Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Historia Animalium (History of Animals)

〈الحواس فى الخلد، والسمك، والحيوان غير الدموى〉

فأما حال الحواس فإنا نصفه جيداً، حيننا هذا.

إن الحواس لا توجد فى جميع الحيوان على حال واحد، بل ربما كانت جميع الآلة فى بعض أجناسها، وربما لم تكن كلها بل قليل منها. وعدة الحواس خمس: أعنى البصر، والسمع، والمشمة، والمذاقة، واللمس. فينبغى لنا أن نعلم أن للإنسان وللحيوان المشاء الذى يلد حيواناً مثله ولجميع ما له دم ويلد حيواناً — جميع آلة الحواس، ما خلا المضرور منها مثل جنس الخلد، فإنه ليس لهذا الحيوان حس البصر، من أجل أنه ليس له عينان ظاهرتان؛ فأما إن سلخ جلد رأسه — وهو غليظ — فسيوجد فى مكان العينين شىء شبيه بخلقة العينين، غير أنه مضرور، لأن سواد هاتين وما يكون فى وسط السواد، أعنى الحدقة، وما حول ذلك، سمين كثير الشحم، وهو يكون، أقل ما يكون، فى وسط السواد، أعنى الحدقة، وما حول ذلك سمين كثير الشحم وهو يكون أقل مما يكون حول العينين الظاهرتين البينتين. وليس شىء مما وصفنا بظاهر خارج، لحال غلظ الجلد، وإنما ذلك لحال الضرورة التى تصيب هذا الحيوان فى أوان [١٠١] الولاد من قبل الطبيعة.. وينبغى أن تعلم أن من الدماغ يخرج سبيلان خلقتهما عصبية قوية. وهذان السبيلان ينتهيان إلى أصول العينين؛ وسبيل آخر أيضاً ينتهى إلى الأنياب فى الحيوان الذى له أنياب. — فأما سائر الحيوان فله حس به يعرف اختلاف الألوان، وحس به يعرف اختلاف الأصوات والدوى، وأيضاً حس المشمة والمذاقة. فأما الحس الخامس، وهو حس اللمس، فإنه موجود فى جميع أصناف الحيوان.

〈وفى بعض الحيوان تكون أعضاء الحس ظاهرة جداً، وإن كان ذلك يصدق خصوصاً على العيون، ذلك أن مكان العيون محدد تماماً، وكذلك مكان السمع: أقصد أن لبعض الحيوان آذاناً، بينما ليس للبعض الآخر غير فتحات ظاهرة فى الخارج. — والأمر نفسه ينطبق على المشمة، أعنى أن لبعض الحيوان أنوفاً، وليس للبعض الآخر غير فتحات المشمة، كما هى الحال مثلاً فى الطير. — وكذلك الحال أيضاً فيما يتعلق بعضو الطعوم، أعنى اللسان. فبين الحيوانات المائية الدموية، للسمك عضو الطعوم، أعنى اللسان، لكنه فيها ناقص، لأن لسانها عظمى وليس منطلقاً. وفى بعض السمك تكون خلقة الحلق من اللحم، كما هى الحال فى نوع الشبوط carpes من بين مياه الأنهار، بحيث يتوهم الملاحظ غير المنتبه أنه لسان〉.

وهو بين أن أصناف السمك تحس بما تذوق، لأن كثيراً منها يستحب شيئاً معروفاً من الطعم والرعى، وبه يصاد، 〈ولهذا يفضل الطعم المصنوع من التونة thon أو من السمك السمين، مما يدل على أنه يحس بما يذوق من الطعوم التى من هذا النوع〉. — وليس لشىء من أصناف السمك آلة بينة لحس السمع ولا لحس المشمة. فأما ما يظن كثير من الناس أن لها آلة حس المشمة من قبيل سبيل المنخر، فليس شىء من تلك السبل يصل إلى الدماغ، بل بعضها سبل تخفى، وبعضها يصل إلى العضو الذى يسمى الآذان (= الخياشيم). وهو بين أن أجناس الحيتان تشم وتسمع من قبل أنا نعاينها تهرب من الأصوات والدوى العظيم وحركة مجاديف السفن؛ ولذلك تصاد فى أعشبها بأيسر المؤونة، وإن كان الدوى الذى يصيبها من خارج صغيراً ولكن هو يواقع سمعها مثل دوى ثقيل مفزع عظيم. وذلك يعرض لجميع أصناف السمك، وهو بين من قبل صيد الدلافين: فإن الصيادين إذا هموا بصيدها يحيطون بها ويضربون بأعواد ضرباً متتابعاً؛ فإذا سمعت دوى ذلك الصوت، تهرب إلى الأرض فزعاً من ذلك الدوى وتصاد بأيسر المؤونة كأنها خدرة من ثقل رءوسها. وليس للدلافين آلة حس السمع بينة ألبتة. وإذا أراد الملاحون صيد شىء من أصناف السمك يلزمون السكون ويتوقون حركة المجاذيف والشباك وغير ذلك من آلتهم. وإذا علموا فى مكان من الأماكن حيتاناً كثيرة، يرقبون بعد المكان منها، وبقدر ذلك يرخون الشراع وينزلونه لكيما يكون سير السفينة شديداً فتسمع تلك الحيتان سيرها وتهرب؛ وهم يأمرون أيضاً جميع الملاحين بالسكوت حتى يحيطون بما يريدون من صيدها. وربما أرادوا اجتماع صنف من أصناف السمك إلى مكان واحد ففعلوا مثل الفعل الذى يفعلون فى صيد الدلافين، لأنهم يضربون الحجارة [١٠٢] بعضها ببعض، لكيما يفزع السمك ويجتمع إلى مكان واحد ويصاد بتلك الشباك. فهم يمنعون الحركة قبل أن يحيطوا بها، فإذا أحاطوا بها صاحوا وطبلوا، لأنها إذا سمعت ذلك الصياح والجلبة، هربت ووقعت فى داخل الشباك، لحال الفزع، وأيضاً إذا عاين الصيادون صنفاً من أصناف السمك كثيراً يرعى فى أوان الصحو وسكون الريح ويطفو على وجه الماء: فإذا أرادوا أن يعرفوا عظم ذلك السمك وجنسها إن هم ساروا سيراً يسيراً رقيقاً رويداً بغير حركة وصياح — أدركوا ذلك السمك وهو يطفو على الماء. وإن جلبوا وصاحوا، هرب ذلك السمك ولم يدركوا منه شيئاً. وفى الأنهار صنف من أصناف السمك معروف 〈يسمى أحياناً باسم قطس κοττοσ〉 أو κοιτοσ أو βοιτοσ يأوى فى الصخور، فإذا أراد الصيادون صيد ذلك السمك ضربوا تلك الصخور بالحجارة. فإذا سمع ذلك السمك ذلك الصوت، يتدافع من تلك الصخور وكأنه متصدع من ذلك الدوى والصوت ويصاد عاجلاً.

فهو بين من جميع ما وصفنا أن السمك يسمع. وبعض أهل التجربة والمعرفة بطباع حيوان البحر يزعمون أن السمك خاصةً حاد السمع. وإنما يذكرون ذلك بما بلوا وعرفوا، وبخاصة أصناف السمك الجيدة السمع و〈يذكرون منها〉 الأصناف التى تسمى باليونانية قسطروس κεστρευσ ولبرقس λαβραξ وسلفى σαλπη وخروميس Χρομισ وكل ما أشبه هذه الأجناس. وأما سائرها فهى تسمع سمعاً دون سمع التى سمينا، ولذلك يكون مأواها قريباً من وسط البحر.

وحس 〈المشمة عند〉 السمك أيضاً على مثل ما وصفنا. وذلك بين من قبل أن كثيراً من أصناف السمك لا يدنو من الوعاء الذى به يصاد إن لم يكن جديداً حديثاً؛ فأما سائرها فلها حس 〈مشمة〉 ولكن دون حس غيرها، ولذلك يصاد أكثرها. ولكل جنس من أجناس السمك شىء خاص يصاد به، ولذلك يشمه ويعرفه ويهرب عنه. وبعض السمك يصاد بأشياء نتنة الريح، مثل ما يصاد الصنف الذى يسمى سلفى σαλπη بالزبل.

وأيضاً كثير من السمك يأوى فى الصخور. فإذا أراد الصيادون إخراجها، يدلكون أفواه المغائر التى فى الصخور بأشياء مملوحة؛ فإذا شمت رائحتها خرجت عاجلاً وصادوها. وبمثل هذا النوع يصاد الأنكليس أيضاً [١٠٣] فإن الصيادين يضعون إناءً من آنية الفخار، التى كان فيها شىء مملوح، عند فم المغارة؛ فإذا شمه الانكليس دخل فى ذلك الإناء. — ومن السمك ما يستحب ريح الأشياء المحرقة المدخنة، ولذلك يسرع إليها إذا شمها؛ ولذلك يأخذون الصيادون لحوم السمك الذى يسمى سپيا ويشيطونها حتى تخرج رائحتها ويصيدون بها ما أرادوا. وقد زعموا أن بعض الصيادين يأخذون القراطيل الجدد ويضعون فيها الحيوان الذى يسمى الكثير الأرجل (poulpes) بعد أن يشووه، ليس إلا لحال رائحة الشوى ويصيدون به أصنافاً كثيرة. — وأيضاً السمك الذى يسمى باليونانية رواداس ρυαδεσ يهرب إذا ألقيت فى البحر غسالة السمك الذى يغسل الملاحون، وإذا ألقى الماء الذى يستنقع فى أسفل السفن فإنها تهرب إذا شمت رائحته، وهذا السمك يشم دم ذاته عاجلاً ويهرب منه. وهو بين أنه يهرب، من قبل أنه يستبعد عن ذلك المكان الذى يأوى فيه جداً، ولا سيما إذا شم دم سمك. وأيضاً إذا كان الظرف الذى يصطاد السمك وسخاً عتيقاً، لا يكاد أن يدنو منه السمك ولا يدخل فيه؛ وإذا كان الوعاء حديثاً وما يوضع فيه نظيفاً طرى الرائحة، بادر إليه السمك من كل مكان بعيد ودخل فيه. وهو خاصةً بين مما ذكرنا عن الدلافين أنه ليس لأصناف السمك آلة حس سمع بينة ألبتة، وأنه يسمع من قبل أنه يصاد من الصداع وثقل الرأس الذى يصيبه من الدوى، كما ذكرنا فيما سلف من قولنا. 〈وليس لها أيضاً عضو ظاهر للمشمة، غير أن هذا لا يمنعها من أن تكون حاسة الشم لديها قوية جداً〉.

فقد أوضحنا الآن أن لأصناف هذا الحيوان جميع الحواس. — فأما سائر أجناس الحيوان فهى أربعة مفصلة: أعنى جنس الحيوان الذى يسمى باليونانية ملاقيا، واللين الخزف والذى خزفه جاس مثل خزف الفخار،وما كان محززاً. 〈ومن بين هذه الأجناس الأربعة نجد أن مالاقيا والذى حرفه جاس وما كان محززاً〉 فلها جميع الحواس أعنى حس البصر وحس السمع وحس المذاقة وسائر الحواس. فإن المحززة الأجساد تحس من بعد كبير 〈الروائح، ما كان منها بأجنحة أو بغير أجنحة: وهكذا يدرك النحل والنمل الصغير المسمى باليونانية κνιφ العسل على مسافة بعيدة〉 وليس يفعل ذلك إلا بحس ذلك وعلمه ما يطلب منه. وبعض هذه الأصناف يبيد ويهلك من رائحة الكبريت. فإن أخذ أحد شيئاً من كبريت [١٠٤] وصعتر جبلى ودقهما دقاً ناعماً وذرهما على حجر مأوى النمل، ترك عشه وانصرف عنه. وإن بخر أحد قرن أيل، يهرب عن المكان الذى يبخر فيه كثير من الأصناف التى ذكرنا وهى تهرب خاصةً إذا بخرت الميعة السائلة.

والحيوان الذى يسمى سبيا وقرابوى والصنف الكثير الأرجل فإنه يخدع ويصاد بهذا البخور. فأما الكثير الأرجل فإنه يستحب هذا البخور ويدخل فى الوعاء الذى به يصاد، ويقطع ولا يفارقه: فأما إن بخره أحد بالعقار الذى يسمى قونوزا κονυζα فهو يهرب من ساعته إذا شمه ويستبعد بعداً كبيراً.

وكل صنف من أصناف الحيوان يستحب غذاءً خاصياً ويطلبه ويشتاق إليه. ولا يستحب جميع أصناف الحيوان مذاقة رطوبة واحدة. وذلك بين من قبل النحل فإنه لا يجلس على شىء منتن ولا ردىء الطعم أو الرائحة، وإنما يجلس على كل حلو ويستحب أن يتغذى منه. — فأما بعض الحيوان فهو يحس باللمس كما قلنا أولاً وبينا أن لجميع الحيوان حس 〈اللمس〉. — فأما الحيوان الذى جلده خشن مثل الخزف (= testacés) فله حس المشمة والمذاقة، وذلك بين من جميع الخدائع التى بها يخدع، مثل الحيوان البحرى الذى يسمى فرفورا πορΦυρα، فإنه يخدع بكل فتن الريح ويسرع إليه؛ وليس يفعل ذلك إلا لحسه. فكل صنف من أصناف الحيوان يستحب شيئاً خاصاً من الطعم ويطلبه طلباً حثيثاً. وكل ما كان له فم فهو يستحب ويكره بعض ما يذوق من الطعم.

وليس عندنا شىء ثابت بين فى بصر وسمع هذا الصنف. وقد زعموا أن الحيوان البحرى الذى يسمى باليونانية سوليناس σωληνεσ يغيب فى أسفل الجحر إذا أحس بصوت أو دوى وليس يخرج إلا شىء قليل من جثته من الجحر الذى يأوى إليه، 〈إذا شعر بدنو الحديد〉. وإن أدنى أحد إصبعه إلى الحيوان الذى يسمى أقطنيس κτενεσ غمض عينه من ساعته. وإذا أراد الصيادون صيد الحيوان الذى يسمى نريتا νηρειτασ 〈لم يتقدموا فى اتجاه الريح، إذا كان الصيد بواسطة الطعم و〉لزموا السكوت واكتفوا بالغمز والإشارة — وليس يعرض ذلك إلا لأنه يشم ويسمع، فإن تكلم أحد هرب. والقنفذ يسمع سمعاً ضعيفاً، أقل من سمع الحيوان الذى جلده مثل خزف (testacés) ويسير على رجليه؛ فأما من الصنف الذى 〈لا〉 يتحرك فالحيوان الذى يسمى طيثو τηθυα وبلانو βαλανοι فهو قليل الحس جداً.

فهذه حال حواس جميع الحيوان. وأما حال صوت الحيوان فهو على ما نصف.