Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: In Hippocratis Epidemiarum librum I (On Hippocrates' Epidemics I)

‌مزاج الهواء الوارد عليها فإنّها معما لا ينالها منه مضرّة تصير إلى حال أجود من الحال التي كانت عليها، لأنّ إفراط مزاج الهواء المضادّ لمزاجها يحفظ من إفراط مزاجها، لأنّ «الضدّ هو شفاء للضدّ»، من ذلك أنّ أصحاب المزاج الحارّ اليابس عند حال الهواء الباردة الرطبة لا ينالهم منها مضرّة بل منفعة، لأنّ تلك الحال من الهواء، إذا أجبرت تلك الأبدان إلى ضدّ ما هي عليه، صارت حالها حالاً متوسّطة في المزاج. وهذا هو السبب في أن ليس يمرض جميع الناس عند حالات الهواء الخارجة عن المزاج المعتدل.

فمن عرف هذا قدر أن يحفظ على الأبدان صحّتها بتدبيره إيّاها بالتدبير المضادّ لحال الهواء. وذلك أنّه متى كان الهواء بارداً رطباً، فهو يحتاج إلى أن يسخن الأبدان ويجفّفها، ولا سيّما متى كانت الأبدان إلى البرد والرطوبة أميل. فتنفع تلك الأبدان في تلك الحال الرياضة التي هي أكثر وشرب الشراب الذي هو في مقداره يسير، إلّا أنّه في طبيعته من الخمور التي هي أسخن. وأمّا الماء فلن يوافقها أصلاً، وينفعها من الأطعمة ما يسخنها ويجفّفها.

ونقدر أن نعرف المقدار الذي يحتاج إليه من كلّ واحد من هذه الأشياء من مزاج البدن ومن مزاج الهواء إذا نحن نظرنا كم زال كلّ واحد منها عن الاعتدال: فإنّه قد ينبغي أن يكون مقدار تمييلنا للتدبير عن الاعتدال بحسب زوال كلّ واحد من البدن والهواء عن الاعتدال، مثل ذلك أنّه متى كان بدن من الأبدان زائلاً عن اعتدال المزاج زوالاً كثيراً جدّاً إلى الرطوبة والبرد، فإنّا نسخن ذلك البدن في مثل هذه الحال التي نحن في صفتها إسخاناً أكثر ونجفّفها تجفيفاً أكثر، ومتى كان البدن إنّما زال عن الاعتدال إلى البرد والرطوبة زوالاً يسيراً، فليس يجب أن نسخنه ونجفّفه غاية الإسخان والتجفيف.

وأحرى ألّا ينبغي أن يكون التدبير قويّ الحرّ واليبس متى كان البدن حارّاً يابساً، لأنّ ذلك البدن من طبيعته ما يُغنيه عن ذلك، لكنّه إنّما ينبغي أن ننظر كم زال الهواء عن الاعتدال الذي ينبغي أن يكون عليه: فإن كان زواله يسيراً، لم نُزِلْ تدبير البدن الحارّ اليابس عن الحال المتوسّطة أصلاً، وإن كان زواله أكثر، فيكفي أن نزيله زوالاً يسيراً.

فهذا ما نعلمه من علم أسباب تولّد كلّ واحد من الأمراض عند كلّ واحدة من حالات الهواء. فأمّا قوينطس فإذا كان يحجر معرفة أسباب الأمراض التي تحدث من قبل حالات الهواء بمنزلة ما يحجرها أصحاب التجارب، وإنّما يضيف أمرها إلى التجربة فقط، فإنّه قد عدم وجود ما يحتاج إليه في علاجه، على أنّه إنّما يحتاج إلى معرفة تولّد الأمراض العامّيّة الحادثة من الهواء لهذا الأمر الذي ذكرناه.

فلننظر الآن في هذه الحال من الهواء التي كلامنا فيها، ونرجع فيها منذ أوّل أمرها.

فنقول إنّ هذه الحال كانت، كما‌