Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Topica (Topics)

〈مواضع أخرى〉

فينظر أيضا إن كان عندما وصف حد شىء من الأشياء حدد هذه أو الشىء الذى ركب منها، أو حدد هذا بعد هذا. وذلك أنه إن كان حدد هذه فيلزم أن يوجد لكليهما ولا لواحد منهما — مثل ما لو أن إنساناً حد العدل بأنه عفة وشجاعة، فإنهما إذا كانا اثنين فإن كل واحد منهما إذا كان له صاحبه صارا كلاهما عادلاً ولا يكون واحد منهما عادلاً، لأن كليهما لهما عدل، وكل واحد منهما ليس له عدل. وإن كان الموصوف ليس هو بعد قبيحاً جداً من قبل أن مثل هذا قد يعرض فى أشياء أخر (إذ كان ليس يمنع مانع أن يكون لكليهما من غير أن يكون لكل واحد منهما)، إلا أن وجود الضدين لهما يظن به أنه قبيح جداً. وهذا يلزم إذا كان أحدهما له عفة وجبن، والآخر له شجاعة وقطم، لأن لكليهما يصير عدل وجور. وذلك إن العدل إن كان عفة وشجاعة، فالجور جبن وقطم — وبالجملة فكل 〈ما〉 يمكن أن يحتج به فى 〈أن〉 الأجزاء والكل ليست واحدا، فهو نافع فيما وصفناه الآن. وذلك أنه يشبه أن يكون الذى يحد بهذا الطريق يقول إن الأجزاء والكل شىء واحد. والأقاويل تكون خاصية فى الأشياء التى تركيب الأجزاء منها ظاهر، كالحال فى البيت وما أشبهه من سائر الأشياء، لأنه بين أن الأجزاء قد تكون موجودة، ولا يمنع مانع من أن يكون الكل غير موجود. فيجب لذلك ألا يكون الكل والأجزاء شيئاً واحداً. — فإن لم يقل إن المحدود هو هذه، لكن الذى منهما، فينبغى الآن أن ينظر إن كان ليس من شأنه أن يحدث عن الأشياء الموصوفة. فإن بعض الأشياء قد يكون حال بعضها عند بعض حالاً يكون يحدث منهما شىء واحد، مثل الخط والعدد.

وينظر أيضا إن كان المحدود من شأنه أن يكون فى واحد أولاً. والأشياء التى قال إنه يكون منها، ليس من شأنها أن تكون فى واحد أولاً، لكن كل واحد منهما يكون فى كل واحد منهما. وذلك أنه من البين أن الذى من هذين ليس هو ذاك. فإن الأشياء التى فيها توجد الأجزاء فيها ضرورةً يجب أن يوجد الكل أيضاً. فيجب ألا يكن الكل فى واحد أولاً، لكن فى كثيرين. — وإن كانت الأجزاء والكل فى شىء واحد أولاً فينبغى أن ينظر إن لم تكن فى شىء واحد بعينه، لكن يكون الكل فى شىء، والأجزاء فى شىء غيره.

وينظر أيضاً إن كانت الأجزاء تفسد بفساد الكل. فإن الذى ينبغى أن يلزم عكس ذلك، أعنى أن تكون الأجزاء إذا فسدت فسد الكل؛ وإذا فسد الكل فليس واجباً ضرورةً أن تفسد الأجزاء. — أو إن كان الكل خيراً أو رديئاً، والأجزاء ولا واحد من هذين، أو إن كان الأمر بالعكس حتى تكون الأجزاء جيدة أو رديئة والكل ولا واحد من هذين. وذلك أنه ليس يمكن أن يكون شىء جيد أو ردىء من أشياء ليست واحداً من هذين. ولا يمكن أن يكون من أشياء رديئة أو جيدة ما ليس هو واحداً من هذين. — أو إن كان أحد الاثنين أولى بأن يكون جيداً منم الآخر بأن يكون رديئاً، والذى من هذين ليس هو بأن يكون جيداً أولى منه بأن يكون رديئاً — مثال ذلك أن القحة إن كانت من الشجاعة والظن الكاذب، فإن الشجاعة أولى بأن تكون شيئا جيداً من الظن الكاذب بأن يكون شيئاً رديئاً. فقد كان يجب أن يكون الذى منهما يلزم الأول حتى يكون إما على الإطلاق جيداً أو بأن يكون جيداً أولى منه بأن يكون رديئا. إلا أنا نقول إن هذا ليس هو من الاضطرار إن لم يكن كل واحد من هذين جيداً أو رديئاً بذاته. وذلك أن كثيراً من الأشياء الفاعلة كل واحد من الاثنين ليس بجيد، فإذا اختلطت صارت شيئاً جيدا، أو بعكس ذلك: أعنى أن كل واحد منهما شىء جيد، وإذا اختلطت صارت شيئاً رديئاً أو صارت ولا واحد من هذين. وما قلناه فى هذا الموضع يبين خاصةً فى الأمور الفاعلة للصحة والفاعلة للمرض. فإن بعض الأدوية يبلغ من حالها إلى أن يكون كل واحد من اثنين منها على حدته جيداً، فإذا خلطا وتبودلا كانا شيئا رديئاً.

وينظر أيضا إن كان من شىء أجود وشىء أردأ، ولم يكن الكل أردأ من الأجود، وأجود من الأردأ. إلا أنا نقول: ولا هذا أيضاً من الاضطرار إن لم تكن الأشياء التى منها ركب جيدةً بذاتها، لأن الأشياء التى ليست جيدة بذاتها ليس يمنع مانع ألا يكون الكل منها جيدأ، كالحال فيما قلناه قبيل.

وينظر أيضاً إن كان الكل موطناً لأحد الاثنين، فإن ذلك ليس يجب، كما لا يجب فى المقاطع: فإن المقطع ليس موطناً لشىء من الحروف التى منها ركب.

وينظر أيضاً إن كان لم يذكر حال التركيب، إذ ليس يكتفى فى التعريف بأن يقال من هذه، لأن جوهر كل واحد من الأشياء المركبة ليس إنما هو منها على جهة كذا، كالحال فى البيت، لأن حدوثه ليس عن الأشياء التى هو منها كيفما ركبت.

وينظر أيضاً إن كان قد وصف هذا مع هذا، فينبغى أن يقول أولاً إن قوله هذا مع هذا هو قوله: إما هذا وهذا، أو: هذا من هذه. لأن من قال: عسل مع ماء، فقد قال: إما عسلاً مع ماء، أو المركب مع العسل والماء. فإن اعترف بأن قوله: هذا مع هذا، موافق لأحد القولين: أيهما كان — فيليق به أن يقول إن الأشياء التى قيلت أولاً فى كل واحد من هذين متفقة. وأيضاً إذا فصلت قولك واحداً مع آخر على كم جهة يقال، فينبغى أن ينظر إن كان ليس هذا مع هذا أصلاً، مثل أن يقال واحد مع آخر: إما على أنه قابل واحد بعينه (كالعدالة والشجاعة فى النفس)، أو فى مكان واحد، أو فى زمان واحد، ولم يكن ما قيل فى هذه حقاً أصلاً، فمن البين أن التحديد الموصوف ليس هو ولا لواحد إذ ليس هذا مع هذا أصلاً. وإن كان وجود كل واحد من اللذين فصل منهما على كم جهة، يقال واحد مع آخر فى زمان واحد بعينه حقاً، فينبغى أن ينظر إن كان يمكن ألا يقال كل واحد منهما بالقياس إلى شىء واحد بعينه — مثال ذلك إن هو حد الشجاعة بأنها جرأة مع فكر صحيح. وذلك أنه قد يمكن أن تكون له جرأة على أن يحتفظ، وفكر صحيح فى الأمور الفاعلة للصحة. إلا أن الذى له هذا مع هذا فى زمان واحد ليس هو بعد شجاعا. — وأيضا أن كانا جميعاً يقالان بالقياس إلى شىء واحد بعينه بمنزلة ما يقال بالقياس إلى الأشياء الطبية، فإنه ليس يمنع مانع من أن تكون له جرأة ما وصحة فكر بالقياس إلى الأشياء الطبية، إلا أنه على حاله لا هذا شجاعاً، الذى له هذا مع هذا. وذلك أن كل واحد منهما ليس ينبغى أن يقال بالقياس إلى الآخر، ولا أى واحد استقبلك منهما إلى واحد بعينه، لكن بالقياس إلى الغاية التى للشجاعة، أعنى إلى مجاهدة الحروب، أو إن كانت غاية هى أكبر من هذه. — وبعض ما يوصف بهذه الصفة لا يقع تحت هذه القسمة التى ذكرت، مثل أن يكون الغيظ غماً مع توهم استخفاف. وذلك أنه إنما يريد أن يبين أن الغم إنما يكون بسبب هذا الوهم.

فأما كون الشىء بهذا السبب فليس هو مساوياً لوجوده مع هذا فى صنف المذكورة.