Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Topica (Topics)

〈مواضع أخرى〉

وأيضا إن وضع واضع الملكة فى الفعل أو الفعل فى الملكة — مثل أن يضع للحس حركة بالجسم. وذلك أن الحس ملكة، والحركة فعل. وكذلك إن قال إن الذكر ملكة ممسكة للظن، لأنه ليس شىء من الذكر ملكة، بل الأولى به أن يكون فعلا.

وقد يخطئ الذين يصفون الملكة فى القوة اللازمة لها، مثلما يضعون الدعة إمساك الغيظ، والشجاعة والعدالة إمساك الخوف والأرباح، وذلك أن الشجاع والوادع يقال لكل واحد منها البرئ من العوارض، والضابط هو الذى تناله العوارض ولا ينقاد لها. وخليق أن تكون مثل هذه القوة تلزم كل واحد منهما، حتى إنه إن ناله عارض لم ينقد له، بل ضبط نفسه عنه. إلا أن هذا المعنى ليس إنما هو بأن يوجد للشجاع والوادع، لكنه عدم قبول شىء من أمثال هذه العوارض أصلا.

وربما يضعون اللوازم — بوجه من الوجوه — بمنزلة الجنس كما يضعون الغم جنسا للغيظ، والظن جنسا للتصديق. فإن هذين الموصوفين يلزمان — بجهةن من الجهات — الأنواع الموصوفة. وليس واحد منهما جنسا. وذلك أن الذى يغتاظ قد يغتم أولا بحدوث الغم فيه، إذ كان الغيظ ليس هو سبب الغم، لكن الغم سبب الغيظ. فليس الغيظ إذاً على الإطلاق غما. وعلى ذلك المثال أيضا ولا التصديق ظناً: لأنه قد يمكن أن يكون الظن الواحد بعينه أيضا لمن لا يصدق به. وما كان ذلك ليمكن لو كان التصديق نوعاً للظن. وذلك أنه ليس يمكن فى الواحد بعينه أن يبقى على حاله إذ تغير بالكلية عن النوع، كما أنه ليس يمكن أن يبقى الحيوان الواحد بعينه على حاله إذا كان مرة إنسانا ومرة لا. فإن قال قائل إنه من الاضطرار أن يصدق الظان، صار التصديق والظن يقالان بالسوية، فلا يكون على هذه الجهة جنساً، لأن الجنس يقال على أكثر مما يقال عليه النوع.

وينظر أيضا إن كان من شأن كليهما أن يكونا فى شىء واحد بعينه. وذلك أن الشىء الذى يوجد فيه النوع قد يوجد فيه الجنس أيضا — مثال ذلك أن الذى يوجد فيه الأبيض يوجد فيه اللون أيضا، والذى يوجد فيه النحو يوجد فيه العلم أيضا. فإن قال قائل إن الاستحياء خوف، وإن الغيظ غم، لم يلزم أن يكون النوع والجنس فى شىء واحد بعينه. وذلك أن الاستحياء فى الجزء الفكرى، والخوف فى «الجزء» الغضبى، والغم فى الشهوانى، وذلك أن اللذة إنما هى فى هذا الجزء، والغيظ فى الغضبى. فليس الأشياء التى وصفناها أجناساً لأنها ليست فى الشىء الذى فيه الأنواع. كذلك إن كانت المحبة فى الشهوانى فليست مشيئة ما. وذلك أن كل مشيئة إنما هى فى الجزء الفكرى. وهذا الموضوع نافع فى العرض أيضا؛ وذلك أن العرض والشىء الذى يوجد له العرض يوجدان فى شىء واحد بعينه. فإن لم يوجد معه فى شىء واحد بعينه فمن البين أنه ليس يعرض له.

وينظر أيضا إن كان النوع يشارك الجنس الموصوف من جهة، لأنه ليس يظن أن النوع يشارك الجنس من جهة. وذلك أن الإنسان ليس هو من جهة حيوانا، ولا النحو من جهة علما. وكذلك يجرى الأمر فى الباقى. فننظر إن كان فى بعض الأشياء يشرك النوع الجنس — مثال ذلك أنه قد قيل إن الحى هو الذى هو المحسوس أو المرئى، لأن الحى مرئى ومحسوس من جهة، إذ كان مربيا ومحسوسا من جهة، الجسم لا من جهة النفس. فليس المرئى إذن ولا المحسوس جنسا للحى. — وربما وضعوا الكل فى الجزء وهم لا يشعرون — مثل أن يقولوا إن الحى جسم يتنفس، وذلك أنه ليس يحمل الجزء على الكل أصلا، فليس الجسم إذن جنساً للحى لأنه جزء.

وينظر أيضا إن كان قد وضع شيئا من المذمومات أو المهروب منها فى القوة أو فى القوى — مثل أن يجعل المغالط أو الساعى أو السارق الذى يقوى على أن يسرق شيئاً ما ليس له. وذلك أنه ليس أحد ممن وصفنا يوصف بأنه كذلك من طريق ما هو قادر على أن يكون كذلك. وذلك أن الملك والإنسان الفاضل قد يقدران على أن يفعلا الشر وليسا شريرين، لأن جميع الشرار يوصفون بذلك بحسب الاختيار. وأيضا وكل قوة إنما هى من الأشياء المختارة. وقوى الأشياء الرديئة مختارة، ولذلك نقول إنها موجودة للملك وللفاضل إذ كان كل واحد منها قادراً على أن يفعل الردىء. فليست إذن القوة جنسا لشىء مذموم أصلا. وإن لم يكن هذا هكذا، فقد يلزم أن يكون شىء من المذمومات مختاراً؛ فتكون قوة من القوى مذمومة.

وينظر أيضا إن كان وضع شيئا من الأشياء الجليلة بنفسها أو من المختارة فى القوة أو فى القوى أو فى الفاعل. وذلك أن كل قوة وكل قوى أو فاعل فإنما هو مختار من أجل غيره، أو إن كان وضع شيئا من الأشياء التى فى جنسين أو أكثر من ذلك فى أحدهما، فإن بعض الأشياء ليس يمكن أن يوضع فى جنس واحد، بمنزلة الخداع والساعى، وذلك أنه لا المختار إذا كان لا يقدر، ولا القادر إذا كان غير مختار هو خداع أو ساع، بل إنما يكون كذلك من اجتمع له الأمران. فليس ينبغى إذن أن نجعل ولا واحد منهما فى جنس واحد، لكن فى الجنسين الموصوفين.

وأيضا ربما كان الأمر فى العكس، أعنى أنهم يضعون الجنس على أنه فصل، والفصل على أنه جنس، بمنزلة ما يضعون الحيرة بإفراط التعجب، والتصديق قوة الظن. وذلك أنه ليس الإفراط ولا الاستحكام جنسا، لكنهما فصلان، لأنه يظن بالحيرة أنها تعجب مفرط، والتصديق ظن مستحكم. والعجب والظن جنسان، والإفراط والاستحكام فصلان. وأيضا إن وصف واصف الإفراط والاستحكام بأنهما جنسان، صار ما لا نفس له يصدق ويتحير. وذلك أن استحكام كل واحد وإفراطه موجودان لذلك الشىء الذى هما له استحكام وإفراط. فإن كان التحير إفراط التعجب، فالتحير يوجد للتعجب. فالعجب إذاً يتحير. وكذلك التصديق يوجد للظن، إذ كان استحكام الظن؛ فالظن إذن يصدق.— وأيضا يلزم من يصفهما بهذا الوصف أن يقول إن الاستحكام مستحكم، والإفراط مفرط. وذلك أن التصديق مستحكم. فإن كان التصديق استحكاما، فالاستحكام إذن مستحكم. وكذلك أيضا التحير مفرط؛ فإن كان التحير إفراطا فالإفراط مفرط. وليس يظن بهما ذلك أنه كذلك، كما لا يظن بالعلم أنه عالم، ولا بالحركة أنها متحركة. — وربما أخطأوا أيضا بوضعهم الأنفعال فى المنفعل على أنه جنس، بمنزلة الذين يقولون إن عدم الموت حياة أزلية. وذلك أنه قد يشبه أن يكون عدم الموت أنفعالا أو عرضا للحياة. والأمر فى أن ما قلناه حق يتبين من أن يسلم أحد أن شيئاً يصير غير مائت بعد أن كان مائتا. وذلك أنه ليس لأحد أن يقول إنه يقبل حياة أخرى غير الحياة التى كانت له، بل يقول إن أنفعالا أو عرضا حدث لها. فليس الحياة إذاً جنساً لعدم الموت.

وينظر أيضا إن كانوا يقولون إن الأنفعال جنس لذلك الشىء الذى هو له انفعال: بمنزلة ما يقولون إن الريح هواء متحرك. وذلك أن الأولى أن تكون الريح حركة الهواء. وذلك أن الهواء إذا تحرك وإذا سكن بقى واحدا بعينه. فليس الهواء ريحاً أصلا، لأنه لو كان ريحاً لكان يكون ريحا وهو ساكن أيضا، إذ كان يبقى هواءً بحاله، كما كان هو ريحا. وكذلك يجرى الأمر فى سائر ما أشبه ذلك. وإن كان ينبغى أن يسلم فى هذا الفصل أيضا أن الريح هواء متحرك، إلا لأنه ليس ينبغى أن يقبل ذلك فى جميع الأشياء التى يصدق عليها الجنس، لكن فى الأشياء التى يحمل عليها بالحقيقة الجنس الموصوف. وذلك أنه فى بعض الأشياء ليس يظن به أنه يصدق كالحال فى الثلج والطين، فإنهم يقولون فى الثلج إنه ماء جامد، وفى الطين إنه تراب معجون بشىء رطب، أو ليس الثلج ماءا ولا الطين ترابا. فليس واحد مما ذكرنا جنساً، لأنه ينبغى أن يكون الجنس يصدق أبداً على الأنواع. وكذلك ليس الشراب ماءاً عفناً، كما يقول أنبادوقليس إنه ماء متعفن فى العود. وذلك أنه ليس بماء على الإطلاق.