Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Historia Animalium (History of Animals)

وفيما يقول بعض النساء شك ومعاودة: فإنهن يزعمن أنهن إذا رأين حلم مجامعة، ينهضن وذلك المكان جاف يابس. فإنه يستبين من هذا القول أن الرحم تجذب إلى ذاتها الزرع، ولا تقوى الإناث على الولاد إن لم يخالط زرع الذكر زرع الأنثى. فإنه إذا خالطه، جذبه معه، أعنى يجذب زرع الذكر إلى جوف الرحم، وربما جذب رحم المرأة الزرع الذى يفضى خارجاً منه. ولذلك يعرض لبعض النساء السقم الذى يسمى باليونانية «مولى» μυλη، وهو شىء شبيه بلحم يكون فى جوف الرحم ويقيم على حاله سنين كثيرة، كما عرض لامرأة فيما سلف من الدهر: فإنها إذا جامعت زوجها، ظنت أنها قد علقت، وارتفع فم الرحم وجسا، وكانت سائر الأشياء التى تتبع كما ينبغى. فلما بلغ وقت الولاد، لم تلد المرأة، ولم يضمر ذلك الانتفاخ ولا الورم، بل بقيت على تلك الحال أربع أو خمس سنين. فلما عرض لها الاختلاف الذى يكون من قرح المصارين وكادت تهلك به، ولدت بضعة لحم جيدة العظم، وهى التى تسمى «مولى». وربما عرض هذا السقم لبعض النساء وبقى على حالة إلى زمان الشيب ومات معهن. وإنما يكون هذا الوجع من قبل حرارة، إذا كانت الرحم سخنة يابسة، وسخونتها ويبسها يجذبان الرطوبة إلى ذاتها. وإذا جذبت أمسكت [٢٩٤] تلك الرطوبة ولم تدعها تسيل ولا تنزل. فإذا كانت حال الرحم على ما وصفنا وجذبت الزرع إلى ذاتها، ولم يكن معه مخلوطاً زرع الذكر، يجتمع ويتولد منه البضعة التى تسمى «مولى». وهذا الاجتماع شبيه بما يتولد فى أرحام الطائر من البيض الذى يسمى بيض الريح. فتلك البضعة لا تسمى حيواناً، لأنها ليست من خلط زرع كليهما، ولا هى غير متنفسة لأنها تشبه المتنفس، وهى مثل ما يجتمع فى رحم الطائر من بيض الريح. وإنما تبقى تلك البضعة زماناً كثيراً لحال الرحم، ولأن رحم الطائر إذا صار فيها زرع الأنثى تربى وتغذى وتتحرك العروق. فإذا نفخ فم الرحم مرةً، خرج منه بيض متتابعاً مراراً شتى؛ وليس فيما بين ذلك شىء يمنع. — فأما الحيوان الذى يحمل ويلد حيواناً مثله، فقوة رحمه تتغير إذا نشأ ما فيها، ولا سيما لأنه يحتاج إلى غذاء مختلف باختلاف الزمان، فالرحم 〈تنضج〉 وتلقى ما فيها. فأما البضعة فلأنها لحم ليست هى حيوان، لا تثقل الرحم ولا تلجئها إلى الورم والالتهاب. ولذلك ربما أقام هذا الداء زماناً كثيراً حتى تموت النساء اللاتى يعرض لهن — إن لم يحدث فيما بين ذلك سقم آخر بسعادة البخت، كما عرض للائى أصابهن اختلاف من قرح المصارين.

وهو مشكوك إن كان هذا العرض من قبل حرارة، أو من قبل الرطوبة أعنى اجتماع البضعة التى وصفنا، أو من قبل كثرة برودة الرحم؟ ونقول إن حرارة الرحم لا تكون كبيرة حتى تنضج، ولا تكون باردة جداً حتى تدع وتخلى باقى الرحم، فيقع. ولذلك يكون الداء من مثل ما يعرض للحم الذى يطبخ: فإنه إذا لم يحكم طبخه، أقام حيناً كثيراً لا ينضج. وإن البضعة التى تكون فى الرحم ليست بحيوان، فلا يعرض منها طلق؛ وإنما الطلق حركة الرباطات. والجساوة التى تكون فى تلك البضعة إنما تكون من قبل سوء الطبخ. وهى تكون جاسية جداً، حتى لا يستطاع أن تقطع بفأس. وكل ما يطبخ على غير إحكام، يكون جاسياً غير نضيج.

وكثير من الأطباء جهل هذه العلة. ولذلك إذا عاينوا البطون ترتفع بغير الارتفاع الذى يكون من جميع الماء وانقطاع الطمث، إن امتد بصاحبه، يطبون أن هذا 〈هو〉 الداء الذى وصفنا؛ وليس [٢٩٥] ذلك كما يظنون، لأن البضعة التى لا تكون فى الرحم إلا فى الفرط، وربما كانت نازلة فضول لزجة رطبة رقيقة مائية، تنزل إلى ناحية الرحم؛ وربما كانت نازلة فضول غليظة إلى ناحية البطن، ولاسيما إذا كان الطباع موافقاً لذلك. فإن هذه الفضول لا تكون موجعة ولا مؤذية، ولا تعرض منها حرارة غالبة، لحال بردها، بل تجتمع وتنشأ: فمنها ما تعظم، ومنها ما تبقى صغيرة، ولا يعرض منها سقم آخر حادث، بل تبقى على 〈حالها ساكنة〉 مثل شىء 〈غير〉 مفروغ منه. وحبس الطمث يكون لأن الفضول تفنى هناك، كمثل ما يتهيأ فى اللبن إذا رضع الصبى من أمه: فإنه إذا در اللبن، لا يعرض شىء من الطمث؛ وإن عرض، لا يكون إلا ضعيفاً قليلاً. — وربما سالت الفضول وصارت فى المكان الذى بين الرحم والبطن، حتى يظن أنها الداء الذى يسمى باليونانية «مولى» μυλη، وليست هى كذلك. وليست معرفة ذلك عسرة، أعنى إن كانت البضعة، 〈بمس الرحم〉. فإن الرحم إذا لم ترم وترتفع، عسرة، أعنى وكانت خفيفة ليس فيها شىء من الثقل 〈فهذا〉 يدل على أن ذلك الداء ليس فيها. فأما إن كانت الرحم كحالها إذا كان فيها صبى، ففيها 〈إذن〉 تلك البضعة، وربما كانت 〈أى الرحم〉 حارة 〈متكتلة〉 يابسة، لحال الرطوبات التى داخلها، ويكون فم الرحم كما يكون عند الحمل. 〈وإذا كان حجم الرحم من جنس آخر، فإنه يكون بارداً عند اللمس، لكن لا يكون يابساً، وسيكون فم الرحم على نفس النحو〉.

[تم تفسير القول العاشر من كتاب «طبائع الحيوان»]