Digital Corpus for Graeco-Arabic Studies

Aristotle: Historia Animalium (History of Animals)

〈طباع النحل〉

وأيضاً فى الحيوان المحزز الجسد جنس يشترك بالاسم ويشترك بالمنظر أيضاً، أعنى جميع الأصناف التى تهيىء موماً مثل النحل وما يشبهه بالمنظر، وهى تسعة أصناف: منها ستة أصناف يأوى بعضها مع بعض، أعنى النحل، والذكورة التى تكون فى النحل، والدبر الذى يأوى على وجه الأرض، والدبر الصغير الأصفر، والدبر الأسود المستطيل؛ فأما الأصناف التى تنفرد فثلاثة أصناف: [٢٥١] الذى يسمى باليونانية صيرين σειρην الصغير، وهو أغبر اللون، والذى يسمى صيرين σειρην الكبير وهو أسود مختلف اللون، والثالث الذى يسمى باليونانية بولبوليوس βομβυλιοσ، وهو أكبر من الصنفين الآخرين جداً. وينبغى أن يعلم أن النحل لا يصيد شيئاً، وإنما يجمع المعمول المفروغ منه؛ فأما العنكبوت فليس يعمل شيئاً ولا يكنز، وإنما يصيد طعمه فقط — وسنذكر فى آخر قولنا التسعة الأجناس التى وصفنا — فأما النحل فليس يصيد شيئاً، بل هو يهيىء ويكنز حاجة غيره. وإنما غذاؤه من العسل. وذلك يستبين من قبل القوام على النحل: فإنهم إذا ما أرادوا إخراج شىء من الشهد بخروا الخلايا؛ فإذا أصاب النحل أذى الدخان، حينئذ يأكل العسل خاصةً؛ فأما فى غير ذلك الوقت فليس يكثر من أكله لشفقته عليه، ولأنه يريد أن يكثره. وللنحل غذاء آخر، وهو ثفل العسل: ليس بحلو جداً، وحلاوته شبيهة بحلاوة التين. والنحل يجلبه على ساقيه، كما يجلب الموم.

وفى أعمال أصناف النحل وتدبيره لمعاشه اختلاف كثير. وإذا أصاب النحل خليةً نقية نظيفة يبنى فيها بيوتاً من الموم. وإنما يأتى ذلك الموم من سائر الأزهار ومن أطراف الشجر ومن الخلاف وسائر الأصناف التى فيها رطوبة لزجة. وبتلك الرطوبة يلطخ أرض الخلية لحال سائر الهوام التى تضربه. وأصحاب تعاهد العسل يسمون ذلك لطخاً. وإن كانت مداخل الخلايا واسعةً ثناها النحل وضيقها.

وهو يبنى أولاً بيوتاً معمولة من شمع؛ أعنى بالبيوت: الثقب التى يأوى فيها النحل ثم يهيىء البيوت التى يأوى فيها ملوك النحل، وذكورة النحل. فالنحل أبداً يبنى البيوت التى يكون هو فيها. فأما بيوت الملوك فهو يبنيها إذا كان الطرد — أعنى فراخ النحل — كبيراً؛ ويبنى بيوت الذكورة التى لا يعمل شيئاً، إذا كان العسل مباحاً كثيراً والنحل يهيىء بيوت الملوك قريبةً من بيوتها؛ وهى ثقب صغار. ثم يبنى بعدها بيوت الذكورة. والذكورة أصغر جثة من النحل الذى يعمل العسل. وهو [٢٥٢] يبدأ فى البناء والنسج من فوق، أعنى من سقف الخلية، ويأخذ من الأرض، أعنى الناحية السفلى، ويصير الزوايا على أوتاد البناء. ويكون العسل والفراخ [larves] مثنى: أعنى مدخلين، لأنهما كوبان ناتئان على أساس واحد مثل الكوبين ذوات الفمين — أحدهما من داخل، والآخر من خارج. والنحل يبنى حول الثقب التى فيها العسل والتى فيها الفراخ صنفين أو ثلاثة من الثقب الفارغة التى ليس فيها عسل؛ والثقب المغطاة بالموم توجد ملأى عسلاً، ومدخل الخلية يوجد ملطخاً بشىء شبيه بالموم، وهو أسود جداً كأنه وسخ الموم، وهو حريف الريح، نافع من ضرب السياط وأصناف الجراحات التى تقيح. وإن خلط به موم وزفت يكون دواء أقوى وأكثر منفعة.

وقد زعم بعض الناس أن الذكورة تنفرد ببيوتها، وتكون على حدتها فى الخلية الواحدة والشهدة الواحدة، وتقاسم النحل. وليس تعمل الذكورة شيئاً من العسل ألبتة، بل تغذى من عمل النحل هى والفراخ. والذكورة تكثر المأوى فى داخل الخلية؛ وإن طارت، فهى تخرج من الخلية بأجمعها وترتفع إلى الهواء ويكون لها دوى كأنها تريد أن تخرج وتحرك أجسادها. فإذا فعلت ذلك، رجعت أيضاً إلى الخلية وأكلت من العسل قدر شبعها.

فأما ملك النحل فليس يخرج خارجاً إن لم يخرج مع جميع النحل الذى فى الخلية، ولا يذهب إلى الرعى، ولا إلى مكان آخر. وقد زعم بعض الناس أنه إن طلب الطرد، أعنى الفرايخ وترك الملك، ينتقل من موضعه أيضاً ويطلب الملك حتى يجده بمعرفة رائحته. وقد زعم أن النحل يحمل الملك حملاً إذا لم يقو على الطيران. وإن هلك الملك هلك جميع الطرد. وإن أقام النحل زماناً ولم يبن بيوتاً من موم، لا يوجد فى الخلية عسل، والنحل يهلك عاجلاً.

والنحل يلقط الموم من الزهر لقطاً سريعاً ويحمله على رجليه المقدمتين، وينقى تلك الرجلين بأوساط الأرجل، ثم ينقى الأوساط معكوسة الرجلين إلى [٢٥٣] خلف. فإذا حمل النحل كفافه من الموم طار وهو بين من طيرانه أنه مثقل. وإذا طار النحل لا يقعد على أزهار مختلفة، بل على زهر واحد، أعنى أنه ينتقل من زهر البنفس إلى زهر البنفس ولا يدنو من زهر آخر حتى يعود إلى خليته. وتتبع كل نحلة محملة ثلاث أو أربع نحلات. وليس يمكن أن يعاين أحد ذلك الذى يأخذ النحل، ولا يعلم بأى نوع يعمل ما يعمل، فإن ذلك لم يعاين قط؛ فأما حمل الشمع من ورق وزهر الزيتون فقد عوين، لأن النحل يجلس على ورق الزيتون حيناً كثيراً، لحال سفاقته.

وبعد ذلك يفرخ النحل. وليس شىء يمنع أن يكون فى الشهدة الواحدة فراخ وعسل وذكورة النحل. فإن كان الملك حياً، فالذكورة تكون على حدتها؛ وإن هلك، يتولد من النحل فى ثقب النحل، فيكون ذلك النحل أشد عضاً، ومن أجل ذلك يسمى النحل اللداغ. فأما الذكورة فهى تهم باللدغ ولا تقوى عليه. وبيوت ذكورة النحل أكبر وأوسع من غيرها. والنحل ربما بنى من الموم بيوتاً للذكورة مفردة.

وأجناس النحل كثيرة، كما قيل أولاً. وللملوك جنسان: أحدهما أحمر اللون وهو أجود الملوك، والآخر أسود مختلف اللون؛ وعظم جثة الملك يكون مثل عظم جثة النحلة التى تعمل العسل مرتين.

والنحلة الكريمة تكون صغيرة مستديرة الجسد مختلفة اللون. وتكون أيضاً نحلة أخرى مستطيلة الجسد شبيهة بالنحل الذكر. وتكون نحلة أخرى كبيرة عظيمة البطن. فأما النحلة الذكر فجثته أكبر من سائر جثث النحل، غير أنه ليس له حمة، وهو كسل ردىء الحركة. وبين النحل الذى يرعى فى السهل وبين النحل الذى يرعى فى الجبال — اختلاف: فإن الذى يرعى فى الغياض والجبال أصغر جثثاً وأكثر عملاً.

والنحل الكريم يعمل الشهد أملس، مستوياً، وأغطية الثقب أيضاً ملس مستوية. وهو يملأ بعض الثقب عسلاً، وبعضه مزاجاً، وبعضه نحلاً ذكر. فأما النحل المستطيل الجسد الذى ليس يكون فهو يعمل شهداً قليل الاستواء ويعمل الأغطية منتفخة شبيهة بأغطية ثقب النحل [٢٥٤] الذكر، ويعمل أيضاً سائر الأعمال المنضدة كما جاءت بالبخت على غير إحكام. ومنها [ما] تكون الملوك الرديئة والذكورة التى تسمى باليونانية فوراس وتفسيره: لصوص، وليس يعمل هذا الصنف إلا عسلاً يسيراً، ولا يعمل شيئاً البتة.

والنحل يجلس على ثقب الشهد لينضج العسل. وإن لم يفعل ذلك، فسد الشهد وتولد فيه عنكبوت؛ فإن قوى على تنقيته، سلم وكان غذاؤه من العسل؛ وإن ضعف عنه، هلك. ويتولد فى الخلايا التى تفسد دود صغير، وتنبت له أجنحة.

وإذا وقع شىء من بيوت الموم، أقامه النحل وأسنده ببناء لكيلا يقع، ولكن يكون سهل المدخل. وإذا لم يكن له مدخل، لا يجلس على الثقب.

وليس لذكورة النحل ولا للتى تسمى باليونانية فورس Φωρεσ جنس ولا عمل وإنما تأكل عمل غيرها وتضر بالنحل. فإذا شد عليها النحل قتلها. والنحل أيضاً يقتل الملوك الرديئة، لكى لا يكبر ويفرق ما بين النحل الذى فى الخلية. ويقتل كثيراً من الملوك، خاصةً إذا لم تكن الفراخ كثيرة ولا الطرد، فالنحل فى تلك الأزمان يمسك بيوت الملك ويفسد بيوت ذكورة النحل، وخاصة إذا قل العسل: فإنه إذا عرض ذلك، قتل النحل ما كان فى الخلية من الذكورة. ولذلك تظهر الذكورة مراراً شتى جالسة على ظهر الخلية. وجنس النحل الصغير يروم قتال النحل المستطيل وإخراجه من الخلايا: فإن قوى على ذلك، فهو منتهى جودة النحل. فأما الصنف الآخر فإنه إذا يكون بطالاً لا يعمل عملاً فيه خير البتة، وهو يهلك فى الخريف. فإذا قتل النحل شيئاً، فهو يروم قتله خارجاً من الخلية. فأما إن قتل شيئاً داخلاً. فهو يخرجه ويلقيه. فأما صنف النحل الذى يسمى فورس Φωρεσ فهو يضر الشهد الذى يكون فيه؛ وربما دخل فى بيوت سائر النحل إن قدر على أن يغتاله. فإن أدرك، قتل، ولا يقوى على أن يقاتل النحل ويدخل فى بيوته إلا بعسرة وشدة، لأن فى بيوت كل واحد من النحل حفظة. وإن قدر على الدخول خفيةً، لم يقدر على الطيران لأنه ممتلئىء عسلاً، بل يتمرغ بين يدى الخلية، فليس [٢٥٥] يكاد أن يفلت من النحل.

فأما الملوك فليس تظهر خارجاً بنوع آخر إن لم يكن مع عنقود من عناقيد الفراخ. وإذا خرج يكون سير الفراخ حوله ملتفةً به. وإذا أراد أن يخرج طرد فراخ تكون فى داخل الخلية، دوى وصوت قبل خروجه بيومين أو ثلاثة، ويظهر قليل من الفراخ خارجاً على مدخل الخلية، ولم يظهر إن كان الملك فيها لأن معاينته ليست بيسيرة. وإذا اجتمعت الفراخ، طارت وافترقت مع كل واحد من الملوك فرقة. وإن كان فى الفراخ قلة، فهى تجلس على بعد، وتصير القلة إلى الكثرة؛ وإن تبعها الملك الذى تركت، قتلته.

فهذه حال خروج فراخ النحل. وينبغى أن تعلم أن النحل مرتب على كل حال من الأعمال — أعنى أن بعض النحل يأتى 〈برحيق〉 الزهر، وبعضه 〈يأتى بالماء، وبعضه〉 ينقى ويصلح الموم؛ ومنه 〈ما〉 يسقى ماءً إذا كان له فراخ. وليس يجلس النحل على جسد آخر ولا يدنو من أصناف الأطعمة. وليس يعمل النحل زماناً معروفاً ولا وقت الابتداء؛ وإنما يبدأ بالعمل إذا كان مخصب الحال فى أى زمان كان من السنة. وإذا كان الهواء صاحياً، فهو يعمل عملاً صالحاً متتابعاً. وإذا خرجت الفراخ الحدث يبدأ بالعمل بعد ثلاثة أيام إن كانت لها حاجتها من 〈الغذاء، وبعد أن تتجرد من〉 الغطاء. 〈وحينما تستقر جماعة النحل، ينفصل عنها بعض النحل بحثاً عن الغذاء ثم يعود إليها〉. وليس ينقص الخلايا شىء من فراخ النحل ما خلا أربعين يوماً فقط، أعنى الأيام التى بعد الزوال الشتوى. وإن شبت الفراخ 〈وضع النحل غذاءً إلى جوارها وغطتها بغطاء من الشمع، ومتى استطاعت الفراخ〉 شقت الغطاء الذى على الثقب وخرجت. — فأما الهوام التى تكون فى الخلايا 〈و〉تضر بالشهد، فالنحل الكريم يطردها ويخرجها؛ فأما النحل الآخر فإنه يتغافل عنها لرداءته ويترك أعماله تفسد وتهلك.

وإذا قطعت شيئاً من الشهد القوام على تعاهد النحل، يتركون للنحل كفافها من العسل ليكون طعماً لها فى الشتاء؛ فإن كان ذلك الطعم كفافاً، سلم النحل الذى فى الخلية. وطعم النحل العسل فى الصيف والشتاء. ويوضع للنحل طعم آخر من الزبيب أو من الحلوى.

والدبر يضر بالنحل جداً، 〈وكذلك〉 الطير الذى يسمى باليونانية أجيثالوس αιγιΘαλοσ، والخطاف والطير الذى يسمى مارپس. μεροφ .والضفادع التى تكون فى النقائع تلقى النحل وهو يريد شرب الماء فتأكله، [٢٥٦] ولذلك يصيد الضفادع القوام على النحل ويفسد أعشة الدبر والخطاف الذى يكون فى قرب الخلايا — وليس يهرب النحل من أصناف الحيوان ألبتة، بل يهرب بعضه من بعض، ويقاتل بعضه بعضاً مع قتاله الدبر. وإذا كان النحل خارجاً من الخلايا، لا يضر بعضه ببعض ولا بشىء آخر ألبتة، وإنما يلدغ ويقتل ما يدنو من الخلية إذا قدر أن يقهره ويغلبه.

〈والنحل إذا لدغ، مات هو نفسه، إذ يستحيل عليه أن ينتزع الحمة دون أن ينتزع أحشاء نفسه فى عين الوقت〉؛ 〈لكن ليس هذا صحيحاً دائماً〉، لأنه ربما سلم الملدوغ إن تعاهد موضع اللدغ وعصره حتى يخرج من الحمة. وإذا ذهبت حمة النحلة ماتت. وهو يلدغ الحيوان العظيم الجثة. وقد هلك — فيما سلف — قوم من لدغ النحل. وليس تلدغ ملوك النحل ولا تغضب.

وإذا هلك شىء من النحل فى داخل الخلايا، أخرجته الأحياء إلى خارج. وهذا الحيوان نقى نظيف جداً، أكثر من جميع الحيوان، ولذلك يلقى زبله وهو يطير مراراً شتى، لأنه منتن. والنحل يكره كل رعى يكون منتناً وخم الرائحة كما قلنا فيما سلف؛ ويكره رائحة الأزهار الطيبة الريح، ولذلك يلدغ من ادهن بشىء منها ودنا منه.

والنحل يهلك لحال أعراض كثيرة تعرض له، وإذا كبرت ملوكها وصار مع كل واحد منها وافترق. والجرذون φρυνη, crapaud يجلس قريباً من مدخل الخلية وينفخ ويرصد ما يخرج من النحل ويأكله؛ وليس يقوى النحل الإضرار به البتة، وإنما يحتال ويقتله القيم عليه.

وقد ذكرنا فيما سلف أنه يكون فى النحل جنس ردىء يعمل موماً حسناً. وقد زعم بعض القوام على العسل أن العمل الحسن عمل فراخ النحل لقلة تجربته وخبره ذلك. وليس تلدغ الفراخ لدغاً شديداً أيضاً ولذلك تطير وشكلها شكل عنقود. وإذا لم يبق فى الخلايا عسل أخرجوا الذكورة منها، وأطعموا النحل تيناً وغير ذلك من الحلوى.

وما كان من النحل مسناً فهو يعمل داخلاً. وهو أزب، لكينونته هناك. فأما الحدث من النحل فهو يجلب من خارج، وهو أملس، أجرد الجسد أكثر من المسن. والنحل يقتل الذكورة خاصة إذا لم يكن له سعة فى داخل الخلية يعمل فيها عمله، وهى (أى الذكورة) تكون فى آخر الخلية. وقد اعتلت خلية فى الزمان السالف 〈و〉مرض ما كان فيها [٢٥٧] من النحل، فجاء بعضه إلى خلية أخرى غريبة، وقاتل النحل الذى كان فيها، وأخرج العسل. وأقبل القيم على الخلايا يقتل النحل الذى جاء إلى غير مأواه، فخرج النحل من الخلية وقاتل الخلية الغريبة ولم يلدغ الرجل البتة، لحال دفعه المكروه عنها.

والأمراض تعرض خاصة للنحل المخصب، أعنى المرض الذى يسمى 〈كليروس κληροσ〉 وهو دود صغير يكون فى أرض الخلية، وإذا نشأ يكون مثل عنكبوت ويستولى على كل الخلية وبعض الشهد والموم. وأيضاً يعرض لها مرض آخر، وهو من بطلان النحل، وكذلك يعرض للخلايا رائحة منتنة جداً [فيفسد ويهلك فى حال تلك العلة].

والنحل يرعى السعتر، والأبيض 〈منه〉 أجود من الأحمر. ولا ينبغى أن يكون النحل فى مكان بارد، إذا كان أوان الصيف والسموم؛ وفى الشتاء 〈ينبغى أن يكون〉 فى مكان دفىء. وإنما يمرض النحل خاصةً إذا لقط الزهر الذى وقعت فيه القملة. وإذا أصابه ريح عاصف، استتر بحجر يكون قبالة الريح. والنحل يشرب من الماء القريب وليس يشرب من غيره. وليس يشرب حتى يلقى ثقله أولاً. وإن لم يكن فى قربه ماء، شرب من الماء الذى يبعد عنه، والنحل يقىء العسل فى مأواه ثم ينطلق إلى العمل أيضاً.

وهو يعمل العسل فى زمانين: أعنى زمان الربيع، وزمان الخريف. والعسل الذى يعمل فى الربيع أشد بياضاً وأجود من الذى يعمل فى الخريف على كل حال. والعسل الجيد يكون من الموم الحديث، ومن فراخ النحل. فأما العسل الأحمر فهو أردأ، لحال الموم، لأن الموم يفسد كما يفسد الشراب فى الإناء. فلذلك ينبغى أن ييبس. وإذا أزهر السعتر وكان الموم مملوءاً لا يجمد العسل. وأجود العسل الذى لونه مثل لون الذهب. وليس يكون العسل الأبيض من السعتر الخالص، وهو جيد للعينين والجراحات. وأضعف العسل يكون أبداً فى أعلى الإناء، وينبغى أن يلقط ويخرج؛ فأما العسل النقى الطيب فهو يكون فى أسفل الإناء.

وإذا أزهرت الأعشاب، يعمل النحل موماً؛ ولذلك ينبغى أن يخرج بعض الموم من الشهد فى ذلك الأوان، فإنه يعمل من ساعته أيضاً.

والنحل يلقط أزهار [٢٥٨] العشب التى تسمى اكليل الملك، والآس، والحناء، والذى يسمى باليونانية اطراقطولس ατρακτυλλισ واغنوس αγνοσ واسبرطون σπαρτον وفلاوس Φλεωσ. وإذا عمل النحل شيئاً من السعتر خلط معه 〈ماءً〉 قبل أن يلقى الموم. — وجميع النحل يروث 〈إما〉 وهو يطير كما قيل أولاً، 〈أو〉 يروث فى مكان واحد من الخلية. — والنحل الصغير يعمل أكثر من الكبير كما قيل فيما سلف. وأجنحة النحل الصغير منسحقة، وهى سود الألوان كأنها محترقة. فأما النحل الصافى النقى فهو شبيه بالنساء البطالات اللائى لا يعملن شيئاً.

وهو يظن أن النحل يلذ بالتصفيق، ولذلك يصفقون إذا أرادوا جمع الفراخ كما زعم بعض الناس. — وليس هو بين إن كان كل النحل يسمع، وهو يفعل ذلك لحال اللذة أو لحال الجزع.

والنحل يخرج ما كان منه بطالاً وما لا يقوى على العمل. وهو يقسم الأعمال كما قلنا فيما سلف: فبعضه يعمل الموم، وبعضه يعمل العسل، وبعضه يحمل ويبنى البيوت، وبعضه يسقى الماء ويصبه فى الثقب ويخلطه بالعسل. ومنه ما يبكر وينطلق إلى العمل؛ ومن النحل ما يسكت حتى تنهض واحدة وتصر مرة أو مرتين؛ فإذا سمعه سائر النحل طار كله معه، ثم تعود أيضاً وتصر أولاً وتفعل ذلك رويداً رويداً حتى تمر بها نحلة واحدة وتصر كأنها تعلمها أنه قد بلغ وقت الموم، وتسكت بغتة. وإنما يعرف خصب الخلية من قبل كثرة الدوى وكثرة حركة النحل عند خروجه ودخوله. والنحل يجوع خاصةً فى أول الشتاء. وإن ترك للنحل عسل أكثر من حاجته فى زمان قطاف الشهد يكون بطالاً قليل العمل؛ فينبغى أن يترك فى الخلية شهد وعسل قدر كفاف النحل؛ فإنه إن ترك أيضاً عسل أقل من حاجته صار كسلاً قليل العمل. ويقطف من الخلية الواحدة من العسل قدر الكيل الذى يسمى باليونانية خوس χουσ, χοοσ أو قدر كيل ونصف، وربما قطف من الخلية المخصبة كيلان ونصف 〈خوس〉. فأما ثلاثة أكيال 〈خوس〉 فلم تخرج خلية إلا فى الفرط.

والشاء مخالف للنحل، والدبر أيضاً كما قلنا فيما سلف. والقوام على النحل يصيدون الدبر بحيل مثل هذه: يضعون لحماً فى قدر؛ فإذا اجتمع الدبر ووقع على [٢٥٩] ذلك اللحم غطوا القدر بغطائها، ووضعوها على النار وأهلكوا ما فيها.

وإذا كان فى الخلية ذكورة يسيرة نفعت النحل، لأن النحل يكون أنشط وأسرع إلى العمل. والنحل يتقدم ويعمل للشتاء الآتى والمطر. وعلامة ذلك أنه لا يطير، بل يثبت 〈طيرانها〉 فى داخل الخلية والهواء صاف؛ فإذا كان ذلك، علم القوام على النحل أنه يترجى الشتاء. — وإذا تعلق بعضه ببعض فى داخل الخلية، فإنه يدل على أنه يريد تركها، ولذلك ينضح القوام شراباً حلواً إذا أحسوا بتعليق بعضها بعضاً. وينبغى أن تنضب فى المكان الذى تكون فيه الخلايا كمثرى جبلى وباقلا وقت رطب وجلنار وآس وخشخاش و〈هرفلون ερπυλλον〉 ولوز. والقوام على النحل يعرفون نحلهم إذا ذروا دقيقاً حول المكان الذى يشرب النحل منه. — وإذا كان الربيع كثير القحط، وإذا وقعت القملة فى المزروع أسرع النحل إلى التفريخ.

فهذه حال النحل وتدبيرها.