Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

al-Ruhāwī: K. Adab al-ṭabīb (Practical Ethics of the Physician)

Bürgel 1992

الباب الثانى فى التدابير المصلحة للأبدان وبها يصلح الطبيب جسمه وأعضاءه

أقول، والله المعين: إن الخالق تعالى، لما شاء إظهار حكمته وقدرته، جعل كل مخلوق محكما، وجعل الأدلة فى المخلوقات على إحكام خلقتها، وقدرة خالقها تبارك، كثيرة جدا. من ذلك ما جعل لبعضها من الاتصال الطبيعى ببعض، وما فضل بعضها عن بعض، وما رتبها بذلك مراتب مختلفة، لتأخذ من نوره، وتقبل من حكمته، بحسب ما لها من شرف المنزلة. فأعطى تعالى الناميات من القوى الأربع التى بها تتغذى وتنمى، ليتم لها البقاء بنوعها، ما لم يعطه للجامدات.

ووهب تعالى للإنسان من نوره نفسا، علامة عاقلة مميزة، ما لم يعط لغيره من الحيوانات. فالإنسان لذلك هو أتم أنواع الحيوان وأكملها، لأنه من جسم حى، ومن نفس ناطقة، ولأن النفس الناطقة هى المتممة لنوع الإنسان، وأفعالها بجسمه تظهر، فلذلك بنى جسمه بناء يلاءم قواها، كالذى بنيت عليه أجسام سائر الحيوان من الملاءمة لقوى نفوسها. فما كان منها شجاعا محبا للغلبة والقتال، بنى لنفسه جسم يصلح لهذه الأفعال، كالسبع والنمر والذئب، وأشباه هذه. وما كان منها جبانا، خلقت له آلة تصلح للهرب، كالأرنب والثعلب، وأشباه هذه من الحيوانات. فلذلك بنى جسم الإنسان أيضا بناء يلاءم نفسه. فنفس الإنسان لما كانت أصفى النفوس وأعدلها، بنى لها جسم أكمل الأجسام أعضاء، وأتمها هيئة، وأعدلها مزاجا، لتكون أفعاله تامة كاملة متقنة، ككمال نفسه وتمامها وشرفها.

وأيضا لما كان البدن آلة للنفس، وكانت أعضاء البدن مخلوقة لنفس الحيوان بحسب قواها، وكان لكل حيوان من الحيوانات عمل يخص ذلك النوع من الحيوانات، لا يقدر على غيره، وأعضاؤه كلها مرافد بعضها بعضا فى مصالحه، وفى إكمال ذلك العمل — كالذى نجده من عمل الزنبور والنحل والنمل لثبوتها، كل واحد بحكم ثبوته، وبشكلها بغير تشكيل الآخر، لكن بحسب ما يلاءم مصلحتها، وكنسييج العنكبوت لأخبيته، ودود القز، وما سوى ذلك من الحيوان — وكان الإنسان لشرف نفسه ولكمالها، ولقوة عقله على العلم بجميع المهن والصنائع، وإن الحكيم جل ذكره لما أراد إظهار ما فى قوة نفس الإنسان إلى الوجود بالفعل، خلق أعضاء جسمه أكمل وأتم، ليقدر على جميع ما يعمله الحيوان طبعا بعقله. فخلق تبارك له اليدين، ليقدر بهما على عمل ما دق من المهن، وما جل، وليتخذ بهما أنواع السلاح، كالسيف والرمح والنشاب والترس، ويروض الخيل،

Work

Title: al-Ruhāwī: K. Adab al-ṭabīb
English: Practical Ethics of the Physician
Original: كتاب أدب الطبيب

Domains: Medicine, Ethics, Pharmacology

Text information

Type: Secondary

Date: between 880 and 930

Bibliographic information

Publication type: Unpublished

Author/Editor: Bürgel, J. Christoph

Title: Kitāb adab al-ṭabīb taʾlīf Isḥāq ibn ʿAlī al-Ruhāwī

Published: 1992