Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: De Sectis ad eos qui introducuntur (On Sects for Beginners)

الرأس السادس في استخراج فرقة أصحاب الحيل

وأمّا أهل الفرقة الثالثة فيسمّون أنفسهم القاصدين للطريق، كأنّهم يعنون بذلك أنّ المستعملين للقياس قبلهم لم يقصدوا في هذه الصناعة للطريق.

ولست أری أنّ المضادّة والخلاف بين هذه الفرقة وبين الفرقتين الأوليين في الكلام فقط، لكنّهم يخالفونهم في كثير من أعمال الطبّ.

وذلك أنّهم يقولون: إنّه لا ينتفع بمعرفة العضو الآلم في الاستدلال علی علاجه، ولا بعلّة المرض، ولا بالسنّ، ولا بالوقت الحاضر من أوقات السنة، ولا بالنظر في قوّة المريض، ولا في طبيعة بدنه، ولا في حاله الحاضرة.

ويطرحون أيضاً النظر في البلدان، وفي العادات.

ويقولون: إنّهم يكتفون بالاستدلال من نفس الأمراض علی ما ينتفع به فيها.

وليس يقولون: إنّهم يستدلّون علی ذلك منها علی تفصيل صنف، صنف منها، لكنّ علی جملها، وأشياء تعمّها. ويسمّون هذه الأشياء التي تعمّها، وتشتمل عليها في جميع أصنافها الجزئيّة «جملاً».

ويرومون أن يثبتوا أنّ الأمراض جملتان، وجملة ثالثة مركّبة من هاتين.

وبعضهم يزعم: أنّ هذه الجمل تشتمل علی الأمراض التي تكون مداواتها بالتدبير.

وبعضهم يزعم: أنّها تشتمل علی جميع الأمراض.

وجعلوا لهاتين الجملتين اسمين: أحدهما الاحتقان، والآخر الانبعاث، وهو الاسترسال.

وقالوا: إنّ كلّ مرض لا يخلو من أن يكون إمّا احتقاناً، وإمّا انبعاثاً، وإمّا مركّباً فيما بينهما.

والاحتقان عندهم أن تكون الأشياء التي استفراغها للأبدان طبيعيّ ممتنعة، محتبسة.

والانبعاث عندهم أن تكون تلك الأشياء تستفرغ بأكثر من المقدار.

فمتی كانت تلك الأشياء قد اجتمع فيها الاحتقان والانبعاث، قالوا: إنّ ذلك مرض مركّب من الاحتقان والانبعاث، مثل حال العين، إذا كانت متورّمة، فتنبعث منها دموع.

وذلك أنّهم قالوا: إنّ الورم مرض محتقن. فلمّا كان في هذه الحال ليس هو بمفرد وحده، لكنّ معه شيء منبعث، والورم والانبعاث جميعاً في موضع واحد، صارت جملتها مرضاً مركّباً.

وقالوا: إنّ الاستدلال علی ما ينتفع به هو في الأمراض المحتقنة التحليل، وفي الأمراض المنبعثة التسديد.

وكأنّ الركبة — في المثل — إن تورّمت، فينبغي أن يحلّل ورمها، وإن استطلق البطن، أو سال شيء من العين، فينبغي أن يمنع ويحبس.

فأمّا إذا كان المرض مركّباً، فينبغي أن يقصد قصد الشيء الذي يحقن.

وذلك أنّهم يزعمون أنّ مقاومة المرض الذي أذاه أكثر، وخطره أعظم، وهو أقوی المرضين، أولی من مقاومة الآخر.

الرأس السابع في الاشتراك بين فرقة أصحاب الحيل وبين الفرقتين الأوليين

وإذا سئلوا لم لم تنسبوا أنفسكم إلی الرأي والقياس، وأنتم تستخرجون وتستدلّون من نفس الأمراض علی ما تعالجونها به، قالوا: لأنّ أصحاب الرأي قد يبحثون عن الشيء الخفيّ: ونحن لا نعدوا الشيء الظاهر.

ولذا حدّوا فرقتهم كلّها بهذا الحدّ، وهو معرفة الجمل الظاهرة.

وكيما لا يظنّ أنّ هذا الحدّ يشتمل علی سائر الصناعات كلّها — لأنّهم يزعمون أنّ تلك أيضاً إنّما كلّ واحدة منها معرفة جمل ظاهرة — زادوا في الحدّ: «تابعة لغاية الطبّ». ومنهم من لم يزد تابعة، لاكنّ مواقفة.

وأكثرهم قرن اللفظتين، فقال: إنّ قصد الطريق هو معرفة جمل ظاهرة موافقة تابعة لغاية الطبّ.

ومنهم قوم آخرون، أحدهم ثاسلس، قالوا: إنّ الحدّ معرفة جمل ظاهرة متّصلة بالصحّة يحتاج إليها فيها ضرورة.

ولذلك يرون أنّه لا ينبغي أن يسمّوا أصحاب رأي، وذلك أنّهم، بزعمهم، لا يحتاجون — كما يحتاج أصحاب الرأي — إلی الأمر الخفيّ.

قالوا: إنّه لا ينبغي أن يسمّوا أنفسهم أصحاب التجربة، وإن كانوا لا يعدون الأمر الظاهر، لأنّهم يخالفونهم في الاستدلال من الأمراض علی علاجها.

وليس يذكرون أيضاً أنّهم يوافقون أصحاب التجارب في الوجه الذي له اقتصروا علی الأمور الظاهرة، لأنّهم يزعمون أنّ أصحاب التجارب إنّما اقتصروا علی الأمور الظاهرة وتركوا الأمور الخفيّة، لأنّه لا يوصل إلی معرفتها.

وأمّا هم، بزعمهم، فإنّهم اقتصروا علی الأشياء الظاهرة وتركوا الأشياء الخفيّة، لأنّه لا يحتاج إليها.

وأنّ أصحاب التجارب إنّما ينالون من الأشياء الظاهرة التحفّظ بما يكون فيها من منفعة، أو مضرّة.

وأمّا هم فينالون من الأشياء الظاهرة الاستدلال علی الشيء الذي ينتفع به.

وهذا عندهم الفرق فيما بينهم وبين أهل الفرقتين القديمتين.

وأنّهم أيضاً يحذفون ويسقطون عن أنفسهم النظر في أوقات السنة، والبلدان، والأسنان، وجميع أشباه هذه الأشياء. ويظنّون أنّ جميع هذه الأشياء لا ينتفع بها. وأنّ ذلك من أمرها بيّن. وأنّ من كان قبلهم من الأطبّاء إنّما دعاه إلی تعظيم أمر هذه الأشياء طلب الذكر والنباهة.

ويقولون: إنّ هذا أعظم فوائد هذه الفرقة. ويفتخرون به، ويوجبون لأنفسهم به أن يحلّوا من القلب محلّ الإعجاب. ويذمّون القائل بأنّ العمر قصير، والصناعة طويلة.

ويقولون: إنّ الأمر علی ضدّ ذلك، وهو أنّ الصناعة قصيرة، والعمر طويل.

وذلك أنّه إذا حذف منها كلّ ما يوهم أنّه ينتفع به فيها بالباطل، ونظر إلی الجمل وحدها، لم تكن الصناعة عند ذلك طويلة، ولا صعبة. لكنّها تكون من أسهل الأشياء وأوضحها، حتّی أنّه يمكن أن تتعلّم كلّها في ستّة أشهر.

فعلی هذه الحال جمعوا، بزعمهم، واختصروا جملة أمر الأمراض التي علاجها بالتدبير. وكذلك أيضاً يذكرون أنّهم فعلوا في الأمراض التي تعالج باليد، وفي الأمراض التي تعالج بالأدوية.

فإنّهم يرومون في تلك أيضاً أن يوجدوا جملاً ما تعمّها، وينصبون فيها أغراضاً للعلاج قليلاً عددها، حتّی أنّي لو آثرت أن أتعلّم صناعتهم كلّها في أقلّ من الستّة الأشهر المشهورة من قولهم بمقدار كثير، لقدرت علی ذلك.

وينبغي أن يشكروا علی قصدهم بنا وإفادتنا الطريق القاصد في التعليم، إن كانوا ليس يكذبون

وإن كانوا كاذبين، فينبغي أن يذمّوا علی الكسل والتواني.