Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)

‌في سائر أيّام مرضها.

وأمّا قوله «احتملت» فمتى أضاف إليه ذكر «الشيافة»، فمعنى مفهوم معروف، وإذا لم يسمّ شيئاً، فينبغي أن يفهم عنه إمّا الشيافة وإمّا الفرزجة على ما فهم قوم. وبيّن أنّ الفرزجة التي تستعمل في هذا الموضع فرزجة مسكّنة للوجع مانعة من حدوث الورم.

وينبغي أن تعلم هذا وتحفظه من أمر جميع النساء اللواتي احتبس عنهنّ دم النفاس: أنّ منهنّ من أصابتها شدّة شديدة وخطر عظيم حتّى أشرفن على الموت أو مَتنَ، ومنهنّ عدد قليل لم ينلهنّ من الأذى إلّا أمر يسير جدّاً. والسبب في ذلك أنّ أكثرهنّ يحدث به ورم في الرحم، ومنهنّ من يحدث به مع ذلك ورم في الكبد.

والدم أيضاً الذي يحتبس وينقطع استفراغه مختلف في حاله، وذلك أنّه في بعض النساء يكون الغالب عليه المرّة الصفراء أو المرّة السوداء، وفي بعضهنّ يكون الغالب عليه المائيّة أو البلغم، وفي بعضهنّ تكون حال ذلك الدم حالاً أمثل وأصلح قليلاً. وليس يمكن أن يكون ذلك الدم في وقت من الأوقات بالحال التي لا يذمّ معها أصلاً، وذلك أنّ أجوده قد نفد في غذاء الطفل المحمول.

وممّا يدلّ على طبيعة ذلك الدم الأعراض التي تحدث عند احتباسه [و]‌في وقت النفاس، كالحال الآن في هذه المرأة التي كلامنا فيها. وإنّ «النافض والحمّى الحادّة والعطش والمرار الذي جرى مع البراز واختلاط العقل والأرق» فأعراض تدلّ على غلبة الصفراء. فأمّا «الاختلاج والتشنّج والبول الشبيه ببول الدوابّ» فمن الأعراض التي تدلّ على غلبة الخلط النيّ الغليظ، وهذه هي أردأ ما يكون من الأمراض، أعني الأمراض التي يكون الغالب فيها على البدن هذان الخلطان معاً. وقد بيّنّا أنّ الحمّى التي يقال لها «المجانبة للغبّ» إنّما تكون عن هذين الخلطين. فهذا هو السبب في أن كان مرض هذه المرأة مرضاً ذا خطر.

فأمّا الأمر في عاقبة ذلك المرض، هل تتخلّص منه أو تموت، فقد يمكنك أن تستدلّ عليه منذ أوّل الأمر بالأعراض والدلائل التي ظهرت. فينبغي أن نتدبّر أمرها لتكون في ذلك رياضة الناظر فيه.

فأقول إنّه قال في اليوم الأوّل، وهو اليوم الرابع عشر من اليوم الذي ولدت فيه تلك المرأة، «اشتغلت بها حمّى ونافض». وقد علمنا أنّه متى قال في «الحمّى» إنّها «اشتغلت»، فإنّه يشير إلى أنّها حمّى في غاية الحرارة والناريّة، إلّا أنّ هذا بعد ليس هو يوجب لا محالة الهلاك. وكذلك أيضاً لا يوجبه «الوجع» الذي ذكر أنّه «عرض لها في فؤادها»، وهو يعني «بالفؤاد» فم المعدة، ولا «أوجاع الأرحام» أيضاً توجب ذلك، ولا «الوجع» الذي ذكر أنّه أصابها «في الجانب الأيمن ممّا دون الشراسيف»، وقال بعد هذا: «إنّه لم يكن يجيؤها النوم».

والاستدلال على رداءة ذلك المرض يتزيّد ويقوى من جميع هذه الدلائل، إلّا لم يتبيّن لنا منها أنّ الموت حادث لا محالة. وكذلك أيضاً ليس يوجب الموت ما كان بهذه المرأة من «العطش»، ولا أنّ بولها كان «بولاً رقيقاً غير ملوّن»، وذلك أنّ هذا البول إنّما يدلّ على أنّ المرض يحتاج إلى مدّة طويلة من الزمان حتّى ينضج، فأمّا على أنّ الموت حادث لا محالة فليس يدلّ. وقال: «إنّ أطرافها كانت باردة»، وهذا الدليل من الدلائل التي هي غاية القوّة من الدلالة على الهلاك،‌