Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Galen: Ars Medica (The Art of Medicine)

وأمّا الأعضاء التي تكون بها آفة في عظمها، أو في خلقتها، أو في عددها، أو في وضعها، فما كان منها يقع تحت الحواسّ فقد يسهل تعرّفها. وما كان منها لا يقع تحت الحواسّ، قمنها ما يعسر تعرّفه، ومنها ما لا يمكن تعرّفه بتّة.

أمّا عظم الرأس، وشكله، وعظم الدماغ مع ذلك، وشكله، فأمرها بيّن. وقد وصفته قبل. وكذلك الحال في الصدر.

وعلى هذا المثال ليس يعسر عليك تعرّف أمر الكتفين، والمنكبين، والعضدين، والساعدين، والكفّين، والوركين، والفخذين، والساقين، والقدمين، كانت الآفة في كلّ واحد منها في الخلقة، أو في القدر، أو في العدد، أو في تركيب الأجزاء التي كلّ واحد منها هو منها مركّب. وضرر فعل كلّ واحد منها أيضاً بيّن.

فأمّا الأعضاء الباطنة فليس يمكن في جميعها تعرّف أمرها.

أمّا المعدة فقد رأيتها في بعض الناس صغيرة، مستديرة، بارزة في المواضع التي دون الشراسيف، حتّى كان يتبيّن للمتأمّل لها، واللامس حدّها الخاصّ بها على الاستدارة بياناً شافياً.

وكذلك أيضاً قد رأيت مثانة بارزة، صغيرة، حتّى أنّ صاحبها كان إذا أبطأ عن البول قليلاً، يظهر في موضعها انتفاخ محدود بحدّ بيّن.

وأمّا سائر الأعضاء الباطنة فلا أعلم أنّ شيئاً عنها ظهر لي ظهوراً بيّناً. إلّا أنّه قد ينبغي أن نروم ما أمكننا أن نعرف صلاحها، وفسادها، وإن لم يمكن تعرّفه بالحقيقة، فبحدس مقرّب.

وأضرب لك في ذلك مثالاً من الكبد. فقد رأيت قوماً كثيراً عددهم عروقهم ضيّقة، وألوانهم في البدن كلّه حائلة، وإن تناولوا من الطعام فضلاً قليلاً، لا سيّما إن كان الطعام نافخاً، غليظاً، لزجاً، أحسّ بعضهم في الجانب الأيمن ممّا دون الشراسيف كأنّ هناك في العمق شيئاً ثقيلاً موضوعاً على شيء أو معلّقاً بشيء. وأحسّ بعضهم مع ذلك بتمدّد مؤلم. فتوهّمت على من كانت هذه حاله أنّ كبده صغيرة، ضيّقة المجاري.

ورأيت رجلاً في بدنه كلّه شواهد غلبة البلغم، وهو مع ذلك يتقيّأ في كلّ يوم مراراً أصفر، فرأيت أنّه ينبغي أن أنظر، وأتفقّد حال برازه، فوجدت المرار في البراز يسيراً جدّاً، فزكيت في هذا الرجل أن يكون المجرى الذي يقذف فيه المرار ينبت منه قسم عظيم إلى أسفل المعدة، وهو الموضع الذي يلقّبه الأطبّاء بالبوّاب، كما قد يرى ذلك في بعض الحيوان.

وهذه الأشياء تدلّ على أنّ معرفة ما يظهر في التشريح، ووجود أفعال الأعضاء، ومنافعها عظيمة المنفعة في تعرّف ما يخفى من الحسّ. فمن أراد أن يقوي على الاستدلال في الأبدان التي فيها أشباه هذه الآفات، فينبغي له أن يرتاض في التشريح، وفي وجود أفعال الأعضاء ومنافعها.

وقد كتبت في كلّ صنف من هذه الأصناف كتاباً مفرداً. وسأذكر تلك الكتب في آخر كلامي في هذا الكتاب، كيما يعلم المحبّ للتعلّم في أيّ كتاب يجد علم شيء شيء ممّا يجب علمه. وفيما ذكرنا في هذا الباب كفاية.