلب، مثل صلب السفينة. ٣ — وأما ألقماون فيرى أن أول ما يخلق هو الرأس، لأنه فيه جزء الرئيس. ٤ — وأما الأطباء فيرون أن القلب أول ما يخلق مع العروق والشريانات. ٥ — وآخرون رأوا أن إصبع الرجل أول شىء يخلق من الجنين. ٦ — وأخرون رأوا أن السرة أول ما يخلق من الجنين.
(١٨) لماذا صار المولودون لسبعة اشهر ينزلون: ١ — أما أنباذقليس فيرى أنه لما تولد جنس الناس من الأرض، كان هذا مقدار زمان تولده على حسب مسير الشمس فى ذلك الوقت، فانه كان بطيئاً بمقدار عشرة أشهر فى هذا الزمان. ولما أتى على ذلك الزمان صار اليوم مقدار تسعة أشهر؛ ولذلك صار المولودون لعشرة أشهر ينزلون والمولود لسبعة أشهر مثل ذلك إذ كانت طبيعة العالم، يعنى: يربى الجنين وينمو فى يوم واحد وليلة واحدة. ٢ — وأما طيماوس فيرى
لا يربط بالثور، والثور لا يربط بالقوس، والتوأمان لا يربطان بالجدى، والسرطان لا يربط بالدلو، والأسد لا يربط بالسمكة 〈والعذراء لا يربط بالحمل. ولهذا فان المولودين لسبعة أشهر ولعشرة أشهر يعيشون، بينما〉 صار المولودون لثمانية أشهر يموتون من قبل أنها غير مرتبطة.
(١٩) فى توليد الحيوانات وكيف كونها وهل تفسد: ١ — أما الذين يرون أن العالم مكون، فالحيوانات عندهم كائنة فاسدة. ٢ — واما أصحاب أبيقرس الذين يرون أن العالم لا كون له، فان كون الحيوان عندهم من استحالة بعضه الى بعض، لأنه اجزاء العالم. ٣ — وكذلك يرى أنقساغورس، وأوربيدس 〈إذ قال〉 أن «لا شىء 〈من الاشياء يموت، بل يتغير من حال الى حال، فيبدو شكل حيناً ويبدو آخر حيناً آخر». ٤ — أما أنكسمندريس فيرى أن〉 الحيوانات الأولى تولدت فى الرطوبة، وانه كان يغشاها 〈مثل〉 قشور السمك فلما أتت عليها السنون صارت الى الجفاف واليبس. فلما تقشر ذلك القشر صارت حياتها زماناً يسيراً. ٥ — وأما ديمقرطس وأبيقرس فيريان أن الحيوانات متولدة، وأن كونها من جوهر حار، وأن أول ما أحياها هو الحار. ٦ — وأما أنباذقليس فيرى أن كون الحيوانات والنبات فيأو أول أمر لم يكن دفعة، لكنها شيئاً شيئاً كانت أعضاؤها غير مرباة فيه ولا متصلة، ثم صارت بعد ذلك متصلة فى كون ثان فى صورة التماثيل؛ وفى كون ثالث كان بعضها من بعض؛ وفى كون رابع لم يمن من الاستقصات، أعنى الأرض والهواء،
لكن بالاجتماع والتكاثف وكثرة الغذاء فى الحيوانات، وصنع ذلك بحسن الصورة التى للنساء التى حركت على سيلان المنى. ٧ — وأجناس الحيوان كلها بعضها من بعض باختلاف وتكاثف المزاج: فما كان منها أكثر رطوبة كان انبعاثه إلى الماء، ومنها ما يصير فى الهواء، وهى ما كان الجوهر النارى كثيراً فيها. وما كان منها متساوى الأجزاء فهو معتدل فى المواضع كلها.
(٢٠) كم اجناس الحيوان وهل هى كلها حساسة ناطقة. ١ — أما أفلاطون وأرسطوطاليس فيريان أن أجناس الحيوان أربعة: فمنها برية، ومنها مائية، ومنها طيارة، زمنها سمائية. وإنهما يقولان إن الكواكب حيوانات، وإن العالم والإله حى ناطق لا ميت. ٢ — وأما ديمقرطس 〈وأبيقرس〉 فانه يمنع السمائية. ٣ — واما أنقساغورس فيرى أن لكل حيوان نطقاً فعلياً يقوم مقام العقل، وأما النطق الانفعالى، الذى يسمى المترجم عن العقل، فليس لها. ٤ — وأما بوثاغورس وأفلاطون فيريان أن النفس كلها، حتى نفس البهائم ناطقة، إلا أنها لا تفعل النطق لاختلاف مزاج الأجسام، ولأنه ليس لها عبارة كالذىى يعرض فى القرود والكلاب فانها تنطق ولكنها لا تتكلم. ٥ — وأما ديوجانس فيقول إن لها جزءاً من الجوهر العقلى ومن الهواء، لكن من أجل 〈أن〉 بعضها تقوى عليه كثرة إلى الرطوبات صارت لا تفكر ولا تحس. لكن كون ذلك فيهم مثله فى الذين بهم جنون؛ والجزء المدبر تابع ذلك.
(٢١) فى كم من الزمان تتصور الحيوانات اذا كانت فى البطن: ١ — أما أنباذقليس فيرى أن أول انطباع الصورة فى الناس من السادس والثلاثين، وأن الأعضاء تتم وتكمل فى خمسين يوماً ناقصاً يوماً واحداً. ٢ — وأما أسقلبيادس فيرى أن الذكورة لما فيها من الحرارة يكون بيان الصورة فيها من اليوم السادس. والعشرين
وكثيراً ما يكون فى ذلك أبعد من هذا الزمان. وتتم الأعضاء فى خمسين. ٣ — فأما فى الإناث فان الصورة تتضح فى شهرين، وتتم فى أربعة أشهر لما فيها من نقصان الحرارة. فأما الحيوانات التى لا نطق لها فان ذلك يختلف فيها على قدر مزاج الاستقصات.
(٢٢) من اى الاستقسات كل واحد من الاجزاء الجنسية التى فينا: ١ — أنباذقليس يرى أن اللحم يتولد من الأربعة الاستقصات إذا امتزجت على المساواة. وأما العصب فان تولده من نار وأرض، إذا امتزجا يكون ما فيه من الأرض ضعف ما فيه من النار. وأما أظفار الحيوان فتولدها فى الأعصاب إذا لاقت الهواء المحيط وصلبت وبردت به. وأما العظام فتولها من جزئين من الماء ومثله من الأرض وأربعة أجزاء من النار إذا اجتمعت وامتزجت معاً. وأما العروق والدم فيكون تولدها من ذوبان الدم وسيلانه من قبل اللطافة التى تحدث له بالذوبان.
(٢٣) كيف يبتدئ الانسان بالكمال: ١ — ارقلطس والرواقيون يرون الإنسان يبتدئ بالكمال فى الأسبوع الثانى من سنه، وهو الوقت الذى يبدأ فيه من الزرع فان الأشجار عند ذلك تستكمل إذا حدث فى توليد الزرع؛ وقبل ذلك تكون لا تامة ولا مدركة ولا مثمرة. ٢ — فالإنسان يستكمل فى الأسبوع الثانى من سنه إذا صار إليه الخير والشر والذهن والتعلم.
(٢٤) كيف النوم وهل هو موت النفس والبدن: ١ — ألقماون يرى أن النوم يكون بانقباض الدم واجتماعه إلى العروق الحاملة؛ والانتباه انبساط هذا الدم؛ والموت عدم هذا الدم ألبتة. ٢ — وأما أنباذقليس فيرى أن النوم يكون إذا بردت الحرارة التى فى الدم برداً معتدلا؛ فاذا بردت برداً تاماً كان عن ذلك الموت. ٣ — وأما ديوجانس فيرى أن الوم يكون إذا ذاب الدم وامتلأت العروق وانجذب
الروح فيها إلى الصدر والبطن، ولذلك يكون الصدر فى وقت النوم أكثر حرارة، فان فى الجوهر الهوائى كله من العروق شيئاً سيالا. ٤ — وأما أفلاطن والرواقيون فيرون أن النوم يكون عند راحة الروح الحى عند استرخائه وسيلانه، كما يعرض فى الطين الذى يسترخى فيطيل لكنه يجتمع إلى الجزء الرئيس الذى مكانه بين الحاجبين. وإذا كانت راحة الروح الحى تامة مستقصاة، عند ذلك يكون الموت.
(٢٥) هل يكون النوم والموت للنفس وللبدن: ١ — أما أرسطوطاليس فيرى أن النوم مشترك للنفس والبدن، وأن علته الرطوبة التى تتبخر من الصدر إلى المواضع التى تلى الرأس من الغذاء المجتمع، وأن بانعطاف هذا البخار تبرد حرارة القلب الغريزية برودةً يسيرةً؛ فاذا بردت هذه الحرارة برداً تاماً كان عن ذلك الموت. ٢ — وإن الموت للبدن وحده لا للنفس، فانه لا موت لها. ٣ — وأما أنقساغورس فيرى أن النوم شىء مشترك يعم أفعال البدن، وأن هذه الأفعال للبدن لا للنفس، وأن للنفس موتاً وهو مفارقتها البدن. ٣ — وأما لوقبس فيرى أن ذلك ليس 〈يكون إلا للبدن〉، وإنما يكون بتعب البدن فقط، لكن ما يكون بامتزاج الجوهر اللطيف بمقدار كثير من الحرارة النفسانية، والزيادة فيها علة الموت. وهذه انفعالات للبدن، لا للنفس. ٥ — وأما أنباذقليس فيرى أن الموت يكون عن مفارقة الجوهر النارى الذى بممازجته كانت الحيوانات. وعلى هذه الجهة يكون الموت مشتركاً للنفس والبدن. وأما النوم فانه يكون إذا لم تقع المفارقة، لكن يكون النوم عند انعطاف الجوهر النارى.
(٢٦) كيف يربى النبات وهل هو حيوان: ١ — أفلاطن وأنباذقليس
يريان أن النبات حيوان متنفسة، ويستشهدون على ذلك من حركتها ومن امتداد أغصانها، ومن أنها عند التحويل من أرض إلى أرض تميل وتسترخى ثم تنتصب — ويعنى تقوى — حتى يحتمل أن يعلق عليها أثقال. ٢ — وأما أرسطوطاليس فيرى أنها متنفسة، ولكنها ليست حيوانات، لأن الحيوانات لها انبعاث ولها حس، ومنها ما له نطق. ٣ — وأما الرواقيون وأبيقرس فانهما يريان أنها ليست متنفسة، لأن كل متنفسة لها انبعاث ولها شهوة واشتياق؛ وبعض الأنفس لها نطق. وأما النبات فان كونه بكون الشىء من تلقائه، لا من نفس. — ٤ — وأما أنباذقليس فيرى أن كون الأشجار قبل الحيوان، وأن تنبتهما من الأرض من قبل انبساط الشمس، ومن قبل انفصال الليل من النهار وما بين الجوهرين من اعتدال المزاج كان أحدهما عند الآخر بقياس الذكر عند الأنثى، وأن النماء يكون بالحار الذى فى الأرض وبانقسامه فيها حتى كأنها أجزاء من الأرض، كما أن الأجنة التى فى الرحم كأنها أجزاء الرحم. ٥ — وأن الثمار هى فصول ما فى النبات من الماء والنار وإن كان منها الجوهر النارى فيه قليلا إذا انفش عنها بحرارة الصيف انتثرت أوراقها، وما كان منها الرطوبة فيه كثيرة بدت طرية دائماً مثل شجرة الغار والزيتون والنخل وما أشبهه. ٦ — وأما اختلاف جواهر الكيموسات فيها فمن قبل اختلاف الأرضية الأزمنة واختلاف المتشابهة الذى يغتذى منها كالذى يظهر من ذلك فى الكروم: فان الشراب الجيد منها لا يكون من اختلاف جواهرها، لكن من اختلاف غذائها والتربة الغاذية لها.
(٢٧) فى الغذاء والنماء: ١ — أنقساغورس يرى أن الحيوانات تغتذى بالرطوبة التى يجتذبها كل واحد من أعضائها بالرعى والاغتذاء، وتنمى إذا كان ما يصير إليها من الغذاء كثيراً، وتهرم وتذبل إذا كان ما ينحل عنها كثيراً؛ وإن هؤلاء
الناس إذا قيسوا بالذين كانوا قبل كانت مرتبتهم عندهم مرتبة الأطفال. ٢ — وأما أنباذقليس فيرى أن الغذاء يكون بثبات الرطوبة وبقائها، وأن النماء يكون بحضور الحرارة، وأن الذبول يكون بنقصان المعنيين جميعاً.
(٢٨) من أين يصير للحيوانات شهوات ولذات: ١ — أما أنباذقليس فيرى أن الشهوات تصير إلى الحيوانات عند نقصان الاسطقسات التى كونها عنها. وأما اللذات فانها من الرطوبة من حركات التربية المتشابهة فى الجنس. وأما الأذى فمن قبل الأشياء المخالفة فى اللمس والملاقاة.
(٢٩) كيف تكون الحمى وهل هى توليد: ١ — أن إرسطراطيس يحد الحمى هذا الحد: الحمى هى حركة الدم وانصبابه إلى أوعية الروح بغير اختيار مثل البحر الذى إذا لم تحركه بحركة كان ساكناً فاذا حركته شاع عاصفة على غير المجرى الطبيعى، فعند ذلك يضطرب ويلتف؛ وكذلك فى البدن إذا تحرك الدم سال فى أوعية الروح؛ فاذا سخن أسخن البدن كله. وهو يرى فى الحمى أنها توليد، لأنها تكون عن الدم الذى يعرض فى آلات الروح فى الغذاء الذى يسيل إليها. ٢ — وأما ديوقلس فيرى أن الأشياء الظاهرية هى مناظر الأشياء الحقيقية. وقد يرى من الأشياء الظاهرة أن الحمى تكون عن خراج دم حار عن العلة التى تسمى بوبون فيجب إذا أضطراراً أن يقول إن الحمى تكون من أشياء، وإن خفيت، فهى إما ورم وإما مدة أو جسم آخر سخن. —
وأما اروفيلس فيبطل ذلك، ويرى أن الورم الحار ليس يتقدم الحمى، لكن الحمى تتقدمه، وعلى هذا يكون فى الأمر الأكثر؛ وكثيراً ما يكون من غير أن يظهر بها سبب وتحدث عليها حركات الأمراض القديمة وتولد الأورام الحارة.
(٣٠) فى الصحة والمرض والشيخوخة: ١ — أما ألقماون فيرى أن الصحة تكون عن مساواة قوى الرطب واليابس، والبرد والحار، والمر والحلو، وباقى الكيفيات، وأن غلبة بعضها على بعض يحدث الأمراض، لأن كل واحد إذا غلب بذاته كان مفسداً للآخر. ٢ — وأما اروفيلس فيرى أن الأمراض تكون أما من قبل العلة التى تسمى لها فزيادة الحرارة والبرودة؛ وأما من قبل الذى يسمى فمن قبل زيادة الغذاء أو نقصانه؛ وأما من قبل العلة التى تسمى فيه فهى الدم أو فى الدماغ، لأن فى هذين تكون مبادئ الأمراض، وقد تكون كثير من العلل الخارجة أعنى المياه والصديد والمدة وما أشبه ذلك. وأما الصحة فهى اعتدال المزاج على تكييف ما. ٣ — وأما ديوقلس فيرى أن كثيراً من الأمراض تكون من قبل اختلاف الاسطقسات التى فى البدن ومزاج الهواء. ٤ — وأما ارسسطراطيس فيرى أن الأمراض تكون من زيادة الغذاء وقلة الهضم وفساد الغذاء، وإن تطييب البدن يكون باستعمال الكفاف من الغذاء. ٥ — وأما أصحاب الرواق والأطباء فانهم متفقون على أن الشيخوخية تكون من نقصان الحرارة، فالذين الحرارة فى أبدانهم كثيرة تطول مدتهم فى الشيخوخية. ٦ — وأسقلبيادس يقول إن الزنوج يهرمون سريعاً من مقدار ثلاثين سنة، لأن
أبدانهم قد جاوزت مقدار اعتدال الحرارة والتهبت بالشمس. وأما الذين سكنوا البلد الذى يقال 〈له〉 برطينيا فيقول إنهم يهرمون فى مائة وعشرين سنة لأن أماكنهم باردة والحرارة الغريزية تلبث بها. ٧ — وأبدان الزنوج مخلخلة، لأن الشمس قد خلخلتها. وأما الذين يسكنون فى الشمال فان أبدانهم متكاثفة صفيقة فلذلك تكون أطول زماناً.
تمت المقالة الخامسة وبتمامها تم الكتاب بحمد الله ومنه وحسن توفيقه — ببغداد، وذلك فى أوائل المحرم من سنة سبع وخمسين وخمسمائة هجرية والحمد لله رب العالمين وصلواته على نبيه محمد وآله أجمعين