Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Febrium Differentiis (On the Differences of Fevers)

٥ وأمّا عند انسداد المجاري واغتصاص الأخلاط، فقد أخّرت القول في ذلك إلی هذه الغاية، فإنّه تعرض لصاحبها حمّى العفونة، لأنّ كلّ شيء حارّ رطب يكون في موضع حارّ، ثمّ يعدم التنفّس والتبرّد، فإنّ العفونة تكون إليه أسرع شيء. فليس إذاً بعجب أن تكون الحمّيات تتبع الامتلاء، لأنّ البدن في تلك الحال تكثر فيه السدد ويعسر تنفّسه وتحلّله، وعنيت بالامتلاء في هذا الموضع كثرة الأخلاط بقياس العروق.

فأمّا الجنس الآخر من الامتلاء، وهو كثرة الأخلاط بقياس القوّة، فإنّه إذاً كان أسرع إلی الأخلاط الفساد، لأنّه ليس لها ما يمسكها وينضجها على ما ينبغي، إذ كانت القوّة التي تنضجها وتصلحها قد ضعفت. ولذلك صارت أيضاً الأطعمة اللزجة الغليظة أحرى بأن تمرض، لأنّ الخلط المتولّد منها أسرع إلی أن يلحج ويغتصّ ويتشبّث في المجاري، فتحدث منه السدد.

فإن قلت: فما بال الأطعمة التي هي ضدّ هذه أيضاً ممرضة، أعني الأطعمة الملطّفة الحادّة؟ فقد نرى المغرقين في استعمال كلّ واحد من هذين الجنسين من التدبير تعرض لهم الحمّيات بالسواء، قلت إنّ ذلك من قبل ما ذكرت قبل من أنّ تلك الأطعمة كلّها رديئة الكيموس. فهذه الأطعمة تكون سبباً للحمّى من قبل رداءة الخلط المتولّد منها، والأطعمة اللزجة الغليظة تولّد الحمّى بسبب العفونة.

والأعضاء أيضاً التي ترم إنّما تحدث من قبلها الحمّى بسبب العفونة. وذلك أنّ الفضل الذي ينصبّ إليها إذا لحج وتشبّث واغتصّ فيها، ثمّ كان في طبيعته حارّاً، عفن إذ كان لا يتنفّس. ومتى كان ذلك الفضل الذي انصبّ إلی العضو من جنس المرار المرّ خالصاً، عرضت منه في ذلك العضو حرارة مع ورم يعرف بالحمرة. ومتى كان ذلك الفضل الذي انصبّ إليه من جنس الدم، عرض في العضو الورم الحارّ الذي يسمّيه اليونانيّون فلغموني. ومتى كان مختلطاً منهما، كان الورم شيئاً بين الورمين، ويكون اسمه بحسب الخلط الذي هو أغلب، ويوصف باسم الآخر.

والحمّى تعرض من جميع هذه الأورام بطريق المشاركة. وذلك أنّ العضو إذا سخن، يسخّن بسخونته دائماً العضو المتّصل به، ولا تزال تلك السخونة تسري حتّى تبلغ إلی القلب. وقد يسخّن أيضاً بسخونة العضو الذي تعرض فيه القروح التي يقال لها الجمر ما يتّصل به، وتلك القرحة تكون من دم قويّ الحرارة، إلّا أنّه مائل إلی السواد بسبب احتراقه.